فتشوا عن سيادة دولة وحقوق الإنسان

حجم الخط

كتب جو حمورة في “المسيرة” ـ العدد 1750

ملاحظات على هامش حرب غزة

فتشوا عن سيادة دولة وحقوق الإنسان

تبرز مجموعة ملاحظات حول المعارك التي بدأت ترتفع حدتها في جنوب لبنان بين إسرائيل و”حزب الله”. لكن ليس كل شيء مرتبطًا بالأسلحة والجيوش والمنظمات المقاتلة وتكتيكاتها، إنما بما هو أكثر ارتباطاً بالأفراد وحياة الأبرياء والديمقراطية المحلية.

في مسألة حماية الناس، بنت إسرائيل آلاف الملاجئ منذ عقود طويلة، وعززت هذه الملاجئ في الشمال خصوصاً في الأعوام الأخيرة. بالتوازي، لم يبنِ “حزب الله” ملجأً واحداً في ضاحية بيروت الجنوبية أو الجنوب، بل ركز على حفر الأنفاق في الأودية والجبال لتعزيز قدراته اللوجستية وأعماله العسكرية.

لا تعني هذه المقدمة تمجيداً بإسرائيل التي تنكِّل بالأطفال والأبرياء، إنما الهدف منها الإضاءة على عدم أخذ “حزب الله” مصير شعب بالحسبان، بل قرر اعتباطيًا أن يتكلم باسمه ويحدد مسار الحرب والسلم. فالحزب لا يهمه شيء أبعد مما يخدم مصالحه، ومصالح إيران وحضورها الاستراتيجي في المنطقة. أما ما تبقى فهو غير موجود في سلّم اهتماماته واستراتيجيته، لا بل يفضّل ربما أن يبقى المدنيون عُزّلاً ليتم التفاوض مع دول العالم على أشلائهم. هذا الأمر يُشبه ما جرى مع حركة حماس عند بدء الحرب مع إسرائيل، وعندما رأت قيادة المنظمة الفلسطينية أن الأنفاق هي للقادة والمقاتلين، أما الشعب فليتدبر أمره!

حتى في مجال الأسرى وجثث القتلى، تعمل إسرائيل لاستردادهم. فهي تشن الحروب، تواجه، تفاوض، تهادن، وتوافق على وقف إطلاق النار والدخول في هدنة، وتخسر الكثير من الجنود لكنها، في النهاية، تحصل على مرادها. في المقابل، لا “حزب الله” ولا حتى الدولة اللبنانية تكترث فعلاً لأسير أو أشلاء مواطن؟ في 4 آب، قُتل المئات في انفجار مرفأ بيروت ولم تقم محاكمة عادلة لأجلهم. خُطف لبنانيون في أرض الوطن وفي المهاجر وأسر المئات في السجون السورية منذ عقود، وقلة تكترث جدياً. أكثر من ذلك، تنفي الدولة اللبنانية علمها بوجود معتقلين في السجون السورية، علمًا أن شهادات العائدين من أقبية الظلم والتعذيب تشهد على وجود معتقلين في سوريا.

أيضًا في جنوب لبنان، نزح عشرات الآلاف من القرى الحدودية خوفاً على حياتهم، ولم ينظم الحزب عملية النزوح أو تأمين مأوى بديل أقله في القرى الخاضعة لسلطته ولبيئته، لعله يريد أن يبقوا للاحتماء بهم وبأرواحهم. في المقابل، النزوح الإسرائيلي من شمال البلاد كان منظماً، بدعوة من الحكومة الإسرائيلية، وضمن أطر وطرق ووجهات محددة ومعروفة. هناك فرق كبير بين نزوح وآخر.

وفي ظل ما يحصل في الجنوب، يبرز السؤال: ما هو الدور المنوط برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أو وزير الدفاع اللبناني موريس سليم؟ وهل لا يزال كُثر يأخذون بشعبوية مواقف أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله على محمل الجدّ؟

في السياق، من قرر مثلاً أن تدخل حركة أمل في المواجهة جنوباً وإلى أي حدود؟ من قرر وإلى أي حدود وأي مدى يمكن للحزب السوري القومي الاجتماعي النشاط العسكري والأمني جنوباً؟ كل هذه الأسئلة لا إجابة عنها حتى الآن، وقد لا تجد الأجوبة ربما في المستقبل. لا أحد يعرف حدود اللعبة وصاحب القرار السياسي والعسكري على الجبهة اللبنانية.

وبين حكم يحترم مواطنيه ويُطلعهم على ما يجري ويعرف كل واحد حدود صلاحياته ومسؤولياته، وبين الواقع اللبناني المزري الذي يتحكم حزب مسلح فيه بقرار الحرب والسلم والسيادة اللبنانية ككل، هنا السؤال: في أية دولة نعيش؟ والى متى ستبقى السيادة منقوصة؟

بعض الصراعات غير مرتبطة بالتكتيكات العسكرية والاستراتيجيا والنفوذ الإقليمي. بعض الصراعات، كتلك الدائرة في جنوبنا اللبناني، فيها الكثير من كل ما سبق، تماماً كما فيها الكثير من العنصرية وقليل من الإنسانية على جانبي الحدود، والأكثر، الانتقاص من سيادة الدولة!

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل