صحيفة النهار- روزانا بومنصف
خاض لبنان معركة ديبلوماسية معروفة أو محسوبة سلفاً في مؤتمر دعم النازحين السوريين، ولو أُعطيت جرعة أمل بالقول قُبيل انعقاده إن هناك تطوراً في ملف النزوح السوري في ظل وجود دول أوروبية غيّرت موقفها وباتت ترى أن هناك مناطق آمنة في سوريا يمكن البحث في إعادة النازحين إليها.
افتقد لبنان بين هذه الدول دولة أساسية داعمة له وتكرر على نحو شبه يومي أنها ليست فقط في مقدمة الدول الداعمة للبنان والرافعة لقضيته، بل أحياناً شبه الوحيدة وهي فرنسا، فيما يقول ديبلوماسيون إن موضوع النزوح كسواه يحتاج إلى مرجعية الرئاسة الأولى كمحاور مؤثّر مع الخارج. أُغفِل في هذا السياق عدم اهتمام الأميركيين إطلاقاً بموضوع النزوح السوري، وهناك إهمال كبير من جانبهم لتداعياته ولا يدرجون الوضع السوري على راداراتهم، فيما الاتحاد الأوروبي تتنازعه اتجاهات مختلفة ولا نيّة لديه ولا وقت يوليه للوضع السوري كذلك، وهو يفشل في مقاربة جملة مسائل دولية من موقع واحد على غرار الاعتراف مثلاً بالدولة الفلسطينية وكل من دول الاتحاد لديها أجندتها في ضوء انتخاباتها أو وضعها الداخلي وأحزابها السياسية. بدا لبنان قبيل المؤتمر وبعده في كماشة بين النظام السوري من جهة، ودول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى التي أثار مسؤول سياستها الخارجية جوزيب بوريل انزعاجاً في تكرار غير مريح وغير متفهّم لموقف الاتحاد من النزوح السوري، لكن بخطاب مفكّك كما لو أن الرجل يقرأ خطاباً عن النزوح السوري فيما لم يكن حاضراً ذهنياً فيه. وارتكب لبنان أخطاءً بدوره رغم كلمة بنقاط قوية للموقف اللبناني وتمثل الخطأ الجسيم بتحديد رقم النازحين الذي ورد في دراسة أعدّها مستشار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي سمير الضاهر تخطّيهم 50 في المئة من عدد المقيمين اللبنانيين، فيما لم تتعدَّ هذه النسبة 30 في المئة في خطاب لبنان الرسمي في بروكسيل وهو الذي سيُعتمد كمرجع أمام الخارج.
وخلاصة المؤتمر أن الاتحاد الأوروبي رمى لبنان أساساً في الحضن السوري تحت طائل انهياره ديموغرافياً واجتماعياً واقتصادياً تحت وطأة هذا النزوح وعلى خلفية 3 احتمالات: إما أن يبقى لبنان السياسي يغرق في الخطابات والمزايدات في موضوع النزوح من دون إجراءات جدية والاكتفاء بمجموعة إجراءات شكلية سرعان ما يتراجع زخمها بعد أسبوع أو أسبوعين، أو أن يدعم “تهديده” (!) بأنه سيطبّق القانون اللبناني كما يردد مسؤولون لبنانيون بين وقت وآخر، ويتخذ كل الإجراءات التي تتيح له معالجة النزوح لا سيما النزوح غير الشرعي، ويُدفع النازحون تدريجاً إلى نوع من مخيمات قرب الحدود مع سوريا تنظيماً لهذا النزوح وضبطاً له، أو أيضاً على سبيل ممارسة ضغوط على الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار. والاحتمال الثالث أن يفتح خطوط الاتصال مع النظام السوري على غرار ما أقرّه مجلس الوزراء بتشكيل لجنة سياسية أمنية للحوار مع النظام في موضوع النزوح. وعلى أهمية هذه النقطة والبعض يرى ضرورتها، فإنه يعتقد على نطاق سياسي واسع أن هذه اللجنة لن تنجح في أي خطوة استناداً إلى التجارب السابقة في هذا الإطار، من دون أن يخفي ذلك خشية من أن تجاوب النظام على نحو شكلي وجزئي مع أي إعادة لبعض النازحين قد يكون مكلفاً على نحو مخيف للبنان بأثمان قد لا يكون أقلّها إعادة الإمساك بمفاصل القرار اللبناني في صورة أو في أخرى.
خلصت نتائج الشهر الأخير من المواقف التي تم الاتفاق عليها في مجلس النواب أو اتخذتها الحكومة على أن لا نقص في الآراء لما يجب فعله إزاء أزمة النزوح لا في الاقتراحات ولا في الخطوات الممكنة، بل هناك نقص في القرار أو الإرادة على نحو متواصل وليس على نحو موسمي أو متقطّع، بالإضافة إلى أن الأمر يتطلّب سياسة متعددة الأوجه والطبقات. وفي الأسابيع الأخيرة، كان ثمة إجماع سياسي من كل الطوائف على أن النزوح السوري في وضعه الراهن لا يهدد استقرار لبنان فحسب بل يهدد قدرته على البقاء، ما يفترض العمل في الداخل كما مع الدول على نحو ثنائي وجماعي إقليمياً ودولياً. فلا توجد حلول سريعة أو جاهزة لا سيما مع الموقف المتجدد المتواصل من النظام الذي ينتظر أثماناً خارجية للقبول بإعادة بضع مئات أو آلاف أو القبول بتوزيعهم ديموغرافياً كما يريد، ولكن يجب على صانعي السياسات إيلاء اهتمام أكبر للوضع الراهن في لبنان ومؤتمر بروكسيل أخيراً كان يفترض استكشاف طرق أكثر مرونة لحفظ كرامة اللاجئين والمجتمعات المضيفة.