14 شباط ـ 14 آذار.. نماذج للتاريخ إن حكى!

حجم الخط

إنه شباط. بالنسبة الى المجتمعات ليس التاريخ حدثًا عابرًا ومضى إنما هو حاضر نعيشه، لأن الحاضر هو امتداد لهذا الماضي وهو المستقبل الذي سنعيشه لأننا سنخطط بناءً على هذه الذاكرة التاريخية… وفي هذا السياق، يقول الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي هنري إيريني مارو “إن التاريخ ليس سردًا لأحداث الماضي، ولا عملًا أدبيًا لكتابة الماضي الإنساني، التاريخ هو معرفة علمية ينشئها المؤرخ عن ذلك الماضي، معتمدًا على منهج علمي صارم ودقيق، هدفه الكشف عن حقيقة هذا الماضي”.

لا شك أن تاريخ لبنان الحديث المعاصر مفعم بالأحداث والتواريخ التي طبعت وأثّرت وغيّرت في المسارات والتوازنات سلبًا كانت أم إيجابًا، وقد تتشابه ظروفها ومآلها الى حد التكرار، ويصحُّ فيها مقولة “التاريخ يعيد نفسه”. إلا أنها أيضًا قد تختلف وتفترق بالشكل وتتطابق بالنتائج.

ليس المجال ولا الهدف من بحثنا الإحاطة بكل تلك الأحداث – النماذج المؤثرة المتشابهة أو المختلفة بعضها عن بعض.. لذلك سنختار بعض ما شكّل نقاط تحوّل ومنعطفات ورافعات وسقطات – في آن – وسمت ماضي المسيحيين خصوصًا واللبنانيين عمومًا، حاضرًا ومستقبلًا، وأثّرت عليهم وعلى حاضر ومستقبل المجتمع والوطن.

بين الحب والقتل تعود الذاكرة الى 14 شباط 1989 عند أول مواجهة دموية عسكرية بين ميشال عون و”القوات اللبنانية” في رسالة تقاربية مع المحتل السوري بعثها رئيس الحكومة العسكرية الانتقالية المرشح لرئاسة الجمهورية لتحمل تعهدًا جديدًا قديمًا بالقضاء على رأس حربة المعارضة المقاومة للاحتلال السوري.

أيضًا، بين الحب والقتل تعود الذاكرة الى 14 شباط 2005 تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، المعارض السنّي المتحالف مع المعارضة المسيحية والدرزية للاحتلال السوري وللنظام الأمني السوري وحلفائه وأتباعه بغية القضاء على أية معارضة أو مقاومة مفترضة لهذا الاحتلال وذاك النظام… وهذا ما أثبت لاحقًا في محاولة عرقلة التحقيق الدولي وفي تسخيف جريمة الاغتيال كـ”ضرب من ضروب الرذالة”، وفي محاولة إنهاء مفاعيل “غضب المعارضين” مع “انتهاء فترة الحداد”.

في قراءة الإيجابيات بعد السقطات نعود بالذاكرة الى 14 آذار 2005 يوم أطلق ميشال عون ما أسماها يومها بـ”حرب التحرير ضد الاحتلال السوري”. وعلى رغم الاثار التي أصيبت بها “القوات اللبنانية” من محاولة الإلغاء الأولى في 14 شباط 1989، اعتبرت قيادتها أنها حرب مبدئية تحريرية بالمسار الصحيح ولو أن ظروف إطلاقها لم تكن مناسبة على الإطلاق…

وهنا نقرأ من كتاب فايز قزي “من ميشال عفلق الى ميشال عون”، الصفحة 214: “لم يكن لميشال عون أي شريك أو حليف في هذه الحرب (حرب التحرير) لو لم تبادر القوات اللبنانية الى اللحاق بموقفه دفاعًا عن المنطقة الشرقية، متجاوزة الآثار السلبية التي خلّفتها معركة مع الجيش في 14 شباط”.

إلا أن حقيقة وظروف ما أعتُبِرَ يومها “حرب تحرير” عاد وعبّر عنها عون شخصيًا بقوله: “حرب التحرير بدأت بحصار على المرافئ وانتهت بـ”تنفيسة”… والحقيقة المرّة المخيّبة الفاضحة الأخرى تظهرت من خلال ما كُشف عن أن يوم 14 آذار 1989 كان يومًا مخططًا له “أن يكون انقضاضًا لجيش عون ومغاويره على “القوات اللبنانية” ومقرّها في المجلس الحربي “لاستكمال ما بدأناه في 14  شباط”، على ما كشف العميد شامل روكز في إطلالته الأخيرة مع الصحافي داني حداد، وقد سبق للعميد جورج نادر أن أورد ذلك في  كتاب مذكراته بعنوان “هذا أنا جورج نادر”… وطبعًا غنيٌّ عن التأكيد ما انتهت إليه حرب التحرير المزعومة من اتفاق الطائف و”إكمال ما بدأ في 14 شباط 2005” في 31 كانون الثاني 1990، وصولًا الى تمدد الاحتلال السوري الى المناطق في 13 تشرين الأول 1990 والتي بقيت حرّة وعصيّة على الاحتلال حتى ذاك التاريخ.

في قراءة الإيجابيات بعد السقطات أيضًا نعود بالذاكرة الى 14 آذار 2005، والتي أتت بعد محاولة “إكمال ما بدأ” في 14 شباط 2005 من تفجيرات وعرقلات للتحقيق وتُوِّجت بحشد جماعة سوريا في تظاهرة الشكر والوفاء في 8 آذار 2005 ليكون الرد مدوّيا وبالمسار الصحيح المبدئي للقضية الأساس تحت شعار “لبنان أولًا” في 14 آذار 2005 واستُكملَ بالانسحاب السوري في 26 نيسان من العام نفسه والانتخابات النيابية التي تلت.

وهنا أيضًا، وفي قراءة لحقيقة الظروف التي سبقت وواكبت وتلت 14 آذار 2005 والأدوار التي لعبها الفرقاء على الساحة اللبنانية، نتوقف عند الضغوط والاغتيالات التي قامت بها فلول النظام الأمني السوري اللبناني وورثته الإقليميين والمحليين، وأدت فيما بعد الى خَبْتِ “جزوة” ثورة الأرز، وبالتالي سقوط بعض قواها في تجارب المحاصصة والمفاوضة فالمساومة، وبعضها الآخر في خطيئة التقلّبات والانقلاب على المبادئ، لعلة الخوف فالاستسلام تحت فوهة “المسدس المصوّب الى الرأس” و”ربط النزاع مع السلاح وحزبه”.

اليوم وبعد انتخابات 2022 ونتائجها المنعشة لذاكرة قوى 14 آذار الحقيقية التحررية – التحريرية 1989-2005 ومع فقدان قوى 14 شباط 1989-2005 للأكثرية النيابية والطالبية والنقابية… تلوح في الأفق ثورة أرز متّقدة متوهجة يعبّر عنها بوضوح وجرأة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، تواكبه معارضة متنوّعة مختلفة مشاربها بنسب متفاوتة، وتترجمها رأس حربتها “القوات اللبنانية” على أرض الواقع السياسي الثابت والراسخ على المبادئ الدستورية الوطنية والسيادية، واضعة نصب أعينها نظام قابل للحياة ملبّي للطموحات.

“المسيرة” ـ العدد 1750

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل