قد يحيّر استمرار عجلة الاقتصاد اللبناني في الدوران، وإن بشكل متعثّر، الكثير من الخبراء الدوليين الذين ينظرون إلى الاقتصاد في أي بلد من منظار علمي أكاديمي بحت. وقد لا يفهم هؤلاء “كيف البلد ماشي؟” على الرغم من الأزمة الاقتصادية منذ تشرين الأول العام 2019، والمستمرة في التفاقم بظل شبه تحلّل كامل لمعظم مؤسسات الدولة، وتوتر في الجنوب يخشى من أن يصبح شاملاً في أي لحظة، وأزمة رئاسية مستعصية، وخزينة شبه مفلسة، والإدارة العامة في إضرابات متسلسلة لا تنتهي، وموازنة تضاعفت الضرائب فيها عشرات المرات ما يشجع على التهرب الضريبي والتهريب وبالتالي حجب أموال إضافية عن الخزينة، وغيرها من العوامل السلبية التي لا تفسّر كيفية استمرار الاقتصاد اللبناني و”كيف البلد ماشي؟”.
الخبير الاقتصادي والمالي البروفسور جاسم عجاقة، يوضح أن هناك “بعض العوامل التي قد تفسّر كيفية استمرارية الاقتصاد اللبناني على الرغم من كل الأزمات التي نعيشها، لكنها من دون شك لا تبرِّر “كيف البلد ماشي؟” لأنها لا تشكّل سوى جزءاً صغيراً من مجمل الاقتصاد”.
عجاقة يشير في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أنه “من العوامل المساهمة في استمرار دوران عجلة الاقتصاد اللبناني: دولارات المغتربين التي ترسل إلى عائلاتهم في لبنان. والدولارات التي تدخل من السياحة في فترات الهدوء المتقطعة والتي تساعد على الصمود لفترة قصيرة. والدولارات التي تدخل من خلال اللبنانيين والأجانب في لبنان الذين يعملون “أونلاين” لصالح شركات أجنبية وعالمية. والدولارات المتأتية من التحويلات المالية لجمعيات الـNGOs المختلفة العاملة في لبنان”.
يضيف: “هناك أيضاً بعض الأموال التي تلعب دوراً في استمرارية الاقتصاد اللبناني والتي تدخل إلى البلد من الصادرات، علماً أن معظم الأموال الناتجة عن عمليات التصدير تبقى في الخارج لأن غالبية المصدّرين يخافون من إدخالها إلى لبنان، لئلا تُحتجز في المصارف في أي لحظة نتيجة غياب الثقة والأوضاع المعروفة. بالتالي معظم ما يدخل إلى البلد نتيجة عمليات التصدير يدخل على شكل مواد أولية لزوم التصنيع”.
لكن عجاقة يشدد، على أن “كل ذلك لا يبرِّر وضع الاقتصاد اللبناني الحالي، و”كيف البلد ماشي؟”. فإذا اعتبرنا أن المغتربين يحوّلون ما بين 6.5 إلى 7 مليار دولار سنوياً، والدولارات من السياحة تقدَّر بنحو 3 إلى 4 مليار دولار سنوياً بحسب الأوضاع، بالإضافة إلى الدولارات التي يحصل عليها اللبنانيون وغيرهم الذين يعملون في لبنان “أونلاين” ودولارات جمعيات الـNGOs وقسم من الدولارات الناتجة عن عمليات التصدير، تبقى كل هذه الأموال غير كافية بالمطلق لتأمين العيش في لبنان بشكل كريم ولاقتصاد منتعش وسليم وصحي”.
التفسير الأرجح بالنسبة للخبير عجاقة، أن هناك “اقتصاداً غير رسميّ ينتعش على حساب الاقتصاد الرسمي. بمعنى أن الاقتصاد الرسمي لا يمكنه تبرير أرقامه. فالاستيراد في لبنان اليوم سنوياً، حتى من بعد انفجار الأزمة، يتخطَّى الـ16 أو الـ17 مليار دولار. بالتالي، كل المداخيل والدولارات التي تدخل إلى لبنان من المصادر التي أشرنا إليها لا تصل إلى رقم الـ17 مليار دولار، ولا تبرِّر “كيف البلد ماشي؟”. وأغلب الظن أن الاقتصاد غير الرسمي يلعب دوراً كبيراً في هذه المعادلة، لأن الاقتصاد الرسمي عاجز عن تبرير أرقامه”.
في السياق ذاته، لا تبدو مصادر اقتصادية وتجارية، فضّلت عدم تسميتها، بعيدة عن هذا التفسير لكيفية استمرار الاقتصاد اللبناني من دون السقوط كلياً و”كيف البلد ماشي؟”. وتقول المصادر لموقع “القوات”، إن “الاقتصاد غير الشرعي المتوسّع، من عمليات التهريب على الحدود غير المضبوطة، وما يحكى ويتردد بين فترة وأخرى عن عمليات غسيل وتبييض تتولاها جهات نافذة، بالتواطؤ مع بعض التجار الكبار الذين يؤمّنون التغطية لها باعتبار أن الشبهات بعيدة عنهم لكونهم لا ينتمون بشكل مباشر إلى تلك الجهات، ربما يفسّر هذا الفرق بالأرقام بين الاقتصاد الشرعي وبين الاقتصاد غير الشرعي”.
المصادر الاقتصادية والتجارية نفسها، ترى أن “الجهات النافذة المسيطرة على الاقتصاد غير الشرعي والمتحكمة بمفاصله، باتت تدرك مفاتيح هذه اللعبة جيداً. فالجهات المقصودة تقوم بتغطية نفسها من خلال بعض التجار من خارج بيئتها المباشرة وتتبادل الخدمات والأرباح معهم بظل ضعف أجهزة الرقابة المحلية، وباعتبار أن هؤلاء لا تحوم حولهم الشبهات غالباً، والأنظار غير مسلطة عليهم، والانطباع العام بأنهم خارج دائرة رصد الجهات الرقابية الدولية”.