خاص ـ موقع رفح في الحسابات الإسرائيلية الجيو سياسية

حجم الخط

يسود أروقة القرار في إسرائيل قناعة شبه مكتملة بأن اللحظة الآن ليست للتطبيع مع المملكة العربية السعودية وسائر الدول العربية بقدر ما أن الأولوية هي لإنهاء حركة ح رفح، بالتالي تحقيق حكومة اليمين الإسرائيلية وخصوصاً رئيسها بنيامين نتنياهو شخصياً نصراً سياسياً يضمن له البقاء في الحياة السياسية والعودة من الباب العريض إلى حكم إسرائيل.

بقدر ما كان التطبيع يمثل هدفاً استراتيجياً حيوياً لإسرائيل قبل 8 تشرين الأول 2023 بقدر ما بات اليوم متراجعاً في المرتبة الثانية، وقد حلَّت في المرتبة الأولى مسألة الهجوم على رفح والقضاء على قيادة حركة ح الميدانية بعدما بات عزل القيادة السياسية في الخارج قاب قوسين أو أدنى من الإطباق النهائي عليها.

إذاً، رفح حالياً في إسرائيل أَولى من الرياض والتطبيع، ورفح باتت أقرب إلى بنيامين نتنياهو من الرياض، وهو منطق الحروب وتبدّل الأولويات والحسابات خصوصاً عندما تختلط المصالح الشخصية والحسابات الانتخابية بالمصالح والحسابات السياسية الوطنية.

بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير على أصفهان رداً على الهجوم الإيراني على إسرائيل، يحق لنا التساؤل عما حققه كلا الهجومين؟ في الواقع الجيو سياسي لا شيىء، فايران التي فعلت ما فعلته ظهرت بمظهر الهزالة وإسرائيل ظهرت بمظهر اللاعبة المنضبطة أميركيا والملتزمة قواعد الاشتباك الإقليمي مع طهران… وها إن الأيام والأسابيع تمر ولم يعد أحد يتكلم عن إنجازات الهجومين وتأثيرهما على سير المنطقة والتحالفات والحسابات.

الأكيد أن التطبيع حالياً لم يعد أولوية إسرائيلية لأن المسألة الوجودية تأتي في الطليعة على المسائل السياسية والجيو سياسية الأخرى. فإسرائيل يجب أن تنتصر في حرب غزة ويجب أن يكتب انتصارها بالقضاء على القيادة العسكرية لحركة ح وألويتها ووحداتها كافة.

حتى مصر نراها انتقلت من مرحلة رفض عملية رفح إلى عملية التنسيق مع إسرائيل حول تلك العملية، لأن شبح والتزامات اتفاقات كامب ديفيد لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على البلدين شاءا أم أبيا. طرد قناة الجزيرة من إسرائيل ولو مؤقتاً شكَّل تطوراً خطيراً أشَّر بشكل واضح إلى انتهاء الوساطة القطرية خصوصاً لأن الطرد تزامن مع طرد آخر للقيادات السياسية أو توجّه الدوحة إلى طرد تلك القيادات السياسية لحرحة ح من الدوحة… فكلها تحضيرات لدخول إسرائيل رفح…

اللافت أن إسرائيل على لسان إعلامها وزعاماتها السياسية والعسكرية لا تتردد في الإشارة إلى استعدادها للتضحية والكلفة التي ستنجم عن هجوم رفح، بحيث أن إسرائيل مستعدة لتحمّل الكلفة والخسائر عند دخولها.

ايران وبعد المواجهة المباشرة مع إسرائيل أخيراً، لم يعد لها أي دور آخر في مسألة رفح للتدخل مع أو ضد حركة ح، سيما وأن إيران رمت في الهجوم الأخير على إسرائيل كل أوراق ردعها ولم تصب ولم تلحق أي تغيير في موازين القوى ولا في الحسابات الأميركية أو الإسرائيلية، فتأتي عملية رفح في القادم من الأيام رداً حاسماً من إسرائيل على إيران في أن تل أبيب لم تتاثر بهجوم طهران الأخير عليها وهي استأنفت حتى قصف العمق السوري منذ يومين وإلى الآن.

الأكيد أيضاً أن هجوم رفح سيكون مختلفاً عن هجمات إسرائيل ضد خان يونس ومدينة غزة، لأن الهجوم هذه المرة يستهدف إنهاء حركة ح وليس التفاوض معها على وقع الناروالحديد.. فإسرائيل التي لا تقبل لا رضاء ولا جبراً بوقف النار في غزة ولا بالانسحاب من القطاع ولا عدم اقتحام رفح، تبدو في موقع أقوى لكن من دون أن نغفل قوة حركة ح التي يمكن أن تتزايد يوماً بعد يوم أمام كل يوم تأخُّر في شن الهجوم النهائي من وجهة نظر إسرائيل.

لبنان في هذا السياق يعود إلى واجهة الأحداث وهو المنشغل بحرب “مشاغلته” التي يشنها “الحزب” على حساب لبنان وشعبه وإرادته بالعيش وبعدم الانجرار إلى الحروب والنزاعات، فإذا بالمعلومات تشير إلى قرب استضافة لبنان لقيادات حركة ح السياسية بعدما احجمت أنقرة عن استقبالها.

هذا الأمر إن حصل لن يعدو كونه أمراً كارثياً لأن استجرار قيادات ح إلى لبنان يعني وسيعني استجرار الويلات عليه… هنا نلفت النظر إلى الآتي: استقبال لبنان لحركة ح بدعم وإرادة “الحزب” سيؤدي إلى مزيد من الشرخ بين اللبنانيين مع تصاعد النزعة المتضامنة مع حركة ح والفلسطينيين لدى أطراف معينة، ما سيؤدي إلى مزيد من الإخلال بالأمن الداخلي اللبناني ويعزّز الاصطفافات السياسية الداعمة للفلسطينيين ولو على حساب لبنان وسيادته ومصالحه من جهة والرافضة للمسّ بسيادة الدولة وتعريض لبنان لمخاطر حروب إضافية وفلتان أمني مضاعف من جهة ثانية، ما يمكن أن يزيد من نسب التوتر السياسي الداخلي بين المعارضين والمتمسكين بسيادة الدولة والدستور والقانون من جهة و”الحزب” تحديداً من جهة أخرى والذي قد يصل إلى مرحلة يرمي “الحزب” بنفسه في مواجهة مباشرة مع المعارضة وخصوصاً المسيحيين وعلى رأسهم “القوات اللبنانية” كفريق يمثل رأس الحربة السيادية والمعارضة لوجود “الحزب” بوضعيته القائمة استناداً إلى حجمها الشعبي والانتخابي.

إسرائيل إذاً حالياً تتحدث عن فوائد تدمير حركة ح ولا صوت في إسرائيل يعلو فوق صوت معركة رفح، لذا أولويات التطبيع أصبحت في المرتبة الثانية في تل أبيب ولذلك تحاول الرياض الاتفاق مع الأميركيين كبديل مؤقت إلى حين تصبح إسرائيل جاهزة للقبول بحل الدولتين والانضمام إلى الاتفاق الإقليمي الأوسع والأشمل.

في هذا السياق عبَّر مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان عن رفضه تجزئة الصفقة الشاملة التي تقضي بالاتفاقات الأمنية والدفاعية في موازاة التطبيع، واعتبر أنه لا يمكن اقتطاع الاتفاق الشامل إلى قطع وأقسام منفصلة عن بعضها. كذلك السيناتور الأميركي الجمهوري الشهير لاندسي غراهام يقف سداً منيعاً أمام أي اتفاق أميركي سعودي لا يتضمن التطبيع مع إسرائيل.

إسرائيل تحتاج حالياً إلى إغلاق حدودها مع مصر من أجل تدمير الأنفاق تحت الأرض التي تسمح لحركة ح بتهريب السلاح والعتاد والرجال.

المعادلة إذا باتت واضحة: لا ربح حرب لإسرائيل ما لم تدخل رفح وتقضي على قيادة السنوار ولا مفر من دخول رفح لضمان الحكومة اليمينة الإسرائيلية انتصاراً سياسياً يعيد تعويمها وتعويم رموزها سياسياً وفي طليعتهم بنيامين نتنياهو في الانتخابات المقبلة.

الفوائد التكتيكية ستفوق تكاليف دخول رفح وهو الوعد الأميركي إبّان تفاهمات الضربة الإيرانية بين واشنطن وطهران وتل ابيب، والأخيرة مستعدة لخوض المعركة لتعود فيما بعد إلى التطبيع تأسيساً لثقل إقليمي يوازي الثقل الإيراني في المنطقة…

الأولوية إنهاء حركة ح قبل أي تطبيع… فدخول رفح بات وشيكاً ما لم تظهر أرانب الاتفاق في اللحظة الأخيرة…

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل