ستريدا جعجع وقصة اللقاء الأول مع الحكيم بعد الاعتقال

حجم الخط

سمير وستريدا جعجعسمير جعجع ـ القوات اللبنانية

ماذا فعلت ستريدا جعجع في 22 نيسان؟ كيف استفاقت على الصدمة والحدث الكبير؟ كان الدكتور سمير جعجع يخضع للتحقيقات المستمرة في وزارة الدفاع في اليوم التالي لتوقيفه وكانت هي في السجن الآخر في غدراس تحاول أن تكسر العزلة الجديدة وجدار الخوف لتبدأ من هناك رحلة البحث عن إخراجه من السجن وتمكين “القوات اللبنانية” من عبور هذه المرحلة الصعبة. وحيدة بدأت مع عدد قليل ممن تجرأوا على البقاء واقفين يعرفون أن الوضع دقيق وأن البقاء صعب وأن الوفاء يلمع كالجواهر المخفية في التراب في مثل هذه المحطات. ثمة إرادات لا تظهر إلا في مثل هذه المناسبات ولا تتجوهر إلا عندما تحرقها النيران. تلك النيران بدل أن تُميت تتحول الى مادة للحياة، وتُحيي.

كان الحمل ثقيلًا. لم يكن مصير الدكتور جعجع معروفًا. أين أخذوه وماذا فعلوا به؟ كان السؤال يبحث عن إجابات مستحيلة. أخذوا الشباب في غدراس. اعتقلوهم. سجنوهم في بداية رحلة عذاب طويلة. في ظل هذا الوضع كان على ستريدا جعجع أن تتحرك. أن تبدأ من مكان ما. فكّرت بالرئيس الياس الهراوي وبالبطريرك صفير. حزمت أمرها ومضت. كانت أيضًا على موعد مع الدكتور جعجع في وزارة الدفاع.

تمكن زوار غدراس في 22 نيسان 1994 من الدخول الى منزل سمير وستريدا جعجع. لم يعد ثمة مقر للقوات اللبنانية. بقيت ستريدا مع عدد قليل من الأشخاص. وضع المكان في السجن مع سمير جعجع. كان الدخول اليه والخروج منه يقتضيان إجراءات معقدة، بعدما أخذت المخابرات كل ما كان في ذلك المكان الذي كان قبل أيام يعجّ بالحركة وبالشباب وإن تحت الحصار.

ولكن كيف كان اللقاء الأول مع الدكتور جعجع؟

تروي ستريدا جعجع فتقول:

“أتذكر أنه اتصل بي الأستاذ سميح بشراوي أحد المحامين الذين تولوا الدفاع عن الحكيم في البدايات. مشكورون جدًا أنهم قبلوا هذه المهمة الصعبة في وقت هرب وتهرّب الكثيرون. قال لي الأستاذ سميح، دبّرتلك إذن تا تطلعي تشوفي الحكيم بوزارة الدفاع. رح تكوني لوحدك، محطوط عليه أن مدة اللقاء ساعة، وفيكي تطلعيلوا شوية تياب وشوية أكل”.

تضيف: “بحضر حالي تا اطلع، وبهيديك الفترة ما كان معي خبر شو يعني حبس وزارة الدفاع وشو يعني وزارة الدفاع. أصلًا ما كان معي خبر إنو بدي فوت على محل كلو عسكر.

بلبس تايور. جاكيت وتنورة وكعب، معتبرة حالي رايحة شوف سمير جعجع بمحل حيادي وما في كتير عجقة. محل قادرة توصل السيارة، توقف وتصف. ودغري بفوت بشوفو. قلت بحضرلو الأغراض. ما زال حطيتلوا بالشنطة ثياب داخلية، خليني آخدلوا معي ثياب غيرها. حطيت بيجاما جديدة، جينز، بوط بشريط. ما كنت عارفي ممنوع الشريط. حطيت قشاط، ما كنت عارفة كمان ممنوع القشاط. حطيت أكل. أخذت الكياس ورحت.

وصلت على وزارة الدفاع، نزلت من السيارة مع الكياس، ومعي الورقة. صرت خايفة تضيع. بوصل، قلتلهم: معي ورقة مواجهة بدي شوف زوجي. قالولي: تفضلي، انطري بالسيارة، بس يصير الوقت منقلك. نطرت. ربع ساعة، نص ساعة، ثلاث أرباع الساعة. هيدا كلو جو جديد مش معودة عليه.

بعد كل هالوقت، بيقولولي: تفضلي. إجا الوقت. فتت حاملة الكيس والورقة، معتبرة بدي إمشي شي دقيقتين وبوصل عالمحل اللي فيه الحكيم. بيقولولي: بدك تفوتي تتفتشي. بفوت ع غرفة بشوف مجندة بنت. فتشتني!!! شوي قالتلي: فتحيلنا الكيس. فتحت. كنت مطلعتلوا “تابروير” فيها شقفة كبة. قالت لي: قسمي الكبة. قلت لها: ما بتعود تتاكل. قالت لي: اقسميها.

بطلع من غرفة التفتيش، قلت للعسكري يللي بدو يمشي معي برا: العوافة. ما رد. مسكت الكياس وضليت ماشية. شي 10 دقايق وصلت على مبنى المخابرات. كمان في عسكري تاني. قلتلو: مرحبا. ما رد.

ما معي خبر إنو ممنوع يحكوا معنا.

قال لي: فرجيني الكياس. قلتلوا: بعدهم منبشينهم هونيك. قال لي: هيدي التعليمات. فرجيني الكياس.

ما في اعملي معروف، فرجيني الكياس.

فتحت الكياس، نبشهم بس مش بالطريقة الدقيقة اللي نبشتهم فيها المجندة من قبل. برجع بنطر شي 10 دقايق، بيقولولي: تفضلي. كمان في عسكري معي، ما إلو حق يحكي معي. بوصل. بنزل على مبنى المخابرات اللي هوي على مستوى الأرض. بنزل طابق تحت الأرض، شوي بيفوتوني على غرفة كان فيها 2 مدنيين. من ضمن الأغراض يللي كنت مطلعتهم كنت آخدة علبة سيكار لانو بفترتها كان سمير يدخن. بفوت بشوف اتنين شكلهم مدنيين مش عسكر. ضباط بس لابسين Civil. كأنو جايين تا يقعدوا معي جلسة تا يشوفوا مين مرتو لسمير جعجع. كأنو كان في إختبار عم أخضع له. إنو إديش ممكن تضاين. شهر، شهرين، تا نشوف من أي معدن هييّ هالمرأة.

فتت. قعدت. بكل براءتي قلت لهم جايبتلو شوية أغراض. ثياب وأكل وعلبة سيجار. تطلعوا ببعضهم وصاروا يضحكوا. إيه سيكار مسموح، ما تعتلي هم، فيكي تفوتيلوا سيكار، فيكي تفوتيلو العلبة.

ما فهمت بوقتها إنو السيكار فات لعندو إعلاميًا بينما كان وضعو كتير سيء تحت الأرض. هيدا اللي رجع حكي عنو وزير الدفاع وقتها محسن دلول، إنو قاعد بشاليه وعم يدخن سيكار. السيكار استعملوه للتغطية الإعلامية، بينما كان عم يموت فوزي الراسي تحت.

كانت كل وسائل التعذيب عم تستعمل ضد رفاقنا. قعدت مع هالشخصين يللي ما بعرف شو أساميهم شي نص ساعة. قالولي: صار فيكي تفوتي تشوفيه هلق.

فتت مع ابتسامة، على أساس فايتة بدي شوف سمير جعجع اللي بعرفو. بفوت عالغرفة كان فيها القاضي منير حنين وكان في سمير. ما بقدر إنسى هيدا المشهد. واقف بلا قشاط. الجينز يللي لابسو رح يقشط عليه. لونو أسود على أصفر. شريط بوطو مفكوك. يللي عرفتو بعدين إنو كان بلا أكل وبلا نوم. تطلعت فيه. قربت عليه وغمرتو.

لأول وهلة قلتلوا: صباطك أشرف منن.

أنا قلت هالكلمة وفاتوا عليي صريخ. ما منسمحلك تحكي هيك هون. إنت عارفة وينك؟ قلتلهم: هيدا زوجي. حقي إحكي معو اللي بدي ياه. قال لي الحكيم: ستريدا طولي بالك، صار يروقني.

…قلتلو: جايبتلك معي شوية أغراض. تطلع بالرئيس حنين وقلو: فينا نبقى شوي لوحدنا. تركنا القاضي حنين وسكروا الباب. بمجرد ما تركنا القاضي، قرب صوبي وحط إيدو على دينتي وبلش يقلي شو بدو. بيفتحوا الباب وبيفوتوا، بيقولولنا: ممنوع الوشوشة هون، وممنوع تختلوا على انفراد لوحدكم. بيرجع بيفوت القاضي حنين وبيقعد معنا. حسيت في شي بدو يقلي ياه بس ما عم يقدر يقولو. فهمت بعدين شو بدو.

خلص الوقت وفليت.

هيدي الزيارة كانت متل الصدمة الكبيرة لإلي. بالنسبة لإلي هيدا سمير جعجع، مش الزوج بس.

أدركت اكتر إنو في شي كتير كبير صار وعم يصير. إنو مش قصة جمعة وجمعتين. إنو في شي بدي اتقبلو بيني وبين حالي. رجعت مع الوقت صرت اتأقلم شوي شوي تا إطلع من هالوضع. لأنو أنا قبل ما يفوت الحكيم على السجن، كنت عايشة بجو مختلف تمامًا عن الجو يللي كنت عم عيشوا وقتها، إن كان من ناحية المسؤولية كزوجة، ما كانت بقلب الهرمية الحزبية بالقوات اللبنانية، وإن كان من الواقع اللي أنا طالعة منو، مش معودة عالسجون وعلى حدا يطلع يصرّخ عليك بشغلة بهالحجم.

بتصوّر بهيدي الزيارة هني حبوا يشوفوا مين هيّي زوجة سمير جعجع ويعرفوا إديش بتضاين تا تفرط. هيدي كانت بداية التحدي الكبير”.

كتاب: القوات اللبنانية.. قصة النضال السري 1994 ـ 2005

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل