ماذا في خبايا تحرك الحاج صفا، ولماذا خرج هذا التحرك الى الإعلام، إذ غالبًا ما يكون المسؤول عن أي جهاز أمني او استخباري أو معلوماتي مثار تحليل وجدل وخوف ورهبة، تحاك حوله وحول جهازه أخبار وأحداث مثيرة يكتنفها الغموض والإثارة والدهشة السلبية كما الإيجابية، كما تسرد الأخبار والتقارير عن إنجازات عظيمة وارتكابات فظيعة أنجزها وارتكبها المسؤول عبر جهازه.
وغالبًا ما يكون المسؤول ‘الأمني الاستخباري” “مُقلًّا” في الكلام، ونادرًا ما يكون “مُطّلًا” على الاعلام.
من هذا السياق نجد أنفسنا أمام نموذجي “فرع جهاز الأمن والاستطلاع في القوات العربية السورية”، و”وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب”، وهذه الأخيرة على ما سيتبين حذت حذو الفرع المذكور في الانخراط حتى العظم في السياسة الداخلية اللبنانية، لا بل في رسمها والتأثير في كل مفاصلها الممتدة من رأس الهرم في السلطة حتى أصغر عامل وطالب…
لقد لعب الحاج وفيق صفا منذ العام 2005 دورًا تخطى دوره الأمني الاستخباري البحت لتكون بصماته جليّة في الحكومات وتشكيلها وأسماء وزرائها وفي المجلس النيابي وتشكيل اللوائح الانتخابية فيه والقضاء في الاعتقال وإطلاق المعتقلين كما في تعيين القضاة وإقصائهم تحت التهديد وفي التعيينات وحتى في المفاوضات الداخلية والخارجية، وحتى لو كانت مع دول “مطبّعة” مع العدو ليحل محل الدولة اللبنانية “المُطَبّعة” مع الدويلة ذات “الطبع” العقائدي المعروف.
إن صفة “صفا” الأمنية تجعل منه مرنًا وبراغماتيًا الى حدود يتخطى بها أحيانًا كثيرة عقيدة الحزب الذي ينتمي اليه ويضرب بها أدبياته الدينية الأخلاقية والوطنية وحججه وبراهينه المُساقة ضد كل من خالفه رأيًا او قرارًا… ليصبح “التطبيع” الواقعي متغلبًا على “الطبعِ” الديني العقائدي الثابت في فكر الحزب.
في صورة تُظهر تطبيع الدولة مع “طبع” الدويلة نورد ما يلي:
1ـ في 18 ايلول 2010 أعلن “الحزب” انه سيقطع “اليد من الكتف” لمن يحاول اعتقال اللواء جميل السيد الذي صدرت بحقه قبل يومين مذكرة توقيف من القضاء اللبناني كمدعى عليه بتهديد أمن الدولة، والنيل من دستورها، وتهديد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري والتهجم عليه وعلى القضاء وأجهزة الدولة. وقبل عودة السيد الى مطار بيروت انتشر مسلحو الحزب في محيط المطار، ونزل أنصاره الى مدخله حيث اقتحمت بعدها سيارات أمنية تابعة للحزب مطار بيروت وأخرجت جميل السيد من مدرج الطائرات. بعدها قام مسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا نفسه بفتح صالون الشرف المخصص للوزراء والنواب لاستقبال اللواء جميل السيد داخله.
2 ـ في 19 نيسان 2014 حضر الحاج وفيق صفا مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب، اجتماعًا أمنيًا لقادة الأجهزة الأمنية الرسميّة، برئاسة وزير الداخلية نهاد المشنوق. علمًا أن الدولة “المطبّعة” مع الدويلة قد عبّرت عن “طبعِ” الدويلة على لسان المشنوق نفسه في 25 شباط 2016 اذ قال: “هناك وزير من الحزب وفي جلسة مجلس الوزراء، قال بين الوحدة الوطنية وإيران نختار إيران. يجب إنهاء الحوار مع الحزب. كيف يمكننا الجلوس والحوار وسط كل هذه الادوار التي يلعبها. من أنت لكي تواجه الدول العربية؟ لماذا لدينا مخازن أسلحة في نيجيريا؟ و8 خلايا أعلنت في 8 دول. فلبنان منطلق لأيّ مشروع؟ الحزب حوّل لبنان الى غرفة عمليات إرهابية وأمنية للعالم”.
3 ـ في 26 أيار 2020، قال النائب الياس بو صعب لـ”mtv”: “أرسلت كتابًا خطيًا لقائد الجيش عندما لم تُقفل المعابر واجتمعت حينها بوفيق صفا الذي قال نفذوا قراركم”.
4 ـ في 21 ايلول 2021، كشف الصحافي إدمون ساسين بتغريدة ما يلي: “الحزب عبر وفيق صفا بعث برسالة تهديد الى القاضي طارق بيطار مفادها واصلة معنا منك للمنخار، رح نمشي معك للآخر بالمسار القانوني وإذا ما مشي الحال رح نقبعك”.
5 ـ في 18 آذار 2024، توجه مسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب الحج وفيق صفا الى الامارات العربية المتحدة على متن طائرة خاصة يرافقه شخصان للتفاوض على اطلاق “معتقلين لبنانيين” في الامارات.
في صورة تغليب “تطبيع” صفا على “طبع” الحزب نورد ما يلي:
1 ـ في زيارة صفا المذكورة “التفاوضية” من “الدويلة” التي حلت مكان “الدولة” مع دولة الإمارات لإطلاق معتقلين لبنانيين، يتظهر أيضًا “تطبيع” صفا الذي غلب “طبع” الحزب الذي لطالما هاجم دولة الإمارات وخونها واتهمها بالعمالة، لاستمرار “تطبيعها” وعلاقتها مع العدو الاسرائيلي.
2 ـ في 6 ايلول 2013 قال وفيق صفا: “لم يرد أي اسم لي في المحكمة الدولية، بل بالعكس أنا من ينسق بين الحزب والمحكمة، ولم يكن في مرحلة من المراحل وجود أي اسم لي”. وهنا تغلّب “تطبيع” صفا وتنسيقه مع المحكمة الدولية على “طبع” الحزب وعقيدته وخطابه الرسمي باعتباره المحكمة المذكورة إسرائيلية، إنما أنشئت للنيل من الحزب وقيادييه.
3 ـ إطلاق “جزار الخيام” العميل عامر الفاخوري في 16 آذار 2020 عبر المحكمة العسكرية، حيث كان لـ”صفا” بصمات واضحة مؤثرة فيه، ظهرت لاحقًا مع صفقة الترسيم البحري والذي اعتبر “تطبيعًا” مقنّعًا مع العدو.
كما عاكس وكذّب “تطبيع” الحاج وفيق مع المحكمة “طبع” “الحزب”، فقد عاكس وكذّب “الحاج” لاحقًا إنكار الحزب لـ”طبعِه” التابع والمنفذ لأوامر إيران عبر كشفه أن حرب تموز 2006 كان قرارًا إيرانيًا لا لبنانيًا، إذ ذكر صفا لـ”العهد” في تاريخ 26 كانون الأول 2020 وفي ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني أن هذا الاخير “هو من خرج بفكرة أسر جنديين إسرائيليين في تموز 2006”.
ان يحذو “أمن الحزب” الذي يرأسه “الحاج وفيق” بالأسلوب والتجربة والاداء حذو “المخابرات السورية في لبنان” والذي كان آخر من رأسها العميد “أبو عبدو”، معناه بالمنطق المُساق أن الحزب عليه أن يتوقع نتائج لن تختلف عن تلك التي “جنتها المخابرات” من “جنّات” الحكم والسيطرة المديدة على لبنان.