منذ أيام تفاعلت قضية مكرم رباح. قبله بسنتين كانت قضية لقمان سليم. لم يتسنّ للقمان الذهاب الى التحقيق واتهامه بالعمالة لإسرائيل وما شابه، وليخرج الى العلن وتتحول قضية استدعائه، الى قضية رأي عام وما شابه، كما حصل اليوم مع رباح. كمنوا للقمان عند منعطف طريق في الجنوب وأردوه بأسلوب الغدر والانتقام، لمجرد أنه عارض هيمنة الدويلة على مفاصل لبنان.
قضوا عليه لأنه لبناني سيادي حر، في دولة محكومة من الدويلة. بقي الجاني حرًا طليقًا متباهيًا بأنه خنق واحدًا من بين أبرز الأصوات الشيعية المعادية لهيمنة السلاح فوق رؤوس اللبنانيين.
“قتلوا أصحابي وبدن يسَكتوا العالم والحق معنا. ما في شي إسمو مقاومة لبنانية، يللي بيقتل لقمان سليم وجورج حاوي مش مقاومة، لو كنت تاجر كابتاغون ما كنت توقّفت”، صرخ مكرم رباح، عند باب قصر العدل، حيث يُستشهد العدل يوميًا في لبنان، بسبب سطوة “الحزب” وهيمنة الدويلة على مفاصل الدولة بكل مرافقها.
في زمن يصعد الناس للسياحة على سطح القمر، ويقال إنه قرن حقوق الإنسان وما شابه، ما زال في لبنان شيء اسمه “المحكمة العسكرية” مخصصة لاضطهاد من جعل من الحرية الفكرية وسامًا على إنسانيته ونضاله لأجل الإنسان والحرية في لبنان. هذا ما زال يجري في وطن الرسالة!
لماذا اعتُقل رباح، الباحث والكاتب السياسي المعروف بمواقفه المعلنة المعارضة بشدة لسلاح “الحزب”، كما غالبية الشعب اللبناني؟ كان في مقابلة مصوّرة عبر أحد المواقع الالكترونية، واعترض في خلالها على ما يفعله “الحزب” في الجنوب، وعلى “جرّ لبنان إلى مواجهة مع إسرائيل”، وقال بأن “الحزب هو الذي استفز إسرائيل في 8 تشرين الأول الماضي”، كما تحدث في المقابلة عن مراكز ومخازن تابعة للحزب، موزعة في عدد من القرى والبلدات، لذلك تعرضت لقصف اسرائيلي عنيف. الكلام أغضب جماعة الممانعين الأشداء، واعتبروه خيانة سافرة “للمقاومة”، فتم استدعاؤه للقضاء، بعد قرار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، الذي يُعتبر من المقربين جدا للحزب، وتم نقله الى المحكمة العسكرية بعد اتهامه بالعمالة لإسرائيل، وأكثر من ذلك طلبوا منه تسليم هاتفه!
قبل الذهاب الى التحقيق كتب رباح عير صفحته على موقع اكس، تعليقًا سخر فيه من اجتماعات لممثلين عن حركة ح وأذرع إيران في اليمن تمت في بيروت، اذ كتب “تم تبليغي بضرورة الحضور الى دائرة التحقيق الأمني في الأمن العام، يمكن حابين يعرفوا مني عن اجتماع محور المشاغلة والمقاومة يللي صار ببيروت الاسبوع الماضي”!
لساعات بقي رباح رهن التحقيق، طلبوا منه تسليم هاتفه الخلوي، ورفض لأنه أمر مخالف للقوانين، ثم خرج وأعلن بغضب كبير “عم يخونوني! أنا عميل؟ العميل من يقتل لقمان سليم ومن يدافع عن وفيق صفا حين يدخل قصر العدل ويهدد القاضي بيطار. مقاومة لبنانية؟ هل في لبنان مقاومة أم حزب ينفذ الاجندة الايرانية؟ الحزب تجار كابتاغون، ولقمان سليم كان كاتب كبير والّف كتبًا على عدد شعر رأسك يا فادي عقيقي”.
في اتصال مع موقع “القوات اللبنانية” الالكتروني، قال رباح بأن “البعض يقارن ما يحصل الآن في لبنان بزمن الوصاية السورية، وهذا خطأ كبير، لأن زمن الاحتلال السوري كانت الدولة اللبنانية لا تزال قائمة وإن كانت هي واجهة ذاك الاحتلال، يجب أن ننتبه لهذا الموضوع كي لا نضيع عن هدفنا الرئيس والا نتكلم فقط عن الحريات، لأن هذه الحريات ترزخ تحت خطر القوة، وفكرة لا صوت يعلو على صوت المعركة، غير مقبولة على الاطلاق، من المهم جدًا التركيز على موضوع السلاح غير الشرعي، كما لا يجب أن ننسى ما يجري في الجنوب اللبناني من سلاح وتهريب مخدرات وتعطيل رئاسة الجمهورية وما شابه، ما يجري في لبنان خطير وخطير جدًا ما لم نتصدّى له”.
لن يتراجع رباح عن متابعة ملفه القضائي، كما انه لن يتراجع عن مواقفه الحادة تجاه “الحزب” وتجاه بعض رجال القضاء التابعين له، “هذه معركة وسأخوضها حتى النهاية، وسأتصدّى لكل الاجراءات القانونية التي ستتخذ ضدي، وأنا متمسك بأقوالي، ومهما ظنوا انهم قادرون على استعمال الدولة ضدي فأملهم سيخيب” يقول رباح الذي، وإن كان يخشى على الناشطين ضد بيئة الحزب من الاغتيالات الجسدية، “وهذا وارد دائمًا، فهم قضوا على أصدقائي ولم يحاسبهم أحد، ولكن الأخطر الاستسلام للخوف، واقول لكِ صفر خوف، صفر خوف، صفر خوف”، يقول بعناد بالغ.
ماذا ممكن أن نفعل يا مكرم رباح يا مناضل كما الكثير من شبان ورجال لبنان ضد هيمنة الدويلة؟ “سنستعيد الوطن خطوة خطوة لأن موضوع السيادة أساس، وموضوع المحاسبة أساس، ومعركتي القانونية مستمرة، لا مشكلة شخصية لدي مع القاضي عقيقي، بكرا بيروح عالبيت متل سواه، ولكن الفكرة الأساس انو ربحنا جولة بوجه الحزب، ولازم يتذكروا اللبنانيين أن لا أحد يحميهم الا الدولة والدستور، ويجب الا ننسى أن الموضوع الجوهري هو أن ثمة ميليشيا تنفذ أجندة إيرانية في لبنان وأن الدولة مختطفة، وما حصل معي رح يصير مع غيري، ورح يتكرر معي مرة تانية، ولا يجب أن تتشتت أفكارنا لأن الحزب هو المسؤول المباشر لا فادي عقيقي ولا سواه، الحزب فقط هو المسؤول عن خراب لبنان”.
وماذا عن تهمة العمالة لإسرائيل، وتهديد “المقاومة” اللبنانية؟ “المقاومة اللبنانية؟! هل في لبنان مقاومة أم حزب ينفذ الأجندة الإيرانية؟ الحزب تجار كابتاغون، وأنا لم أكشف أسرارًا، لأن ما تحدثت عنه هي معلومات بمتناول الجميع، ولكن هذه محكمة لاضطهاد الناشطين وليس لإحقاق العدالة” يقول، ويصر بأنه لن يتراجع وبأن القضية ليست فقط معركة حريات، إنما حرية لبنان وسيادته وانعتاقه من سطوة الدويلة المسلحة الرابخة على عنق الدولة اللبنانية.