في حمأة التطورات الدولية والإقليمية والمحلية السياسية والعسكرية والأمنية، وفي كلمته بتاريخ 13 آذار 2024 سجّل نصرالله، له ولمحوره انتصارًا مبينًا وإنجازًا ناجزًا على عدوّ لدود استراتيجي ما زالت اصداؤه تتردد في الأروقة السياسية والإعلامية اللبنانية والعربية، وقد تتلمس العالمية لو أحسن نشره أو انتشاره. إنها “نشوة” نصرالله القبض على زلة لغوية لفظية وقعت بين “الباهظة” و”البهيظة”، لتضاهي نشوة القبض على نتنياهو ورئيس الموساد متلبسين بارتكاباتهما، في حال حصوله.
بعيدًا من التنّمر، إن تلعثم أحدهم بإحدى كلمات اللغة العربية أثناء الارتجال وأمام الكاميرا ووقوعه في حبائل صعوباتها، هو تمامًا كوقوع نصرالله نفسه أثناء إلقائه خطاباته المحضرة والمكتوبة سلفًا، في حبائل الألفاظ الفرنسية أو الإنكليزية والتي ينطقها بشكل مشوه وخاطئ، لو سمعها المُتلقي الفرنسي أو الأميركي الإنكليزي، و حتى العربي الملم بتلك اللغتين، لكان “دَفَّع” المُلْقي المذكور ثمنًا باهظًا وربما “بهيظًا”.
إن أثر الزلّات اللفظية اللغوية البريئة، يبقى محدودًا بالأوقات والأماكن الواقعة فيه، في حين أن زلات الأقدام التي غالبًا ما وقع ويقع فيها الممانعون الممسكون بزمام أمور الأوطان والمواطنين، تكون مُكلفة، وأثمانها باهظة على هؤلاء وعلى حياتهم ومستقبلهم، فكم بالحري إذا كانت سقطة أو قفزة إرادية في المجهول المعلوم، تمامًا كما حصل على سبيل المثال لا الحصر في خطف الجنديين الاسرائيليين في 12 تموز 2006، وكذلك في أحداث غزة في 7 تشرين الأول 2023، وما تلاها من انخراط للحزب في الثامن منه، وما تكبّدته غزة والفلسطينيون والجنوب والبقاع وبيروت وسائر اللبنانيين من خسائر وأثمان باهظة في الأرواح والأملاك ولا يزالون يتكبدونه… الأمر نفسه ينطبق على زلات قدم محور إيران في العراق واليمن وسوريا، بإرادة إيرانية. طبعًا لا تقع الاغتيالات والاعتداءات على الشركاء في الوطن في خانة الزلات أو السقطات اللا ارادية ولا العفوية.
وبعيدًا من العفوية ولا إرادية المُلْقي كما حصل في الزلة اللفظية، وقريبًا من التقصّد والتعمد في تحوير وقائع معينة وتقويل أناس ما لم يقولوه، نقع على مثلين صارخين سقط فيهما نصرالله بـ”زلّتَي قلم”:
1 ـ في 11 تشرين الثاني 2010 قام نصرالله بتلاوة رسالة “جوابية” قال إنها نشرت في صحيفة “النهار”، وادعى أن هنري كيسنجر كتبها للعميد ريمون إده يدين فيها كيسنجر نفسه ودولته… ليتبين حقيقة انها رسالة افتراضية خيالية، كتبها الصحافي سليم نصار في مجلة “الحوادث”.
2 ـ في 16 شباط 2023 قرأ نصرالله مقطعًا من محاضرة لرئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق باراك أوباما يقول فيها: “نحتاج فقط إلى إفساد الرأي العام لبلد ما بالرسائل العشوائية وطرح أسئلة كافية وزرع ونشر ما يكفي من الشائعات ونظريات المؤامرات”، وعرض نصرالله الأقوال المنسوبة إلى أوباما على أنها كشف عن استراتيجية أميركية معتمَدة وطُبقت في لبنان، من دون العودة الى أصل المحاضرة الموجودة بالنص والفيديو على شبكة الإنترنت، ليتبين بالعودة الى المحاضرة والتي كان عنوانها “تحديات الديمقراطية في عالم المعلومات الرقمية” ونظّمها مركز السياسة الالكترونية في “ستانفورد” بالاشتراك مع مؤسسة أوباما في 21 نيسان 2022، أن الرئيس الأسبق كان يشرح الآليات التي استخدمها أشخاص آخرون لبث عدم الثقة، كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين… ولم يكن كلام أوباما إلا في معرض التحذير من مخاطر مثل هذه السلوكيات التواصلية لا معرض التأييد لها. وكلام أوباما كان لمدة ساعة كاملة أقتطع منها نصرالله او فريق عمله “المُحترف” 40 ثانية بنى عليها أمين الحزب رؤيته للاستراتيجية الأميركية في العالم والمنطقة ولبنان… كما سبق له أن تعامل مع الرسالة الافتراضية لكيسنجر.
وللعبرة، لا بد أن نُذَكِّر بقول الكتاب المقدس في انجيل لوقا 6:41: “لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟”