تكساس تتمرَّد على نظام الهجرة.. هل تقفل الحدود نحو البيت الأبيض أمام بايدن؟!

حجم الخط

الهجرة ـ بايدن وترامب

الهجرة ـ الحدود الأميركية ـ المكسيكية

تكساس تتمرَّد على نظام الهجرة

هل تقفل الحدود نحو البيت الأبيض أمام بايدن؟!

تُعد ولاية تكساس الأميركية بؤرةً لصراع سياسي وشعبي محتدم حول موضوع الهجرة، حيث تراوح المواقف بين تشدد التيار المحافِظ من جهة، ودعوة التيار الليبرالي إلى مزيد من الإنسانية من جهة أخرى، وكل ذلك قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

الولاية الواقعة على الحدود مع المكسيك، والتي كانت في الماضي جزءًا منها، تعاني من أزمة هجرة ضخمة. تشبه الى حد كبير محافظة عكار اللبنانية أو البقاع، من حيث قرب الحدود مع الدول التي تشهد حركة هجرة كثيفة وتدفع المهاجرين إلى الاستقرار في المناطق القريبة. ويُطالب التيار المحافِظ المدعوم من حاكم تكساس “غريغ أبوت”، بتشديد إجراءات مراقبة الحدود مع المكسيك، ووقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين، وفرض عقوبات صارمة على من يخالف قوانين الهجرة. أما تبريره وتياره المحافِظ فهو لضرورات حماية الأمن القومي الأميركي، ومنع تفشّي الجريمة، والحفاظ على الوظائف للمواطنين الأميركيين.

في المقابل، يُعارض التيار الليبرالي، المدعوم من الرئيس الأميركي جو بايدن، تشديد إجراءات الهجرة، ويُصرّ على ضرورة معاملة المهاجرين بإنسانية، واحترام حقوقهم، وتقديم المساعدات اللازمة لهم. ويُطالب هذا التيار بإصلاح شامل لنظام الهجرة الأميركي، وإيجاد حلول قانونية وعادلة للمهاجرين غير الشرعيين.

قضية الهجرة ستكون من أهم الملفات التي ستُحدد مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024، هذا طبعًا إضافة إلى الشأن الاقتصادي. حيث يُتوقع أن يُركز الرئيس بايدن على إصلاح شامل لنظام الهجرة، بينما يُرجح أن يُواصل الرئيس السابق دونالد ترامب حملته ضد الهجرة غير الشرعية، مع التركيز على تشديد إجراءات الأمن على الحدود.

يَخلق هذا الصراع السياسي حول الهجرة إنقسامًا عميقًا في المجتمع الأميركي، ويُؤثر على حياة المهاجرين بشكل مباشر. فمن ناحية، يُواجه المهاجرون غير الشرعيين صعوبات جمّة في العيش والعمل، وهم مهدّدون بالترحيل في أي لحظة. ومن ناحية أخرى، يُعاني الأميركيون من مشاعر القلق والخوف من تدفق المهاجرين، وتأثيرهم على الاقتصاد والأمن.

في الأرقام، ارتفع عدد المهاجرين الذين تم اعتقالهم على الحدود الأميركية مع المكسيك بشكل كبير في الأعوام الأخيرة، حيث بلغ عدد الاعتقالات في عام 2023 وحده أكثر من مليوني شخص، وهو أعلى رقم منذ العام 2000. فيما يُقدّر عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة الأميركية بـ11 مليون شخص حاليًا، وهم يشكلون حوالى 3 في المئة من إجمالي عدد السكان. أما عن الأضرار الاقتصادية والأمنية الناتجة عن الهجرة، فالدراسات تشير إلى أن المهاجرين لا يُشكلون خطرًا على الأمن القومي الأميركي، وأن معدلات الجريمة بينهم متقاربة من معدلاتها بين المواطنين الأميركيين. هذه الإحصاءات الأخيرة لا يصدقها من يرون في الهجرة خطرًا على أمنهم، وهم على قناعة بأن القادمين إلى بلادهم هم سبب كل أزماتها، وهو الأمر الذي يتشابه مع مشاعر ومواقف معظم شعوب الدول المضيفة في العالم.

الصراع حول موضوع اللجوء غر مرتبط حصرًا في ولاية تكساس، وليس محصورًا أصلاً في موضوع اللجوء فقط. فالخلافات بين التيار الليبرالي الذي يمثله الحزب الديمقراطي، والتيار المحافِظ الذي يمثله الحزب الجمهوري أعمق من ذلك بكثير. لا يتفق الطرفان على شيء تقريباً، فيما خلافاتهم، لا ترتبط بالشأن السيادي أو السياسة الخارجية أو أعمال “الوكالة الفضائية NASA ” مثلاً، بل على أمور أكثر قرباً من كل إنسان أميركي، وجلّها حول شؤون الإجهاض ودور الرجل والمرأة وحقوق الأطفال والمتحوّلين جنسياً والهجرة.

بالعودة إلى الولاية الأميركية ذات الغلبة الجمهورية، يُلقي الصراع حول الهجرة بظلاله على مختلف جوانب الحياة في تكساس، حيث تُواجه الولاية تحديات كبيرة في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. يُشكل إزدياد أعداد المهاجرين ضغطًا على المدارس، خاصة في المناطق الحدودية. ويُطالب البعض بتوفير تعليم خاص للمهاجرين، بينما يُؤكد آخرون على ضرورة دمجهم في النظام التعليمي العام، وجلّهم ينتمون الى التيار الليبرالي.

يُعاني المهاجرون من صعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية، خصوصًا في ظل عدم توافر شبكة تأمين صحي للكثير منهم. كما تُواجه الولاية صعوبات في توفير الخدمات الاجتماعية للمهاجرين، مثل السكن والغذاء والرعاية الصحية. من المؤكد، أن المهاجرين يُقدمون مساهمات كبيرة في الاقتصاد الأميركي، لا سيما في قطاعات الزراعة والبناء والخدمات. إلا أن ذلك لا يكفي لإلغاء مشاعر العنصرية والكره تجاههم. ويخشى كثيرون من أن يؤدي تدفق المهاجرين إلى انخفاض الأجور في أميركا.

من المتوقع أن يستمر الصراع حول الهجرة في تكساس في المستقبل القريب، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، فيما الولايات المؤيدة لترامب ستبقى إلى جانبه حسب معظم استطلاعات الرأي. وفي أي حال، هذا لا يعني أن الطريق معبّدة أمامه للظفر برئاسة أقوى دولة في العالم مجدداً، بل عليه تخطي الكثير من الصعوبات السياسية والحزبية والقضائية التي يواجهها. كما عليه مواجهة التيار الليبرالي المتزايد قوة وانتشاراً ونفوذاً، خاصة في المدن الكبرى الليبرالية، والتيارات النسوية والمثلية القوية في الولايات المتحدة الأميركية.

إلا أن حظوظ ترامب تبقى كبيرة في الجلوس في البيت الأبيض من جديد، وذلك لتركيزه على سوء حالة الاقتصاد الأميركي بالمقارنة مع فترة ولايته الرئاسية، كما لتركيزه على مساوئ نظام الهجرة الأميركية وحدود البلاد المفتوحة، وهي أمور تثير الشعب الأميركي بشكل كبير وتدفعه للتصويت بكثافة للحزب الجمهوري ومرشحه ترامب.

 

“المسيرة” ـ العدد 1750

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل