“الحزب” شبّ على “الانتهاكات” وشاب على “الدراجات”

حجم الخط

انتهاكات "الحزب"

“إذا عض كلب رجلًا فهذا ليس خبرًا، وإنما إذا عض رجل كلبًا فهذا هو الخبر”. تتناقل الوسائل الاعلامية وتضج المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي متزاحمة متنافسة على نقل آخر مظاهر الاعتراضات والاعتداءات، في المناطق الخاضعة لـ”الحزب”، على القوى الأمنية من جيش وقوى أمن داخلي وأجهزة أمنية، فقط لأنها تقوم بحقها وواجباتها بإنفاذ القانون على اللبنانيين والمقيمين من المخالفين السوريين وغيرهم، والتي تتدرج وتندرج وتتدحرج ارتكاباتهم من القتل والمشاكل والمخالفات وعدم تسجيل النزوح والإقامات، الى السرقة بشكل عام وخاصة سرقة الدراجات.

من الطبيعي أن يتداعى الخارجون عن القانون والقتلة والسارقون والمرتكبون، ليشكلّوا سدًا بوجه القانون والشرعية وقوات حفظ النظام والاستقرار، وهذا ما حصل ويحصل في كل دول العالم وهو يقع في خانة اللا خبر، أي كخبر “الكلب الذي عضّ رجلًا”، إذ من غير الطبيعي وغير المعروف والمألوف أن يقوم مثلًا “الحزب” الديني الذي يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويمثّل حسب أمينه العام “أشرف وأطهر الناس”، بتغطية الخارجين عن القانون المعترضين المعتدين، لا بل أكثر من ذلك، وعلى ما رأينا منذ عشرات السنين، قام بـ”تنسيب” هؤلاء وأمثالهم في حزبه وأحيانًا كثيرة كان لقيادييه والأقارب والأنسباء، أدوار البطولة في كثير من عصابات سرقة السيارات والمخدرات والتهريب والتزوير والممنوعات وغيرها وبالمبدأ تقع ارتكابات “الحزب” الالهي وتغطياته تحت خانة “الرجل الذي عض كلبًا”.

إن تكرار وتمادي “الحزب” بما ذُكر منذ ما قبل إعلان بيان تأسيسه في 16 شباط 1985 وحتى الساعة، جعل من الاعتداءات والانتهاكات والمخالفات والارتكابات التي أنجزها وينجزها “الحزب” وبيئته بتشجيع وغطاء منه، كخبر “الكلب الذي عض رجلًا”.

لن يتسع البحث طبعًا للغوص بكل الشواهد على ما نقول وسنكتفي بالقليل المعبّر منها.

نبدأ بما عنونت به صحيفة السفير في 16 تموز 1983، “محاولات لإخلاء مدرسة الأليانس تفجر اشتباكات دامية تستمر 5 ساعات

سقوط 7 قتلى و40 جريحًا في صدام مسلح بين الجيش ومهجري وادي أبو جميل”.

لم يكن “مهجرو وادي أبو جميل” الا “محميي” الحزب المصادر للمدرسة.

وفي نفس الصحيفة نقرأ في 3 أيلول 1983، “زعماء الحزب عباس الموسوي، نصرالله، ومحمد يزبك ترأسوا مسيرة حاشدة إلى ثكنة الجيش اللبناني في بعلبك”، “ثكنة الشيخ عبدالله” وعقدوا صلاة الجمعة هناك. والقى نصرالله كلمة نصح فيها قائد الثكنة ورجاله برفض الأوامر وإخلاء القاعدة.

أخلى قائد الثكنة وضباطه الثكنة. وعلق عناصر “الحزب” لافتة على بوابة الثكنة كتب عليها: “تحرير قاعدة الشيخ عبد الله عبر جماهير الحزب هو الخطوة الأولى نحو التحرّر من الكتائب”.

أعيدت تسمية القاعدة على اسم الإمام علي واصبحت المقر الرئيسي للحرس الثوري في لبنان ولـ”الحزب”، وتولى الحرس الثوري تدريب مجندي “الحزب” تحت إشراف علي رضا العسكري، الذي قضى معظم وقته في إيران ولكنه أرسل مدربين الى لبنان”.

وهنا نقع على اعتداء مماثل ومتمادي هو في تأسيس “الحزب” وتشييده لمستشفاه الرسول الأعظم على عقار تملكه المطرانية المارونية، في خطوة إعتدائية شبيهة بما يجري اليوم من اعتداءات واعتراضات على القوى الأمنية، أثناء ممارستها لمهامها.

في 26 حزيران 2002، تصدّى نواب حركة “أمل” ووزرائها في الحكومة اللبنانية ونواب الحزب” ومحازبين من الطرفين وأهالي منطقة الأوزاعي، للمعنيين الذين حضروا الى المنطقة لتدشين بدء العمل بتنفيذ مشروع جسر الأوزاعي على المدخل الجنوبي لمدينة بيروت، الذي يكلف 28 مليون دولار، ومنعوهم من ذلك. وتعرض بعض المعتصمين بالضرب للمهندس فادي فواز مستشار رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري للشؤون الإنمائية والإعمارية، فأغمي عليه نتيجة إصابته بارتجاج في الدماغ، أوجب إدخاله الى مستشفى الجامعة الأميركية للمعالجة، فيما حطم آخرون زجاج سيارة النائب وليد عيدو، أحد أعضاء كتلة الحريري النيابية.

في 5 حزيران 2022 ومع بدء حملة الجيش اللبناني على حي الشراونة لتوقيف تاجر المخدرات “ابو سلة” علي منذر زعيتر، هدّد رئيس الهيئة الشرعية في “الحزب” الشيخ محمد يزبك الجيش اللبناني في لقاء مع بعض أهالي منطقة الشراونة قائلاً ما حرفيته، “أعراضكم هي أعراضنا وبناتكم هم بناتنا، وأنتم أنفسنا، ولن نقبل المظلومية لأحد… من هذا المنطلق الذي أوصى به أمير المؤمنين علي، أن نكون الى جانب المظلوم وندافع عنه. هذا كلامنا الأول والأخير، ونحن نمهل ساعة أو ساعتين للانسحاب من الشراونة وإذا لم تحل الأمور، فليأتوا ويقتصوا منا أيضا”. لينسحب بعدها الجيش منهيًا العملية.

في 19 نيسان 2006 أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن نزار خليل حكمًا غيابيًا بحق كل من نوح زعيتر وزهير زعيتر وطوني الحاج، قضى بالأشغال الشاقة المؤبدة وتجريدهم من حقوقهم المدنية، لإقدامهم على تفجير الآلية العسكرية الموضوعة بتصرف أحد ضباط قوى الأمن الداخلي بواسطة عبوة ناسفة وعلى محاولة قتله بها وعلى حيازة متفجرات من دون ترخيص والتسبب بأضرار مادية للآلية العسكرية، ليظهر المحكوم زعيتر لاحقًا في الصفوف الأمامية في إعلان لائحة كتلة الحزب في بعلبك وفي صفوف الحزب العسكرية وراء مدفع مضاد للطائرات مع مسؤولين من “الحزب”، لمواجهة “التكفيريين”، كما أطلّ في مقابلات تلفزيونية مباشرة على الهواء.

وفي تغطية لهؤلاء وفي تخفيف جرمهم يقول نصرالله في 16 شباط 2016: “هناك عشرات آلاف المطلوبين بمذكرات منذ عشرات السنين وأحيانًا بقضايا بسيطة وتافهة، هذا الأمر يمكن أن يناقش لمعالجته لأنه حينئذ يخفف عبء على القوى الأمنية، فعندما يطل مسؤولو قوى الأمن ويقولون لدينا 30 إلى 40 ألف مذكرة توقيف فقط بمحافظة واحدة، وتكون أغلب أسباب مذكرات التوقيف تافهة ويمكن التسامح فيها، يمكن معالجة هذا الأمر سواء على عهدة الحكومة أو على عهدة مجلس النواب، ومن المؤكد المساعدة على حلها”.

في دليل آخر على تغطيته وتمكنه من رفعها متى أراد ومتى “أمر”، يقول نصرالله في 12 أيار 2023   “أصلاً، وفي العديد من المناطق، هل تستطيع الدولة اللبنانية أن تقوم بما تقوم به من تفكيك لمصانع الكبتاغون والمخدرات والعصابات لولا الحزب”؟

إن ما شهدناه بوجه الحملة الأمنية وبوجه الشرعية المتمثلة بالجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، أصبح عرفًا اعتياديًا مكررًا ومجربًا وبالتالي كـ”خبر الكلب الذي عض رجلًا”، وقد شرح الكاتب فادي توفيق وشرّح في كتابه “بلاد الله الضيقة الضاحية أهلًا وحزبًا” الصادر عام 2005، الأرض الخصبة التي أنجبت تلك الارتكابات والاعتداءات، إذ ورد في الصفحة 33 من الكتاب:

“بنى الحزب في الضاحية نصاب دولة كاملاً، من مدارس، وزارة أشغال، نظام ضمان اجتماعي، مشاف، بنوك إسلامية، هذا من غير أن يفوتنا عامل له من الأهمية في تماسك معاقل “الحزب” ما لها كل مؤسساته، عنيت عامل الرشوة المتمثل في أنه بسيطرته على هذه المناطق، إنما يحمي القاطنين فيها من غائلة القوانين وأكلافها من ضرائب، الى شروط تسجيل المؤسسات التجارية والصناعية، وتسجيل العاملين فيها بمؤسسة الضمان الاجتماعي، وسوى ذلك من تسديد فواتير الكهرباء والمياه، كما يحررهم من التقيّد بمعايير أخرى من قبيل الشروط الصحية للمطاعم وأسواق الخضار وبائعي اللحوم. ففي المناطق التي يسيطر عليها يكفي الالتزام بالشروط “الشرعية” التي يفرضها الحزب لمباشرة العمل، أما عدا ذلك فيعد من باب النوافل التي لا يجب الالتزام بها”.​

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل