بيتي ووطني مش للبيع!

حجم الخط

لبنان ـ عودة طوعية الى سوريا

لبنان ـ مجلس النواب

النزوح السوري: من لجوء سياسي ـ اقتصادي الى أزمة وجودية.. بيتي ووطني مش للبيع!

يُعتَبَرُ الواقع الجغرافي لبعض البلدان نعمة، فيما لبعضها الآخر أقلّ ما يكون فيه نقمة لهذه البلدان. وهذا ما ينعكس أزمات سياسيّة، صارت تعرف في زمننا بالجيوبوليتيك، أو الجغرافيا – السياسيّة؛ في دلالة واضحة على كيفيّة تأثير الواقع الجغرافي في السياسة.

 

خارطة كِيانيّة تلوح في الأفق الجغرافي

هذه اللعنة الجيوبوليتيكيّة ما فتئت تلاحق لبنان الكيان الرّسمي منذ تأسيسه في الأول من أيلول في العام 1920. وقد تجلّت في المرحلة الثانية بالنّزوح السوري الذي بدأ إبّان الحرب السوريّة في آذار 2011 في زمن حكومة رئيسها الحالي نجيب ميقاتي. وما زاد هذا الملفّ سوءًا أنّ الحدود البرية بين لبنان وسوريا غير مضبوطة من قبل الدّولة، فيما يضبطها حلفاء النّظام السوري وبالتحديد “الحزب” الذي نجح بدخوله في الحرب السوريّة في السيطرة على الحزام الحدودي الممتدّ محاذاة للحدود اللبنانيّة الشماليّة؛ ما يُعرف بمنطقة القصير والقلمون. ونتيجة لهذا المخطّط الصفوي الخبيث الذي تمّ تحقيقه عبر ممارسة التقيّة الصفويّة صار لبنان يضمّ أعلى نسبة لجوء سوري عالميًّا مقارنة بمساحته وعدد سكانه المقدر بنحو 6 ملايين نسمة، حيث يقدر الأمن العام اللبناني عدد السوريين بمليونين و80 ألف لاجئ. بالتوازي، تتحدث تقديرات الحكومة الرسمية عن وجود 1.5 مليون لاجئ، بينهم 800 ألف مسجلون رسميًّا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR).

 

“أرضي مش للبيع”

بعد 13 تعامًا تحوّلت أزمة النّزوح الى أزمة وجوديّة بحقّ الدّولة اللبنانيّة ولا سيّما بعدما نجح حلفاء النّظام السوري في لبنان بتفريغها من جوهر وجوديّتها بعد السيطرة شبه التامة على الدولة العميقة فيها. فيما المجتمع الدّولي الذي لا يريد مواجهة إرهاب النّظام السوري وحلفائه ميدانيًّا، اتّجه نحو العقوبات الدّوليّة وتقديم المساعدات الماليّة للجمعيّات كي لا يقدّم هذه الهبات للدولة اللبنانيّة لشخصيّتها المعنويّة.  فتحوّلت هذه الجمعيّات، بمعظمها كي لا نقول كلّها، إلى مسيّرات ميدانيّة للشأن الإنساني الصرف ولو على حساب الدّولة ومؤسّساتها.

يتأجج السجال السياسي بشأن قضية اللجوء السوري في لبنان بمشهد عهده اللبنانيون سنويا قبل انعقاد “مؤتمر بروكسل”، ولكن المؤتمر في نسخته الـ18 لدعم مستقبل سوريا ودول المنطقة والذي عُقِد في 27 أيار 2024 في بروكسل لدعم “المُنَازِحينَ” في محاولة لفرض أمر واقع ديموغرافيٍّ في لبنان، ولا سيّما اليوم بعد زيارة السيدة أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، والرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس إلى بيروت، لعرض تقديم مليار يورو، اعتبرتها القوى اللبنانيّة كبدل إيجار الأرض اللبنانيّة لوضع النّازحين السوريين عليها.

 

لبنان يساعد أوروبا في قضيّة النّزوح

في دراسة أعدّتها وزارة الدّاخليّة الفرنسيّة حول كلفة النّازحين غير الشرعيين في فرنسا الذين بلغ عددهم 238 ألفًا في العام 2023، بلغت 1.8 مليار يورو، أي أنّ كلفة اللاجئ غير القانوني الواحد تبلغ 7500 يورو. وفي حال مطابقة هذه الدّراسة الفرنسيّة الموثوقة مع الحالة اللبنانية للنزوح السوري يتبيّن أنّ الحدّ الأدنى للجوء السوري يبلغ مليون ونصف لاجئ. وفي حال احتساب كلفة اللجوء في لبنان كما تحتسبها فرنسا (الأوروبيّة) عندها يبلغ الرّقم 11 مليار و250 مليون يورو سنويًّا. ما يعني أنّ هذه الكلفة الأوروبيّة لاحتواء مليون ونصف مليون لاجئ سوري في حال لجوئهم إلى أوروبا. فيما الكلفة التي تعرَض اليوم من قبل الأوروبيّين على لبنان هي 250 مليون يورو سنويًّا. أي أنّ أوروبّا نجحت بتوفير 11 مليار يورو سنويًّا مقابل ترك اللاجئين في لبنان. وبذلك يمكننا القول إن لبنان بأزمته الاقتصاديّة هو نفسه الذي منح أوروبا 11 مليار يورو سنويًّا. فهل هذه الهبة هي مقابل حماية بعض الساسة اللبنانيّين من العقوبات التي تلوح في الأفق، وحماية لأرصدتهم في المصارف الأوروبيّة؟

 

لَهَثُ السلطة اللبنانيّة وخضوعها

في المقاربة السياسيّة – السياديّة لهذه القضيّة الوجوديّة لا يمكن إغفال أنّ ما نعيشه من خضوع السلطة السياسيّة لأهواء المجتمع الدّولي والنّظام السوري ما هو إلّا نتيجة للاحتلال السيادي الذي نجحت منظمة “الحزب” وحلفاؤها بتكريسه بعد انقلاب السابع من أيّار  2008. ولأنّ لبنان السلطة لا يمارس سيادته تفاقمت أزمة النّزوح حتّى وصلت إلى ما وصلت إليه. فلو أنّ هذه الحكومة اليوم مقصّرة أو لا تجرؤ على ممارسة قدرتها السياديّة – السياسيّة فهذا لا يعني أنّها غير مسؤولة أمام النّاس والتّاريخ. ولعلّ هذا ما دفع إلى تمادي مندوب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واعتباره أنّ الحكومة اللبنانيّة هي غير سياديّة. زد على ذلك أنّ وزير الخارجيّة اللبنانيّة لم يحرّك ساكنًا إزاء ذلك. وهذا ما يثبّت نظريّة تواطؤ هذه السلطة مع الواقع الذي يحاول فرضه كلّ من النّظام السوري وحلفائه والمجتمع الدّولي على اللبنانيّين كلّهم.

باختصار، المطلوب: ترحيل النازحين غير الشرعيين، إنفاذًا للدستور والسيادة. لبنان ليس للبيع أو للاستثمار أو للإيجار بانتظار التسوية السياسية المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 الذي يهدف إلى التوصّل إلى تسوية سياسيّة في سوريا بعد 18 شهرًا من صدوره في 18 كانون الأول 2015.

 

توصيتان مرتبطتان بمشروعَين سياسيّين متناقضَين

أمّا بالنسبة إلى جلسة المساءلة التي عقدها البرلمان اللبناني في 15 أيّار بعدما تمّ فتح أبوابه غبّ الطلب، حيث تمّ إصدار توصيتين: الأولى، اتفقت عليها مجموعة كتل، والثانية قدمها تكتل الجمهورية القوية. الفارق بينهما أنّ تسوية الكتل جاءت خالية من أيّ خطّة عمليّة، فيما توصية تكتّل الجمهوريّة القويّة واضحة وتحث الحكومة على استكمال ما بدأته انطلاقًا من أنّ كل وجود غير شرعي يجب إخراجه من لبنان. ولا هم إذا ما اعترض الاتحاد الأوروبي أو الحكومة السورية على ذلك، فلبنان اتخذ قرارًا سياديًّا، وعلى الحكومة أن تمضي في إجراءاتها.

كما أعطت هذه التوصية جرعة إضافيّة للمجلس النيابي حيث أصرّت على أن يمضي الى المزيد من دعم الحكومة وتحفيزها وتشجيعها في هذا المسار. فيما بدا واضحًا الانقسام العموديّ بين المشروعَين السياسيّين في البرلمان اللبناني. هذا الفارق الذي غالبًا ما يتجلّى عند أيّ استحقاق سياسيّ. ففريق إيران في لبنان يريد تكريس احتلاله السيادي أكثر، وذلك عبر استخدام ورقة النّزوح من البوّابة اللبنانيّة، لفكّ العزلة عن نظام الأسد. وذلك عبر مقايضة المجتمع الدّولي بقضيّة النّزوح مع عقوبات قيصر. ولو على حساب وجودية الدّولة اللبنانيّة.

يبقى أن إعادة نزوح وطن إلى وطن يبدأ بممارسة السيادة من قبل الوطن المنزوح إليه عبر تطبيق القوانين ذات البعد السيادي. لكن لنكن منطقيّين وبراغماتيّين، الواقع السلطوي لا يبشّر بوجود نوايا حسنة لذلك. من هنا، إن لم نُرِدْ ما يكون في موضوع النّزوح أوّلًا، وبالطبع لا نريده، فسيكون لنا ما نريد، وعلى امتداد الـ10452 كلم2. وكما صنعنا واقعنا في كيان يشبهنا، لنعيش فيه حرّيّاتنا وقناعاتنا في الماضي القريب والبعيد، هكذا سنفعل اليوم أيضًا مع كلّ مَن يعتبر نفسه في صلب هذه الكيانيّة التي نؤمن بها ونعمل لها، ليبقى لبنان وطن الحرّيّة لنا ولأولادنا وأحفادنا.

 

إقرأ أيضًا

 

“المسيرة” ـ العدد 1753

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل