لم يكن ما أورده نائب التنمية والتحرير علي خريس بحق حزب “القوات اللبنانية” ورئيسه سمير جعجع مفاجئًا لمتتبعي الحملة الممنهجة المنظمة التي يتعرضان لها ظلمًا، زورًا، تزويرًا وبهتانًا بقرار حطّه “الحزبُ” من “علِ” على أتباعه، ولن يكون آخرهم “الخريس علي”.
ما يفاجئ القارئ والمتابع هو في ردود أطراف الممانعة وطرفي الثنائي المتميزة دائمًا، بخروجها عن سياق الحديث والموضوع المردود عليهما. ففي هجوم نائب “أمل” علي خريس الشخصي على الدكتور جعجع دفاعًا عن الرئاسة الثانية في الجمهورية اللبنانية المحتفظة برئاسة “الحركة”، لم يتطرّق المُهاجم الى الأساس الوارد في كلمة الدكتور جعجع وهو عدم تخطي الصلاحيات واحترام القوانين والدستور وفصل السلطات، بل قفز المسؤول “الأملي” فعليًا، التشريعي “لقبًا” عشرات السنين الى ما وراء إنهاء الحرب ناكئًا في جراحها، مذّكرا ببعض محطاتها، متناسيًا غيرَ متذكرٍ لمعظمها. وطبعًا لم تغب كليشيهات ولازمات العمالة المعمول بها من أزمنة الصمود والتصدي البائدة، وصولًا الى حالات وحاليات الممانعة السائدة.
يقول النائب خريس في تغريدته:”
حتمًا ما أفصح صاحب مشروع حالات حتمًا عندما يحاضر في العمل الدولاتي الصحيح، شفى الله حكيمًا من الخيارات الخاطئة وحمى الله الجنوب وأهله ومجلسه من أمراض العمالة المستعصية”.
تذكّر نائب حركة “أمل” محطة مشروع مطار حالات في 1987، لكنه تناسى المحطات التي تلت انتفاضة 6 شباط 1984، بطولة حركة “أمل”، مِن تفلت وخطف وقتل في “بيروت الغربية” ومطارها وعلى طريقه، ليكون مشروع مطار حالات مشروعًا ومبررًا، تمامًا كمشروع مرفأ جونية الذي اعتمده أبناء “المنطقة الشرقية” بديلًا عن “مشروع مطار بيروت” المحفوف بمخاطر المنقلبين على الجيش الشرعي في “دولتهم”.
بالنسبة لـ”الخيارات الخاطئة” نعود الى صحيفة الشرق الأوسط تاريخ 6 كانون الأول 2011 التي نقلت عن وكالة الصحافة الفرنسية، برقية عن سفير الولايات المتحدة الاميركية جيفري فيلتمان من وثيقة سرية نشرها موقع ويكيليكس، ينقل فيها السفير عن الرئيس نبيه بري “أن الضربات الإسرائيلية على الحزب مثل العسل، قليله مفيد، لكن الإكثار منه ضار”، ثم انفجر بري ضاحكًا، بحسب البرقية… وقال فيلتمان إن بري كان يتمتع بمعنويات “مرتفعة جدًا” خلال الجلسة التي جمعتهما في العام 2008، بعد سنتين على اندلاع حرب تموز. وأضاف فيلتمان أن بري كان يشعر بأن الأمين العام للحزب، خدعه بعدما وعد بصيف هادئ، قبيل قيام عناصر حزبه بعملية خطف الجنديين الإسرائيليين.
ونقل فيلتمان عن بري قوله: “لا يمكن أن نجلس معه على طاولة الحوار مجددا.. لقد كذب علينا”.
بالنسبة “لحماية الجنوب وأهله ومجلسه من أمراض العمالة” وبالعودة الى صحف ذلك الزمان الذي أرادنا خريس أن نعود اليه، حيث الإدانة للذات وللحركة وللمقاومة ظاهرة جلية تحت أعين القراء، نستذكر ما ورد في صحيفة الديار في 23 ايلول 1988: “اغتيل بعد ظهر أمس ثلاثة من قياديي حركة أمل في مكمن مسلح، استهدف موكبهم في الأوزاعي وهم عضوا المكتب السياسي رئيس الهيئة التنفيذية داوود داوود، والمسؤول التنظيمي العام الحاج محمود فقيه ومسؤول الخدمات الاجتماعية في النبطية الحاج حسن سبيتي، فيما أصيب المسؤول التنظيمي لمنطقة صور السيد علي خريس بجروح خطيرة…”
من نفس الصحيفة نقرأ في 10 كانون الثاني 1989: “أكد المسؤول السياسي لحركة امل في صور علي خريس بعد زيارة لساحة القتال مع “الحزب”، أن الحركة ستستمر في القتال الى أن يخرج الحزب من آخر معاقله في منطقة إقليم التفاح.
إن قرار “أمل” قضى بإزالة كل مواقع الحزب في منطقة الجنوب، لأن هؤلاء أصبحوا يشكلون خطرًا على أهلنا في المنطقة”.
كما نقرأ من صحيفة النهار في 21 كانون الثاني 1989، ونقلًا عن الرئيس نبيه بري في مؤتمر صحافي: “وإذ يهم (الحزب) وباتفاق مع لحد، وعبر خطوطه أقفلت طريق كفرحونة من أجل تمرير بضع مئات من العناصر، ويُقال إنه دفع عن كل عنصر أربعمائة دولار، وحصل تمرير مرتكبي مجزرة السبت الأسود” (مجزرة إقليم التفاح)… نعلن استعدادنا للمصالحة مع القوى المخلصة في الحزب من دون أي شرط مسبق، سوى تسليم قتلة داوود ومحمود وحسن ومرتكبي مجزرة السبت الأسود لينالوا قصاصهم العادل”…
كما نقرا في الديار تاريخ 9 تموز 1990: “أعلن مصدر إعلامي في الحزب، انه استكمالا للهجمة الصهيونية على مواقع المقاومة الإسلامية في إقليم التفاح وبينما كان الأخوة في مراكز الاسعاف متوجهين الى مساعدة الأهالي وإسعافهم، قامت عصابات بري وحبيقة وفي خطوة تكشف مدى الترابط بينها والعدو، بقصف المناطق التي استهدفها الإسرائيليون في غاراتهم قصفًا عنيفًا وبالمدفعية الثقيلة من عيار 122 و120 و182 ملم، وذلك من مرابضها في صربا وحومين وعربصاليم بهدف إعاقة المسعفين وعرقلة وصولهم الى المنطقة”.
لاحقًا نقرأ من صحيفة السفير في 3 آب 1990: “انفجرت في وقت متأخر من ليل أمس عبوة ناسفة صغيرة في مدينة صور كانت موضوعة تحت سيارة متوقفة خلف مكتب المسؤول التنظيمي لحركة أمل في الجنوب علي خريس… وأدلى مصدر مسؤول في حركة أمل بتصريح اتهم فيه إيران والحرس الثوري بالتفجير وقال المصدر إن أمل تعرف كيف ترد على هذا العدوان في الزمان والمكان المناسبين”.
طبعًا من الضروري أن نقرأ لخريس ويقرأ معنا في ملفات عشرات شبكات الموساد المفككة ومئات العملاء المقبوض عليهم وانتماءاتهم الحزبية ورفعة مراكزهم في تلك الأحزاب لنشخّص بأن “أمراض العمالة المستعصية”، أضحت وباءً مستشريًا في بيئة وأحزاب و”أفواج المقاومة” نفسها، دفع اثمانه ويدفعها المقاومون و”أهل الجنوب ومجلسه”.
بالإضافة لما ورد من وقائع مثبتة مدينة للمتهِمين بذاتهم وحركتهم وحزبهم، لا بدّ من لفت نظر المفتري، أن حزب “القوات اللبنانية” يكاد يكون الغائب الوحيد عن شبكات التجسس الإسرائيلي، مهما غرّد الممانعون وحاضَروا.
في الختام نسأل “مفترضين” ما تُراه يقول نائب حركة “أمل” علي خريس بحق رئيس حركته رئيس مجلس النواب نبيه برّي اذا قرأ ما نقلته صحيفة العمل تاريخ 8 أيار 1988، اذ يقول بري، “أين مظاهر التدين في هذا الكفر الذي يمارس ضد الأبرياء.. أتساءل معكم، هل الوصول الى القدس يمر في الضاحية هذه المرة، نحاول أن لا نصدق أن عدوًا لنا في الضاحية. سقطت كل الأقنعة في الجنوب واليوم جاء دور الضاحية، لم يكفهم تحويلها بؤرة للإرهاب عبر الرهائن”.