21 نيسان 1994.. للباطلِ جولة وللحق جولات!

حجم الخط

سمير جعجعالبطريرك صفير ـ سمير جعجع

 

“قالوا إذعانًا قلنا أبدًا… قالوا سجنًا قلنا حسنًا”. رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع في 22 نيسان 2006.

لم يكن “الاعتقال” تاريخ 21 نيسان 1994 وما سبقه من “حل” و”منع” في 23 آذار من العام نفسه إلا امتدادًا لنوايا وممارسات الشرّ المتسلسلة بأوجهها المتعددة بحق “القوات اللبنانية” المُمانعة الحقيقية المانعة لإنشاء الأوطان البديلة وأحلام الدولة الشقيقة بسوريا الكبرى وتأسيس دويلة الجمهورية الإسلامية على النموذج الإيراني بديلاً عن دولة الحريات والتعدد الثقافي، الحضاري الديني والسياسي.

 

عن هذين التاريخين المحطتين وعن الإذعان المطلوب وعن اعتقال رئيس حزب “القوات اللبنانية”، يقول البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير في مذكراته: “في الأساس، جعجع كان الهدف لدى السوريين والعقبة التي كانت تعترض طريقهم للسيطرة الكاملة على لبنان. فبوجود جعجع وقوّاته اللبنانيّة عجز السوريون عن السيطرة على المسيحيين، لذا وبعد تشاور “السوري” مع عملائه المسيحيين في الداخل كان الخيار الوحيد هو اعتقاله، كون اغتياله سيُشكّل لهم مشكلة أكبر مع المسيحيين، بسبب أنَّ التنظيم القوّاتي كان قادراً على المواجهة على رغم تسليم السّلاح”.

وتحدّث البطريرك صفير عن المخطط السوري الذي تمّ بالتّنسيق مع بعض المسيحيين للتخلّص من جعجع عبر رفع الغطاء المسيحي عنه: “أرادوا أن يُعرقلوا أيّ محاولة التفاف مسيحي حول اعتقال جعجع ومنع خلق قضية من ذلك، فقاموا عبر رموزهم الأمنية بتفجير كنيسة سيدة النجاة وبشنّ حملة إعلاميّة مركّزة وبإطلاق سلسلة شائعات واسعة بحقّ جعجع، وكان ما كان”.

وفي التحضيرات لانتصار محور الباطل على الحق في جولته المنشودة، عايشنا انحرافًا واستنسابًا وتعسفًا في استعمال السلطات التي كانت مجموعة ومركّزة بيد النظام الأمني السوري ـ اللبناني من سياسية وقضائية وأمنية بمقدمات وفبركات وتسريبات إعلامية. وهنا تستحضرنا الفترة التي امتدت منذ ما قبل حل “القوات” واعتقال رئيسها وما بعدها من اعتقالات ومحاكمات وأحكام… في هذه الفترة، وإظهارًا للنيات المبيّتة والأهداف المرسومة سلفًا على سبيل المثال، كان يُشار الى مرتكبي هوية الجرائم الكبرى بالحرفين الأوليين للاسم والعائلة. في المقابل كان يُشار الى هويات من مرّ ولو يومًا واحدًا في خدمة قضية “القوات اللبنانية” أو أحزاب الجبهة اللبنانية منذ العام 1975 بالإسم الثلاثي مع كامل تفاصيل سيرته وسيرة المقربين منه حتى لو كان الجرم يقتصر على جنحة صغيرة، وغالبًا لم يكن الارتكاب بحاصلٍ أصلاً.

ومواكبة لحلّ الحزب واعتقال رئيسها، وفي تعديل لقول الإمام علي بن أبي طالب “عندما سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق”. لقد “أُسكِتَ” أهل الحق عبر إسكات الإعلام بمنع النشرات الإخبارية والبرامج السياسية وقمع الإعلاميين والمواطنين لحجب الحقيقة، والتي كانت ظاهرة للعيان ومثبتة في الوجدان، إذ إن البعيد قبل القريب كان يعلم أن ما جرى ولو أُلبس أثوابًا قانونية وقضائية يبقى قضاءً سياسيًا كيديًا “تصفويًا” للقوات ورئيسها، وفي هذا يقول الوزير السابق سليمان فرنجية لصحيفة “الديار” في 15 نيسان 2005: “جعجع دخل السجن بملف سياسي”، كذلك يقول الرئيس السابق ميشال عون في 18 أيار 2005: “إن استمرار سجن جعجع أصبح ظلماً، والمحكمة التي حاكمته لم تكن حرة وكانت خاضعة للنفوذ السوري”.

كل من عايش “جولة الباطل” تلك يتذكر ما أثير عن شرعية سجن وزارة الدفاع حيث أوقف المئات من القواتيين، وانتُزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب، والتي اعتمدتها المحكمة لاحقًا لإدانة القواتيين والقوات ورئيسها… لتدين “حكومة النظام” المحكمة ونفسها لاحقاً “بشرعنة” السجن في تاريخ 17 كانون الثاني من العام 1995 بمرسوم حمل الرقم 6236… وعليه، وبالقانون وأصول المحاكمات، تكون كل التحقيقات التي استندت إليها المحكمة “الخاضعة للنفوذ السوري” ساقطة وباطلة، اذ إنها جرت في سجن غير شرعي كان قبل المرسوم “مُعتقَل” و”قبو للتعذيب”. والجدير ذكره أن ما انتزعه المحققون من اعترافات تراجع عنها الموقوفون والشهود أمام قوس المحكمة لعلة انتزاعها تحت الضغط والتعذيب ولم تأخذ المحكمة “الخاضعة” طبعًا بالتراجع.

إن خير توصيف لعدالة “الباطل” التي استمرت 11 عامًا هو في ما قاله الدكتور جعجع في مرافعته أمام المجلس العدلي تاريخ 27 نيسان من العام 1999: “إن العدالة ليست شيئاً مادياً يُقاس بالكيلو أو بالرطل بل هي نية، جو، مناخ، قدوس، وروح، وهي كالشرف لا تلوث، إما أن توجد أو لا توجد، وتكون أو لا تكون. فإما سلطة عادلة أو غير عادلة، وكل ما استعرضناه يؤكد أنها غير عادلة ولا يمكن تحقيق سلطة بدون عدالة، فهي ملح السلطة وهي هنا تستدعي من وما يشاء وتوحي وتلقن وتمنع عنك أوراقاً ومستندات لتحضير مرافعتك، على الرغم من موافقة الأجهزة المختصة، وأحياناً تتغاضى عن وقائع أو تختلق تحقيقاً كاملاً، والتاريخ وحده كفيلُ بإظهار الحقيقة… والسيئ هو أن تستعمل الغايات الشريفة من أجل تحقيق أهداف غير شريفة، وقصر العدل إسم كبير وشريف وحكامه شرفاء لكن الأهداف والغايات غير شريفة، فهلا أقدمتم ووضعتم حداً لكل ما هو غير شريف، وكل الإجراءات التي خضعت لها هي غير شرعية أو قانونية”.

“إذا كان للباطل جولة فللحق ألف جولة وجولة». هذا ما دأب رئيس “القوات” على تكراره مؤمناً ممارسًا بأنه “في النار يُمتحن الذهب وكنا أكثر ممن امتُحن وفي النار رُمينا ومنها ذهباً خرجنا”. إنها حال “القوات” وسمير جعجع وواقعهم الحالي سياسيًا شعبيًا ومبدئيًا، إيمانيًا قولاً وممارسة.

لقد عبّر الدكتور جعجع عن سرّ انتصار جولات الحق على جولة الباطل يوم خروجه من السجن في 26 تموز 2005 بقوله: “طيلة الـ11 عاماً ونيفاً لم أشعر يوماً بأنني مسجون على رغم وجودي في السجن وأي سجن، لقد بقيت روحي حرة وهذا هو المهم. إن المساجين الحقيقيين هم هؤلاء الذين صنعوا سجناً لأنفسهم من خلال تلبّسهم ذوات الغير وقناعاته طمعًا بمنصب أو مكسب أو تجنباً لاضطهاد أو اعتقال”. وقد أثنى الرئيس السابق ميشال عون على كلام جعجع عندما زاره في سجن وزارة الدفاع في 18 أيار 2005، إذ قال: “فاجأني هدوؤه وصموده.. وضعه سليمٌ جدًا على الصعيد النفسي وأقدِّر شجاعته وقوته الروحية التي ثبت فيهما 11 عامًا في السجن”… ومن الكتاب المقدس ومن إنجيل متى 21:42 نأخذ العبرة: قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: “أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا!”.

“المسيرة”ـ العدد 1751

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل