أنا وقلبي نصرخ… حكمة

حجم الخط

حكمة

حكمة!… لماذا نحن حكماويون؟ لماذا هذا الانتماء اللامتناهي لفريق كرة سلّة، ترنّح لفترة طويلة، خصوصًا بعد رحيل رئيسه التاريخي بريزيدان أنطوان شويري، ولكن بقينا حكماويين أوفياء؟ لسنين تعثّر الفريق، تراجع، هزّته الشوائب الإدارية الكثيرة، ولذلك هُزم لمرات ومرات، وخاب أملنا معه عشرات عشرات المرّات، ومع ذلك بقينا حكماويين بالدم والروح!…هذه هي الكلمة، حكماويين بالروح. هي روح الحكمة التي تسيّرنا وتدفعنا الى هذا التعلّق والإنتماء الغريب الاستثنائي لفريق رياضي، وليس سياسي كما هو مفروض.

هل أدخلنا السياسة في الرياضة؟ لفترة معينة الإجابة نعم وبكل صراحة، ولو لم تكن كذلك في بدايات انطلاقة فريق الحكمة زمن التسعينات، لما كنا الآن نملك تلك الروح الحكماوية العنيدة المقاومة… الروح الحكماوية، مصطلح غريب اليس كذلك؟ ما تعريف تلك الروح في أجواء أولئك الحكماويين الأصيلين، ما حكايتها؟

تقول الحكاية التي عشنا تفاصيلها يومًا بعد يوم، إن زمن الاحتلال السوري للبنان، ولما كان السياديون يُعتقلون، وممنوع عليهم التعبير عن آرائهم السياسية، وحتى ممنوع التلفظ بكلمة “قوات”، أو “الحكيم” وما شابه، وكان ثمة ما عُرف آنذاك بالإحباط المسيحي، كان هناك رجل أعمال، شخص مقاوم عظيم، لا يحمل البندقية، لكنه قرر المقاومة مع المقاومة المسيحية على طريقته، على جبهة الرياضة تحديدًا، وكان يعشق كرة السلّة، فاستلم رئاسة نادي الحكمة العام 1991 بعد وفاة رئيسه آنذاك هنري الأسمر، ولما استلم الشويري الفريق الأخضر، حوّله الى قلعة انتصارات متتالية غير مسبوقة، وحوّل المنطقة الشرقية الى صراخ انتصار كان ممنوع عليها في السياسة، وإذ بتلك الكرة الصغيرة تخترق عالمنا الذي كان غافلاً كليًا عما يسمى كرة السلّة، واخترق معها المحظورات، ودخل المسيحييون عبر فريق الحكمة، بمجابهة مباشرة وغير مباشرة مع النظام الأمني اللبناني السوري.

كنا نغزو المقاهي والمطاعم حين يُعلن عن مباراة الحكمة الرياضي خصوصًا. كان الرياضي بالنسبة الينا ليس الخصم الرياضي وحسب، بل الخصم السياسي، وحين تندلع المباراة بينهما، تتحول المنطقة الى ساحة معركة محتدمة، وتتحول الطابة الصغيرة رمزًا للمقاومة وليس أقل. لم تكن تلك أيامًا عادية، بل أيام مقاومة من الدرجة الأولى، وحين انطلقت الحكمة بانتصاراتها غير المسبوقة، كنا نحن الجمهور وعلى أثر كل مباراة وانتصار، يتعرض الشباب لحملة اعتقالات لأنهم هتفوا للحكيم وبراءته، وهتفوا ضد سوريا والأهم أنهم حملوا صور الحكيم وأعلام القوات.

هنا كان ملعبنا، وهنا في ساحات الملاعب حيث ترفرف الحكمة، كنا نقاوم الإحباط والقهر والاحتلال وآلة القتل والتعسف عبر عملاء السوريين في لبنان. كان الفريق الأخضر يمثل لبنان، ان هُزم، في المرات القليلة التي كانت تحصل مع الرياضي، نعتبر أن سوريا انتصرت، وحين ننتصر نعرف أن لبنان انتصر، هذه كانت روح الحكمة التي اقتبسناها من روح بريزيدان شويري ومن زمن احتلال بغيض منعنا من أن نقاوم، فما كان لدينا “سلاح” سوى أن نشهر انتصاراتنا في فريق الحكمة، فانتصرت الحكمة وانهزم الاحتلال السوري لاحقًا، تغيرت الأيام، تراجع الفريق، رحل البريزيدان بعدما كان استقال، بدت الصورة قاتمة جدًا والفريق الى تقهقر، ولكن بقيت روح الحكمة مشتعلة فينا، وتسلمت الأجيال اللاحقة الشعلة. الحكمة شعلة تتسلمها الأجيال وليس أقل، وإلا لماذا لم ننكفئ عن الفريق الأخضر؟ لماذا زاد جمهوره وتضاعف، وصُنِف بأنه أفضل جمهور باسكيت في لبنان؟ لأنه يملك الروح.

تقولون أنتم تحولون الحكمة الى فريق سياسي متعلق بالقوات اللبنانية فقط! صحيح من جهة وغير صحيح من أخرى. جمهور الحكمة ليس فقط قواتيًا، وإن كانت غالبيته من بينهم، لكن ما هو ثابت أن “القوات اللبنانية” رفضت انهيار الفريق التاريخي، تكريمًا واحترامًا لتاريخ ونضال أنطوان شويري، فكانت كلما تعثر الفريق وانكفأت عنه الايدي المساعدة، تمتد يد القوات لتنتشله من قعر الانهيار، فهل هذه خطيئة؟ هل هذه طائفية كما يدعي البعض؟ لو كانت سياسة فريق الحكمة طائفية هل كان مدربها جاد الحاج سنيًا؟ هل كان ليكون من بين لاعبيها من هو مسلم أيضًا؟!

يقول أحد الرفاق من مشجعي الحكمة الذين عاصروا بريزيدان شويري “الحكمة متنفسنا، بالمباراة الاخيرة مع فريق بيروت حيث تأهلنا للنهائيات بعد غياب ثماني سنوات، احتفلنا بساحة ساسين وكان ظهور الجمهور القواتي واضحًا جدًا، أتعرفين السبب رفيقة فيرا؟ لأن هيدي أيام صعبة متل ما كانت أيام السوريين، ونحنا بحاجة تـ نعبّر عن حالنا ووجودنا وفريق الحكمة من جديد هو متنفّسنا، هيدي روحية الحكمة، الفريق تخلى عنه الجميع، فتدخلت القوات عبر إيلي يحشوشي وغسان حاصباني بداية لإنقاذه، ثم الآن عبر جهاد بقرادوني والعراب جورج عدوان، ما يعني إنو اسم القوات ملزوق بالفريق رغم ان جمهوره غير القواتي واسع جدًا ايضًا”.

لا شك أن طغيان صورة القوات على فريق الحكمة تزعج البعض، حتى أن رئيس اتحاد كرة السلة وجّه انتقادًا غير مباشر لإدارة الحكمة بسبب الاحتفالات التي طغت عليها صورة “القوات اللبنانية”، والسؤال، ليش لاء؟ الناس تحتاج متنفسًا، وضع البلاد أسوأ من السيء بكثير، شباب وصبايا لبنان السياديين خصوصًا، يحتاجون متنفسًا، هل القتل والجريمة والانخراط في أحزاب غير لبنانية أفضل، أم أن نمتلك روحية الحكمة تلك ونقاوم بالرياضة ونصرخ “الله والحكمة ولبنان” و”انت وقلبك قولوا حكمة” أم مثلًا لبيك…نصرالله أفضل؟!

هذه روح، ومن لا يملكها لن يفهم ما نكتب، وإن فهم لن يعجبه الكلام، لكنها شعلة تنتقل من جيل لجيل، وإن كانت تهمنا الانتصارات لكنها وإن لم تحصل، وحتى في عز الهزيمة تنتصر تلك الروح فينا ومن لا يملك تلك الروح، أكرر لن يفهم ما نقول، ولا نحكي لا طائفة ولا دين ولا انتماء سياسي، بل لغة قلب أخضر روحه خضراء حكماوية مقاومة وانا وقلبي لا نقول إلا… حكمة.

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل