أسعد سعيد: “وقت شفت الغرباء بلبنان حملت زوادتي وما سألت حدن”…

حجم الخط

أسعد سعيدأسعد سعيد ـ سمير جعجعأسعد سعيد ـ هيئة تنفيذيةأسعد سعيدأسعد سعيدأسعد سعيدأسعد سعيد

ثمة مناضلون أن تتعرّف إليهم يعني أن تضيف الى نفسك قيمة مضافة، فكيف إذا كان أسعد سعيد؟ مرت سنين قبل أن نتعرّف الى الرجل! بالنسبة لإليّ كان بمثابة “شبح”، أو لنقل كان شخصًا غير منظور ولكنه حاضر في التفاصيل كافة، وكلما كانت تدور أحاديث تاريخ “القوات اللبنانية” وحاضرها ودائرة الحكيم المقربة، يحكون بـ أسعد سعيد. ما كنت أعرفه أنه ما كان بالإمكان الدخول الى معراب من دون معرفة وموافقة أسعد سعيد! من هو الرجل “الغامض” الذي صُبغت مسيرته بدمغة لا تمحوها السنين وهي “القوات اللبنانية”؟

لماذا هو مقرّب الى هذه الدرجة من الحكيم؟ لماذا القوات لصيقة باسمه الى درجة استحالة الانفصال؟ مرّ بعض الوقت على قواتيين أمثالنا ليعلموا، أن ثمة مناضلين رموز في “القوات اللبنانية”، وأن أسعد سعيد ليس فقط أحدهم، إنما لعله من بين أبرزهم، وأنه ليس شبحًا مخيفًا بل مقاوم سخي شرس في حب الانتماء للوطن، وسجله من حروف الذهب في سجل “القوات اللبنانية”.

هي سيرة رجالات علامات صبغت المقاومة اللبنانية بحضورها ونضالها حتى اللحظة، “ما حدن ضربني على إيدي وجرني تـ انضم للعمل المقاوم، وقت شفت لبنان بخطر حملت بارودتي واخترت طريقي” يقول أسعد سعيد، أبو جان مارك.

ابن حيطورة قضاء جزين، ووالد جيسيكا وفانيسا وجان مارك، لم يكن يعرف ما يخبئ له الدرب حين اشترى يومًا بارودة من فلسطيني وحملها بوجهه لاحقًا، لكن ما كان متأكدًا منه وهو المراهق الساكن منطقة فرن الشباك، بأنه كان يجب التدخل من أهل البلد كي لا يتحول لبنان الى فلسطين بديلة، “انضممت للعمل الحزبي العام 1975 بقسم الكتائب بفرن الشباك، لكن العمل المقاوم بدأ قبل سنوات عندما بدأت تندلع الاشتباكات من حين لآخر بين فصائل فلسطينية مدعومة من بعض القوى الداخلية، والجيش اللبناني، وبدأت التظاهرات والمواجهات، فالتحقت بقسم الكتائب في فرن الشباك، بمعنى آخر، دخلت المقاومة عندما انتهيت من الترمينال، ثم التحقنا بالتجنيد الإجباري لمدة سنة، ولما اندلعت أحداث 13 نيسان تحديدًا، ورأيت ما يتم ارتكابه من أعمال تخريب بحق لبنان، حملت بارودتي التي كنت اشتريتها من أحد الفلسطينيين وذهبت الى بيت الكتائب الأقرب لبيتنا في فرن الشباك، وطلبت أن أقاتل بصفوفهم، فرحبوا بي مع بارودتي” يقول سعيد.

ما إن انضم المراهق ذو القلب الشجاع الى صفوف المقاومة، حتى اندلعت معارك قوية في منطقة الطبية والستاد دو شايللا، وهناك بدأ سعيد يتعرّف الى مقاومين مثله صاروا لاحقًا رفاق درب ومسؤولين في المقاومة المسيحية.

لم يكن بالإمكان التغاضي عما كان يفعله الغرباء بلبنان، حاول أسعد سعيد مع رفاقه أن يكونوا مثل غالبية المواطنين اللبنانيين آنذاك، لا حول لهم ولا قوة، ولكن ما استطاع، ندهت عليه تلك الندّاهة الملحّة ليكون مع شباب لبنان ملح الأرض وعبق كرامتها، “بيتنا وأرضنا وأهلنا كانوا بخطر ومن كانوا حولنا كانوا يريدون أخذ لبنان الى حيث هم يريدون، فما كان ممكنًا أن نغض النظر فتحولنا الى مقاومة” يقول.

شارك في معارك الشرف كافة، بدءًا من جبهة عين الرمانة الكحالة الأسواق تل الزعتر الكرنتينا المونتفيردي، وصولًا الى شكا وقنات ومنطقة عيون السيمان، حيث شكّل الشباب قوة مساندة لجبهة زحلة “وبقيت في المواجهات في كل المراحل وحتى آخرها”، يقول خرّيج الجبهات قبل الجامعة كما كثر كثر من شباب لبنان الأبطال، الذين اختاروا الدرب الصعب كي لا تتوه عن لبنان دروب الحرية.

لما انضم الى مجموعة المجلس الحربي كان انهى المرحلة الثانوية، ودخل الجامعة اليسوعية، “كنت أحضر الجامعة بالنهار وارجع ع المجلس الحربي وكأني راجع ع بيتي، وهناك كانت تقام التدريبات والنشاطات الحزبية وتدرجت بالمراكز الى أن أصبحت نائب رئيس الأركان مع الشيخ بشير، ثم أكملت مع فؤاد ابي ناضر ولاحقًا مع الحكيم”، يخبر سعيد بعضًا من سيرته العسكرية والحزبية الحافلة، وكأنه يحكي حكاية حب لها بداية واضحة ولكن لا نهاية لها الا في بيرق حرية وسيادة يرفرف فوق أرض لبنان “وهيك بتتوّج مسيرة مقاومتنا ونضالنا الطويل لأجل لبنان، وهيدي بتكون مكافأتنا الحقيقية بوطن حقيقي” يقول.

كما كل شباب لبنان، عندما انتهت المواجهات العسكرية المباشرة، تمكّن المناضل الطموح من إنهاء تخصصه الجامعي في إدارة أعمال بناء المعامل والمؤسسات، ومن ثم لبى نداء القلب وتزوج، ثم التحق بالجبهة من جديد عام 1981، وانضم الى رفاقه المقاومين الذين ما زالوا حتى اللحظة يكنون له مودة خاصة واحترامًا كبيرًا “وجودي الدائم مع الرفاق في المجلس وأيضًا بالحياة المدنية، جعلهم يشعرون إني قريب منهم في كل تفاصيل حياتهم، لذلك وثقوا بي” يقول.

لمّا انتهت المواجهات العسكرية، كان على المقاومين العودة الى حياتهم الطبيعية والاندماج في المجتمع، منهم من صعبت عليهم هذه المهمة ومنهم من تأقلم بسرعة “اخترت عملا قريبًا الى هوايتي الأصلية، وهي حب الطبيعة، لذلك ما كان صعبًا علي التاقلم السريع، طوعت حبي للطبيعة والمغامرة لأنجز من خلالها عملًا أعيش منه، إضافة الى العمل بتخصصي الجامعي، منذ العام 1992، بدأنا كمقاومين التفكير ببناء حياتنا الخاصة، بعدما مرت علينا ويلات وصعوبات لا يمكن أن يستوعبها أحد الا نحن من عشنا تلك الأهوال في المواجهات والاضطهادات التي لحقت بنا في زمن الاحتلال السوري تحديدًا، كنا نعرف أن ما فعلناه لأجل الوطن هو عمل إيمان وقناعة، علمًا أن بعض الرفاق كان يتساءل أحيانًا هل فعلنا الصواب؟ بالنسبة الي لو لم نفعل ذلك لكان ضاع لبنان، وكثر من غير أحزاب يعرفون هذه الحقيقة ويقولون لنا الآن لو ما تعملوا هيك كان راح لبنان” يقول سعيد بفخر واعتزاز كبيرين.

اذنًا هو ليس نادمًا على انخراطه بصفوف المقاومة “أبدًا أبدًا، دخلت بقناعة راسخة لأني كنت أرى التحرك الفلسطيني كيف كان يحاول الهيمنة على لبنان، دخلت بمليء إرادتي، وياما كنت أحيانًا ارجع عالبيت تعبان وبدي نام، فتوقظني والدتي وتقول لي “قوم الشباب بحاجة الك على المتراس”، وعندما أطلب منها أن تتركني أرتاح قليلًا، كانت ترفض وتصرخ “طلاع نام عندن بالثكنة عالقليلة إذا احتاجوك بتكون حدن”، ما فعلته ورفاقي هو الصح بالنسبة إليّ ولا أعيش أي لحظة ندم” يقول.

لماذا ارتبط اسم أسعد سعيد بالحكيم الى هذه الدرجة؟ يضحك… “آه هيك بيحكوا علينا؟ علاقتي بالحكيم بدأت أواخر الـ 75 لما شاركنا بالهجوم على شكا وتحرير منطقة الشمال، كان هو مع القوة النازلة من بشري، وتشاركنا بمواجهات متعددة في الشمال، ثم لما أنشأ ثكنة لبنان الجديد في الكورة، طلعت المجموعة إياها ودربنا الشباب على القتال، وتثبتت العلاقة أكتر لما أنشأنا التدريب الإجباري لطلاب الشمال، وكنت ممن شاركوا بالتدريبات للطلاب الاحتياط في جبيل ونجح المشروع وتبناه الشيخ بشير، وبقيت مع الحكيم لتدريب المجموعات في أمز والمجلس الحربي وما شابه، وتطورت العلاقة الى حين حصول الانتفاضة الأولى في 12 آذار، يومها تركت العمل العسكري لأن الانتفاضة حصلت على المجموعة التي كنت فيها، لكن ما حصل بعد الانتفاضة أن الحكيم اتصل بي وطلب أن نكون معًا من جديد وأن أستلم عملي في الحزب، اذًا العلاقة الشخصية بيننا فرضت نفسها وكانت أساسية، وعدنا الى العمل الحزبي وطورناه أكثر وأكثر ولا نزال حتى اللحظة”.

هل يتفقان في كل شيء أم هي علاقة قائد حزب ومحازب؟

“العلاقة الحزبية منيحة كتير لأننا متفقين في كل شيء، والعلاقة على الصعيد الشخصي أيضًا جيدة جدًا، إذ هو عراب ابنتي، تجمعنا علاقات عائلية، تشاركنا بكل شيء في العمل الحزبي والعسكري وأيضًا العائلي. نحن نفهم على بعض من دون حاجة أحيانًا للشرح والكلام، نحن متقاربان جدًا في الأفكار وأسلوب العمل” يقول.

من العمل المقاوم تحول نائب رئيس الأركان السابق، الى عضو الهيئة التنفيذية في “القوات اللبنانية” الذي ترشّح للمنصب عن منطقة الجنوب وفاز بنسبة أصوات عالية، ترجم رفاقه احترامهم وتقديرهم لمسيرته النضالية بأن انتدبوه ليكون من ضمن الهيئة التنفيذية في القوات، لأنهم يعلمون أن أشخاصًا من هذا الطراز العالي في الشجاعة والوفاء هم وسام على صدر العمل الحزبي الحقيقي، من ضمن حزب هو الأعرق على الاطلاق في مسيرة الأحزاب المقاومة في تاريخ الوطن. “لكل فترة نضالها، لما احتجنا البدلة العسكرية والبارودة فعلناها، ولما احتاج الوطن الى العمل السلمي الديمقراطي ها نحن في صلب النضال والمواجهة، نحن لا نهدأ الا حين تهدأ عواصف لبنان وهيدي رسالتنا” يقول.

أما لرفاق الدرب فرسالة المناضل الكبير يختصرها بسطور كلها عبق التقدير والفخر بشباب صبغوا مسيرتهم بالتضحية حتى الاستشهاد أحيانًا، “أقول للرفاق إن المشوار طويل ولازم أجيال تسلم أجيال فعلًا، نحنا كملنا عن غيرنا وآخرون سيكملون عنا، لا تيأسوا مهما كانت الأيام صعبة، لبنان يحتاج الى تضحيات كبيرة الى درجة الاستشهاد. لا تتخاذلوا مهما كانت الطريق صعبة لأن مصير لبنان على المحك وكي لا تضيع تضحيات شبابنا في الهباء”.

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل