600 بلدية نحو الشلل التام إذا تأجَّلت.. الانتخابات البلدية تحصل في ظروف الحرب من يقمعها؟
تحديات متتالية اعترضت مسار الاستحقاقات الدستورية في لبنان، خلال الأعوام الأخيرة، حيث تعقّد المشهد السياسي نتيجة تعثر الانتخابات الرئاسية بفعل الانقسامات السياسية العميقة، وبعد تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية مرتين فيما يتم العمل على إرجاء الأخيرة للمرة الثالثة، ما قد يهدّد بتقويض اللعبة الديمقراطية داخليًا وبجر البلد إلى مستقبل قاتم.
إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في مواعيدها يُعتبر عاملًا أساسيًا لتعزيز الاستقرار على المستوى المحلي، حيث يساهم في بناء ثقة المواطنين بعملية الحكم المحلي ويمنحهم الفرصة للمشاركة في تحديد مستقبل مجتمعاتهم، كما يعمل على تطبيق مبدأ المساءلة. أما على الصعيد الوطني، فتلعب الانتخابات البلدية والاختيارية دورًا مهمًا في تحقيق التنمية المستدامة، وتمثل خطوة أساسية نحو بناء مستقبل أفضل للبنان وتحسين حياة الشعب.
في المقابل، وبعد مرور ست سنوات على إجراء آخر انتخابات بلدية واختيارية، في أيار 2016، تم تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في أيار 2022 أي مع انتهاء ولاية المجالس، تحت ذريعة تزامنها مع الانتخابات النيابية. وتحت ذريعة عدم توافر الاعتمادات المالية، تم تأجيلها للمرة الثانية العام الفائت 2023، حيث أقرّ مجلس النواب تمديدًا تقنيًا للمجالس البلدية والاختيارية، على أن تنتهي ولايتها كحد أقصى في تاريخ 31 أيار 2024، وفقًا للقرار الرسمي.
وعلى رغم تأكيد وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي أنّ الموازنة خصّصت تمويلًا لانتخابات عام 2024 البلدية، والإعلان عن رغبته في دعوة الهيئات الناخبة لإجرائها، يتوقع مراقبون سياسيون أن يتكرّر سيناريو التأجيل، وهذه المرّة تحت ذريعة الحرب الدائرة في جنوب لبنان، والتي بدأت تمتد لتطال العمق اللبناني.
بلديات نحو الانهيار
من جهة أخرى، بدأت السلطات المحلية تعاني من تدهور مستمر أدى إلى خلل في إدارة شؤونها، من بنى تحتية، ونقل، وخدمات عامة محلية، إضافة إلى التخطيط العمراني والبيئة، والأمور المالية المحلية وغيرها من القضايا ذات الصلة بالحياة اليومية للمواطنين.
واقع البلديات الحالي يكشفه عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب فادي كرم لـ”المسيرة” حيث يشير إلى وجود نحو 126 بلدية منحلة من أصل 1100 بلدية وبين 200 و250 بلدية مشلولة، مؤكدًا أن “أي تمديد سيؤدي إلى تفاقم الوضع بشكل أكبر وسيعرّض ما يقارب الـ600 بلدية للشلل، كنتيجة حتمية لعدم قدرة أعضاء المجالس البلدية على الاستمرار في أداء مهامهم بفعالية، حيث وصلوا إلى مرحلة الإرهاق، بينما تصرّ الدولة على إبقائهم في مراكزهم وترفض الاتجاه نحو ضخ دم جديد في البلديات وإجراء إصلاحات جذرية، خصوصًا في ظل التغيّرات الكبيرة التي تشهدها البلاد”.
ويتحدث كرم عن وجود فريقين متصارعين داخليًا، الأول، كما يؤكد “حريص على احترام الاستحقاقات الدستورية وممثل بفريق المعارضة بشكل عام ومن ضمنها “القوات اللبنانية”. وفي المقلب الآخر، الفريق الذي يسعى للتخلص من مفهوم الديمقراطية، ويسير بالبلاد على خطى النموذج الإيراني “حيث تتم الانتخابات صوريًا ولا يشارك فيها أكتر من 30 في المئة من الشعب لمعرفتهم المسبقة بالنتائج المعلبة والمشابهة أيضًا للانتخابات في الأنظمة القمعية والديكتاتورية” يضيف النائب كرم.
دور “القوات اللبنانية”
يشدّد كرم على الدور الفعال الذي تلعبه “القوات اللبنانية” وتكتّل “الجمهورية القوية” للدفع قدمًا نحو “إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في مواعيدها الدستورية ومنع “الثنائي الشيعي” وحلفائه، من تأجيلها للمرة الثالثة على التوالي تحت ذريعة الوضع الاستثنائي على الحدود الجنوبية، هذه السنة، والمخاطر الأمنية المرشحة للاتساع”.
ويلفت إلى أن التكتل “يركز على مفهوم اللامركزية” معتبرًا أن أهم الخطوات التي تؤدي إليها تتجسد في «تفعيل عمل السلطات المحلية البلديات واتحادات البلديات”.
من هذا المنطلق، يوضح كرم أن التنسيق مستمر على قدم وساق مع الأحزاب والتكتلات المعارضة، كاشفًا عن معركة خاضها تكتل “الجمهورية القوية”، داخل لجنة الدفاع الوطني والداخلية عند انعقادها في السادس من آذار، ممثلًا بالنواب زياد حواط ورازي الحاج وبشخصه لمنع التمديد، مشيرًا أيضًا إلى حصولهم حينها، على تقرير من وزير الداخلية والبلديات يؤكد فيه جهوزيته لإجراء الانتخابات.
ويعلّق على العرقلة المستمرة للمسار الدستوري في البلاد بالقول “يلجأ الفريق المناهض للعملية الديمقراطية دومًا إلى ابتكار حالة استثنائية تحت ذرائع واهية بهدف تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية”، مشيرًا بثقة الى أن “لا حالة استثنائية يستحيل إيجاد تدبير لها”.
وفي هذا السياق، يكشف أن تكتل “الجمهورية القوية” لا يمانع فكرة تأجيل الانتخابات في بعض القرى والبلدات استثنائيًا، بسبب عدم جهوزيتها نتيجة النزوح القسري، مستذكرًا أمثلة عن عدد من الاستثناءات حصلت في السابق، مثل “ما حدث خلال ولاية وزير الداخلية نهاد المشنوق حيث غابت الترشيحات عن بعض البلديات وتم تأجيل الانتخابات فيها، وما حدث أيضًا عام 1997 حين كان الاحتلال الإسرائيلي لا يزال في جنوب لبنان وتم تأجيل انتخاب بلديات الجنوب الواقعة تحت الاحتلال”.
في ميزان الديمقراطية، لا مكان للحلول الوسط، وفقًا لكرم، معتبرًا أن الكتل كافة تحت الامتحان وعليها تحمل المسؤولية، مضيفًا أن “جميع الكتل تدّعي اليوم أنها ليست ضد الديمقراطية، إنما لا يمكن التأكد من صحة الأمر سوى عندما يأتي موعد الدعوة للهيئات الناخبة وحينها نكتشف كيف سيتصرفون”.
ويضيف “نحن نعلم أن عددًا من الكتل يستعد لطرح اقتراح قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية لكننا سنواجه هذا الأمر، إنما فلندخل في البداية إلى الجلسة”.
عدم اتخاذ الكتل النيابية اللبنانية قرارًا حاسمًا بشأن إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في مواعيدها، وسط غياب موقف واضح من الحكومة، من شأنه أن يساهم في تفاقم الأزمة السياسية داخليًا وتعقيد الوضع الاجتماعي بشكل أكبر.
“المسيرة” ـ العدد 1751
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]