على الرغم من وفاة المعارض الروسي ألكسي نافالني، إلا أن الحياة تسير بشكل طبيعي في موسكو. مات نافالني في ما فاز فلاديمير بوتين بولاية رئاسية جديدة. لم تؤثر وحول أوكرانيا التي غرقت فيها روسيا على الأوضاع الداخلية في هذه الأخيرة كثيرًا. وحدها العقوبات الغربية على النظام الروسي وأركانه أثرت على الاقتصاد المحلي، وإن بنسب متفاوتة. أما النظام السياسي فلا يزال قويًا، ولكن يبقى محدود الأثر على الساحة الدولية.
قبل وفاته والحكم عليه بالسجن، كشف خفايا النظام الروسي وممارساته في عالم السياسة والاقتصاد. وعلى رغم وفاته “بشكل غامض” كما أعلنت إدارة السجون الروسية التي كانت “تستضيفه” عندها، إلا أن ذلك لم يُسبب أي أزمة في إعادة النظام السياسي الروسي إنتاج نفسه من جديد، وذلك عبر انتخابات وصفتها الدول الغربية بـ”غير النزيهة”.
ففي الثامن عشر من آذار، أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الروسية فوز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بولايته الخامسة بعدد قياسي من الأصوات، على الرغم من حملات الاعتقالات وربما التزوير التي شابت الانتخابات بحسب منظمات دولية. وحقق بوتين فوزاً ساحقاً في الانتخابات الرئاسية الروسية بعد أن حصد نسبة 87.28 في المئة بعد فرز كامل أصوات الناخبين.
إلا أن اليوم الانتخابي لم يمرّ من دون مشاكل ولو محدودة، حيث قام محتجون بالتظاهر ضد عمليات التزوير وضد “الديمقراطية الغائبة في روسيا”، فيما أحرقت امرأة إحدى صناديق الاقتراع غضباً على موت نافالني. وقبل أيام قليلة من الانتخابات، هاجم رجل بأداة حادة المعارض الروسي والمساعد السابق لأليكسي نافالني، ليونيد فولكوف، أمام منزله في منفاه في دولة ليتوانيا، ما أدّى إلى إصابته بكسر في ذراعه في حادثة عبّرت الحكومة الليتوانية عن “صدمتها” بها. وأوضح فولكوف أن رجلاً ضربه “حوالى 15 مرّة” بأداة حادة، مشيراً إلى أنه أصيب بكسر في ذراعه، وعبّر عن سروره بأنه ما زال على قيد الحياة و”لم يُحوّلوني إلى طبق لحم!”.
على الرغم من كل ذلك، يبقى النظام الروسي قوياً في الداخل ولكن ضعيفاً في الخارج. صحيح أنه يتقدم ميدانياً، وإن ببطء، في أوكرانيا، إلا أن تأثيره على الساحة الدولية يبدو محدوداً، ولا إمكانية حقيقية لديه لمواجهة النفوذ الأميركي بأي شكل من الأشكال. يمكن مقارنة الدور الأميركي في الحرب القائمة بين إسرائيل وحركة حماس، كما في الدور الذي يلعبه الحوثيون في اليمن، أو في الصراعات الدائرة في وسط أفريقيا وغيرها من قضايا العالم، حيث لا تزال واشنطن اللاعب الدولي الأساسي، فيما تبرز موسكو كلاعب إقليمي ذات أهمية كبيرة لا يصح وصفها بأنها لاعب دولي مؤثر حقيقة في كامل مجريات العالم.
أما عهد بوتين الخامس، فلن يكون إلا كما سبقه. سيتميّز بالقمع الداخلي وإجهاض أي معارضة محلية تقوّض سلطته، إضافة إلى تعزيز شراكته مع الطبقة الأوليغارشية في موسكو وشركاتها الكبرى. أما على الصعيد الدولي، فتبقى الحرب في أوكرانيا أولوية لموسكو، حيث يبقى حسم المعركة هناك أمراً صعباً وغير متوفر في الوقت الراهن. إلا أن الولاية الجديدة والمريحة لبوتين، قد تعطيه دفعاً جديداً للمغامرة أكثر في مجال العبث مع الدول المحيطة ببلاده، سواء في أوكرانيا أم بولندا أم حتى جورجيا وغيرهم.
“المسيرة”ـ العدد 1751
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]