في المادة 65 البند 5 من الدستور وتحت عنوان “صلاحيات مجلس الوزراء”، ورد ما يلي:
“… ويتخذ مجلس الوزراء قراراته بأكثرية الحضور. أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج الى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدّد في مرسوم تشكيلها.
ويعتبر مواضيع أساسية ما يأتي:
تعديل الدستور، إعلان حال الطوارئ والغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، الاتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة….”
انطلاقًا من الصلاحيات المنصوص عنها دستوريًا، وفي خضم المعارك التي تُخاض في الإقليم، من غزة في فلسطين الى سوريا والعراق واليمن وصولأ الى حافة الحرب الكبرى في لبنان، تُطرح التساؤلات الكثيرة حول دور الدولة اللبنانية المتمثلة بمؤسساتها الشرعية، من رئاسة جمهورية شاغرة مغيّبة بقرار فاعل مجهول معلوم، الى مجلس وزراء مختزل برئيس متماهٍ متلاقٍ الى حد الالتحاق والتبعية لحزب الأمر والنهي بالترسيم بحرًا وبرًا وبالسلم والحرب مع ضبط إيقاعهما بيد الضابط الإيراني، الى رئيس حركة ومجلس نواب مصادر من حركة منخرطة في الحرب من دون أي مسوغ شرعي قانوني أو حتى وطني. والرئيس المذكور وعلى نفس إيقاع الحزب ولمصلحته يعطل أية إمكانية للاستقرار الاقتصادي السياسي القضائي والأمني بممارسات تحت عنوان التعسّف باستعمال السلطات والصلاحيات.
انطلاقًا من تلك الصلاحيات، من المفيد ولضرورة البحث أن نشير الى ما عرّف القانون الدستوري “الدولة” بأنها “مساحة من الأرض تمتلك سكان دائمون، إقليم محدد وحكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعَّالة على أراضيها، وإجراء العلاقات الدولية مع الدول الأخرى”.
في تشويه متعمّد لتلك الدولة و”تهجين” وتقويض لها تكررت لازمة ثلاثية غير سيادية قوامها “شعب جيش ومقاومة” تبنتها الحكومات “غير القادرة على المحافظة والسيطرة الفعالة على أراضيها”. وهنا يستحضرنا تعليق رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة بعد اندلاع حرب تموز 2006 في 15 منه: “لقد أعلنت الحكومة بصراحة ومنذ اللحظة الأولى لانفجار الأحداث أنها لم تكن على علم بما وقع ولم تتبنَّ العملية التي نفذها الحزب لأسر الجنديين الإسرائيليين… إن لبنان لا يستطيع القيام والنهوض إذا كانت الدولة فيه آخر من يعلم وأول من يُطالَب”.
كذلك تعليق رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي نجيب ميقاتي الذي علّق في 13 تشرين الأول من العام 2023 على جرّ الحزب لبنان واللبنانيين الى الحرب بقوله: “قرار السّلم والحرب ليس بيدي ولا بيد الحكومة”. وهذا ما كان سبق لأمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله أن أكد في 3 تشرين الثاني من العام 2023، حيث قال: “نحن دخلنا المعركة منذ 8 تشرين الأول”.
حتى الثلاثية المذكورة خرقها حزب السلاح بتخطيه “الشعب” الذي لم يُسأل رأيه الجامع الرافض لقرار الحزب بالحرب، كذلك خرقها بضربه لفكرة ودور “الجيش” المنوط حصرًا وشرعًا ودستورًا بـ”الانخراط” في الحرب و”ضوابطها”. وهنا لا بد من كشف حقيقة موقف الحزب من دور الجيش خصوصًا في الجنوب اللبناني، إذ يقول نصرالله في ذكرى اغتيال السيد عباس الموسوي، من بلدة النبي شيت، في 16 شباط من العام 2002 إن “إرسال الجيش اللبناني الى الجنوب، مطلب أميركي… ومن يريد أن يحمي لبنان عليه أن يحفظ المقاومة في الجنوب، ومن يريد أن يضحي بهذا الجيش فليرسله إلى الجنوب”… ليعلن نائبه الشيخ نعيم قاسم في 15 تشرين الثاني من العام 2016 “أصبح لدى الحزب جيش مدرّب وأكثر تسليحًا، ولم يعد يعتمد على أسلوب حرب العصابات”… تخطى الحزب كذلك مفهوم “المقاومة” المفترضة أن تكون محصورة بالأراضي اللبنانية المحتلة، وأن تقاتل دفاعًا عنها لا أن تهاجم دفاعًا عن حماس في غزة وعن المصالح الإقليمية “على طريق القدس”.
الأخطر والأدهى أن الحزب لم يكتف بمصادرة قرار الدولة بالحرب أو السلم، بل عمد الى محاولة مصادرة الدولة برمتها بكافة مكوّناتها الأساسية، كيف لا والحزب ما انفك يضع نصب عينيه مشروع النموذج الإيراني في لبنان، وأعني به الجمهورية الاسلامية، ويعمل ويكد ويجهد في تحقيق هذا المشروع على أنقاض ما تبقى من الدولة. وفي هذا المجال يقول نصرالله في 24 حزيران من العام 2016: “طالما يوجد في إيران فلوس يعني نحن لدينا فلوس، ومالنا المقرر لنا يصل إلينا”. وهذا ما عاد وأكد عليه في 1 تشرين الثاني من العام 2019 عندما قال: “إذا انهار البلد ولم تعد الدولة تستطيع دفع المعاشات، فإن المقاومة ستبقى موجودة وتدفع المعاشات لشعبها”.
تتبدّى السيطرة على الدولة بقراراتها أيضا من خلال تماهي رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة ووزير الخارجية وبعض الوزراء والنواب مع خطاب الحزب الحربي وتهديداته التي لن تجرّ على لبنان واللبنانيين إلا الضربات والويلات والخسائر، حيث لا قدرة على تحمّلها أو حملها من دون سائر الدول العربية المعنية بالقضية الفلسطينية.
لن تنفع المساحيق الإعلامية – الإعلانية والدعائية التي يستعملها الحزب والملحقين به بالتغطية على جوهر أهداف الحزب الإسلامي العقائدي المرتبط ارتباطًا عضويًا بالولي الفقيه الايراني، والمنفّذ لأوامره الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتي تتعارض حكمًا وفعلاً، شكلاً ومضموناً، مع كل ما تصبو إليه أغلبية اللبنانيين من فكرة الدولة السيدة الحرة المستقلة ذات التعدّد السياسي الحضاري والثقافي الباسطة لسيادتها عبر قواها الشرعية وحدها، من جيش وقوى وأجهزة أمنية لبنانية من دون غيرها.
“المسيرة” ـ العدد 1751
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]