نزيه متّى لصديقه رمزي عيراني.. “وحياتك شهادتك أثمرت”

حجم الخط

رمزي عيراني ـ القوات اللبنانية

قالوا في وقتها إنه زمن السلم! زمن السلم الذي ابتلع رمزي عيراني، وجعله بلا روح في صندوق سيارة لمدة أربعة عشر يومًا، ولما سألت عنه عائلته المفجوعة “أرباب” السلم المزعوم وزمنه المزعوم، فغروا أفواههم بدهشة الأفاعي وقالوا “لا نعرف”!!

ابتلعته الأرض فجأة، وهم الذين كانوا يلاحقون أنفاس المناضلين نفسًا نفسًا، ويعرفون أين تحطّ حتى الذبابة وعلى أي شريط وأي شباك وأي قمامة، ولما اختفى رمزي نكروا كل مهاراتهم الاستخباراتية، وكل عيونهم التي كانت مدروزة على دروب المناضلين، وكل العملاء الأوفياء للنظام الأمني السوري اللبناني، وليس اللبناني السوري، إذ كانوا أوفياء أكثر، لأسيادهم في سوريا على حساب كرامة لبنان وشباب وصبايا لبنان.

20 نوار 2002 رجع رمزي الى بيته شهيدًا، بعدما كان اختفى في السابع من نوار، وبدأت جلجلة عائلته مع الجهاز الأمني الذي تعمّد لإذلال زوجته جيسي وكل العائلة، لتضييع الحقيقة وتمويهها، وبعد أربعة عشر يومًا وجدوه جثة متحللة في صندوق سيارته المغمورة بالغبار، بعدما كانوا خطفوه من مركز عمله، وقتلوه وادّعوا الجهل بكل شيء.

لماذا اغتالوه؟ لأنه كان شجاعًا، مناضلًا لا يستريح، يطالب بالحرية للحكيم، بالسيادة للبنان، قتلوه لأنه بشخصه ووسامته المفرطة واندفاعه لأجل قضية “القوات اللبنانية” وقائدها، رسم من حوله شعاع رفاق في هيئة الطلاب وفي نقابة المهندسين، شعاعًا من الاحترام والقناعة بكل ما يقوله وينادي به، في كل اللقاءات التي كانت ممنوعة، لكنه تحايل على زمنه، ليقول كلمته من دون أن يخاف، وهو كان يعلم أن ثمة عيون حمراء متوهجة بحقدها تتربص به، وتستدعيه من وقت لآخر الى التحقيق معه، ولكنه لم يكترث، لأنه لم يستمع الا لصوت الحق فيه، لصوت القوات.

“مش مصدق كيف مرقوا 22 سنة على غياب رمزي، نحنا كنا كتار أصدقاء رمزي، جمعتنا القضية على ذات الطريق، صديقنا باسكال حداد كان أقرب اليه مني وفارس وغيرنا كتار، كنا مجموعة متراصة مع بعضنا، وقت اغتالوا رمزي قتلوا شيئًا ما فينا، لكن رفضنا نستسلم لأجل رمزي ولأجل استمرارية قضيتو وقضية القوات اللبنانية”، يقول أحد أصدقاء عمره، المهندس الذي صار نائبًا في البرلمان، نزيه متّى، والذي منذ لحظة اغتياله، ما زال حتى اللحظة يعيش الوفاء المطلق لذكراه ولعائلته، جيسي وجاد وياسمينا، وبقي لسنين ينظم ضمن مهندسي القوات ومع جيسي، احتفالًا سنويًا وجائزة سنوية تكريمًا لنضال رمزي عيراني.

لكن هل أثمرت شهادة رمزي في وطن لا يعترف الا بالإرهاب واللاعدالة واللادولة؟ “ما في شي بالأوطان يُنجز بين يوم والتاني، مرقنا بكتير صعوبات وبعدنا على الطريق الصح والصعب. استشهاد رمزي أزهر رغم كل الصعوبات، ووقت تشتد الصعوبات يعني أنت على الطريق الصحيح” يقول متّى.

“رمزي كان ناشطًا لأجل حرية الحكيم، وخرج الحكيم وصار أقوى بكثير مما كان عليه، ما يعني أن شهادة رمزي أزهرت. رمزي كان يريد أن تكبر القوات لتصبح بحجم وطن، وكبرت القوات وأصبحنا على مساحة لبنان والاغتراب. كان يريد أن نكون بموقع المسؤولية، وها نحن في البرلمان أكبر كتلة نيابية. كان يريد أن نكون محاربين بالديمقراطية والدستور لأجل دولة القانون، وهذا هدفنا أساسًا ولذلك نحن في الجمهورية القوية نحارب ونواجه بالديمقراطية، ونحن الآن في عز معاركنا لأجل رئيس جمهورية سيادي للبلاد” يقول متّى.

الا يخاف مناضلو القوات، وتحديدًا صديق رمزي عيراني، من مصير مماثل كما حصل مع باسكال سليمان والياس الحصروني مثلًا في زمن “السلم” المفترض؟! يبتسم النائب الشاب: “فيرا بس تكوني ناشطة ومنتمية تحديدًا لقضية القوات اللبنانية، وتتقدمي بنشاطك وتكبر مسؤولياتك، فأنت حتمًا مشروع شهيد. رمزي كان نشيطًا وشجاعًا وكان لديه القدرة بأن يستلم مسؤوليات كبيرة في القوات اللبنانية لو بقي حيًّا، لكنه استشهد وكان يعرف أساسًا أنه مشروع شهيد، هيدي قضية القوات. لا أحد يعرف مصيره، ولكن هدفنا أن نكمل المسيرة، لا نعرف من يموت ومن يعيش، لأن في لاوعينا نعرف أننا مشاريع شهداء بالجملة، كلنا في الحزب هكذا، خيارنا الحرّ بالنضال يأخذنا الى مطارح كبيرة من الشهادة، الى استمرارية قضية الشهادة، هيدي نحنا، وكلنا هيك، ولو ما كنا هيك كانت ماتت قضيتنا. القضية هي أحد يستشهد وآخر يقع على الطريق وآخر يكمل النضال، هكذا تصل القضية” يقول متّى.

هل فعلًا يكمل نزيه متّى ورفاقه ما فعله رمزي وما استشهد لأجله؟ “طبعًا بالتأكيد” يسارع متّى الى الجواب “استمراريتنا في القوات تعطي الحق لقضية استشهاد رمزي. هيدي معناها نبقى ونستمر، أنا كنت رفيق رمزي وأكمل ما فعله، نحن سلسلة تواصل بدأت من قبل رمزي ومع رمزي وما بعده. ثمة أناس لا يعرفون البشير مثلًا ولا رمزي ولكن يحملون صورهم في كل مناسبة، هؤلاء يحملون شعلة القضية، هؤلاء ينتخبون قضية”، يقول متّى.

هل توقّع يومًا أن يغتالوا رمزي؟ يجيب بحزن لم تمحه الأيام، إنما رقد في حنين الصداقة والوفاء: “رمزي كان مناضل عنيد بقضيتو وناشط صحيح، لكنه كان مسالم ومستعد يضحي للآخر، وهذا لا يعني انه ضحّى بشكل غير محسوب، لكن ما توقعنا أن يذهبوا بالكراهية الى هذا الحد مع مهندس شاب عنده عائلة، لا يطالب بأكثر من وطن حر وبحرية الحكيم، وبحق فئة من المواطنين كانوا مضطهدين، ما توقعنا أن يصلوا بالإجرام الى هذه الدرجة. قتلوه بحقد لا يوصف، قتلوه بمربع أمني للقمة العربية آنذاك، خطفوه وقتلوه وتركوه 14 يومًا في السيارة، أي حقد بعد أكبر من هذا؟” يقول.

في كل دول العالم تتحقق العدالة الا في لبنان، اللاعدالة هي القانون السائد في ظل احتلال سوري سابقًا واحتلال إيراني لاحقًا، فمن سيحقق العدالة لرمزي عيراني وسواه؟

“معركتنا كانت مع نظام يهيمن على الدولة اللبنانية، وضعنا اليوم اسوأ بكثير مما كان عليه أيام رمزي، نحن في حال صراع إقليمي وتفلّت أمني مخيف، مفتوحة الامور على مصراعيها، ونحن كتكتل أنجزنا خطوة هامة جدًا وسط كل هذا التفلت، تمكنا مع حلفائنا من التمديد لقائد الجيش والأجهزة الأمنية في حين كانوا يرفضون الأمر، ليسيطر الفراغ الأمني أيضًا، وكانت لتكون أكبر مصيبة نتعرض لها، هذا يسجل لنا ليبقى البلد مكموشًا في مكان ما، حين اغتالوا رمزي كان الأمن ممسوكًا من جهة واحدة، الآن نحارب على الاتجاهات كافة” يقول متّى.

ماذا يقول نزيه متّى في كلمة أخيرة لصديق عمره رمزي؟

“بقللو لو كنت بعدك عايش يا رمزي، لكنت الآن عنصرًا أساسيًا ومهمًا جدًا في القوات اللبنانية، يللي أنت ناضلت كرمالو نحن الآن نفعله، شهادتك أثمرت وتضحياتك أثمرت فينا وبالأجيال يللي أنت أثّرت فيها، تضحياتك ما راحت ضيعان، وإذا تأخرنا بمكان ما، لكن نحتاج الى الوقت والأمل. الناس الذين نواجههم قساة لا يرحمون، ولكن رح نكفي للآخر، ورح نحقق الأهداف يللي استشهدت كرمالها، ووحياتك رح نرجع نشوف لبنان يللي حلمت به رمزي.”​

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل