7 أيار 2005 ـ 7 أيار 2008 التاريخ يُعيد نفسه.. “عون راجع” على سكة “الصفقة ـ الطعنة”
لم يُعِر اللبنانيون عمومًا والمسيحيون خصوصًا انتباههم لما كان يُحاك بين بيروت ودمشق وحارة حريك من جهة والمنفى الباريسي للجنرال ميشال عون قبل عودته والتي أطلق عليها مناصروه “عودة الوطن الى الوطن”، ولم ينتبه المعنيون إلا متأخرين الى أن مواقف “التيار الوطني الحر” ومؤسسه ورئيسه الحالية والمجافية والمخالفة والمختلفة عن السابقة كانت قائمة على اتفاق مسبق مع سلطات الاحتلال السوري عمل عليه رجالات تلك المرحلة في النظام الأمني السوري اللبناني وطبعًا بمشاركة ومباركة من الوريث الحالي للوصاية أعني به “الحزب”.
قد يكون الصحافي الشهيد جبران تويني أول المُنْتَبِهين المُتَنَبِّهين المُنَبّهين لـ”الطعنة” التي تعرّض لها اللبنانيون عمومًا والمسيحيون خصوصًا والعونيون بشكل أخص، على يد “بطل التحرير من الاحتلال السوري” ومطلق شعار “التحرّر من سطوة سلاح الميليشيات” وضرورة حلّها جميعًا، إذ أماط الشهيد تويني اللثام عن بعض ما كان يُحَضَّر في الخفاء وعلى غفلة من الأقربين قبل الأبعدين في افتتاحية صحيفة “النهار” الصادرة بتاريخ 30 آب 2001 تحت عنوان “طعنة جنرال”، إذ ورد فيها: “لم تعد تعيش الواقع بعدما توقفت عقارب ساعتك في العام 1989 ولن أقول 1990، أو آخرها عند طلب موعد مع اللواء الركن غازي كنعان وعلى غير علم الذين كانوا من حولك، أو ساعة توقيعك اتفاقات مع السفير الفرنسي حول الطائف وأيضاً من دون علم الذين كانوا من حولك! من دون أن نذكر المفاوضات السرية التي كنت تجريها مع “دولة الطائف” من أجل العودة الى لبنان”.
لاحقاً، شرح الأستاذ كريم بقرادوني في كتابه “صدمة وصمود”، صفقة عودة عون الى الوطن عبر من أسقطه في العام 1990، وفي متن الورقة التي قدمها لعون ووافق عليها: “يسهر رئيس الجمهورية بالتفاهم مع دمشق على إقفال كل الملفات والدعاوى القضائية المقامة ضد الجنرال عون ورفيقيه عصام أبو جمرا وإدغار معلوف، وتسديد التعويضات المستحقة لهم، وتسوية سلاح “الحزب” بالحوار معه ومن دون اللجوء إلى استخدام القوة، والتأكيد على ضرورة تحسين العلاقات اللبنانية ـ السورية المميزة”.
“في 8 نيسان 2005، نقل لحود الابن تحيات والده إلى عون. يروي بقرادوني، “دخلنا على عون في الوقت المحدد. بادره إميل إميل لحود بالقول، بيسلّم عليك الوالد”. هزّ عون رأسه ولم يقل شيئاً (…) شرح لحود الابن لعون تفاصيل المبادرة والخطوات التي تمت تسهيلاً لعودته، ونقل إليه حرص والده على أمنه وسلامته، واقترح عليه أن يختار مجموعة من الضباط والجنود الذين يرتاح لفصلهم على سبيل الحماية”.
وعلى الرغم من التصاريح النارية التي واظب العماد ميشال عون على إطلاقها ضد “الحزب” وسلاحه من منفاه في فرنسا ومن أمام الكونغرس ومجلس النواب الأميركي وحتى عودته الى الوطن مظفرًا في 7 أيار 2005، فإن الحقيقة العارية وراء تلك التصاريح لم تتكشّف فقط بـ”الصفقة – الطعنة” الآنفة الذكر، بل أيضًا بما كُشف على لسان النائب السابق في كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) نواف الموسوي إذ قال لتلفزيون “أو تي في” في 24 تموز 2018: “ليس مفاجأة إن أفصحت أنّ تواصلنا مع العماد عون لم ينقطع منذ العام 1989″، ليعود ويؤكد على هذا التواصل «غير المنقطع” في 21 نيسان 2024 لتلفزيون “الجديد”، مضيفا أنه «كان مكلّفاً رسميًا من الحزب منذ 1989 بالتنسيق مع ميشال عون، وأنه بعد عملية “13 تشرين” قام بالتواصل مع “جماعة عون” محاولاً تغطيتهم”.
إن كل ما سبق ذكره موثّقاً ما هو إلا التفسير المنطقي لما قام به ميشال عون وتياره لاحقاً منذ عودته حتى كتابة هذه السطور، وما هو إلا تنفيذاً لما اتفق عليه وانسجامًا مع العلاقات التي لم تنقطع.
لأن 7 أيار 2005 يذكّر بـ7 أيار 2008 اعتبر العائد في الـ2005 أن غزوة الحزب لبيروت والجبل – في الذكرى السنوية الثالثة لعودته – هي من قبيل “وضع القطار على السكة الصحيحة”، ليلاقيه أمين عام الحزب في الذكرى السنوية الأولى للغزوة والذكرى الرابعة للعودة معتبرًا يوم 7 أيار “يومًا مجيدًا من أيام المقاومة”، وليكشف عن غاية “الغزوة المجيدة” الوزير السابق سليمان فرنجية للمؤسسة اللبنانية للإرسال في تاريخ 17 كانون الأول 2015 بقوله: “الدوحة تطلّبت 7 أيار وليس العكس، وعندما أُخذ القرار في الدوحة كانت تحتاج لشيء “يدوِّرُها” فتطلّبت 7 أيار…”.
تكريسا لبنود “صفقة العودة” و”وفاء” للعلاقة التي لم تنقطع، وُضعَ التيار وكل تاريخه وما ومن يمثل على “سكة” وفي ركاب “الحزب” وفي خدمة مشاريعه ووفقاً لرغباته ورغبات الولي الفقيه في إيران، وقد عبّر العماد ميشال عون في 29 كانون الثاني من العام 2016 عن هذا المدى في العلاقة غير المتوازنة والندّية بقوله: “أنا والسيد واحد وهناك تكامل وجودي بيننا”. وقد عبّر وليد جنبلاط المنقلب على مواقفه ونفسه عن حاله وحال ميشال عون بقوله في 28 أيلول 2011: “ماذا أفعل إذا كان المسدس مصوّبًا الى رأسي”.
لقد لعب الترغيب بالمناصب والمكاسب بالتيار العوني بمثل ما لعب الترهيب مع وليد بك جنبلاط تغييرًا في ما أعلن سابقاً من مواقف وانقلابًا على ما ادّعي من مبادئ ونزاهة ومصداقية .
بعد ما وصلت إليه البلاد نتيجة “العودة” على “وقع وإيقاع الغزوة”، وبعد ما وصل إليه التيار العوني بعد ست سنوات من الحكم لم يجن منه اللبنانيون والمسيحيون والعونيون إلا الخسائر والخيبات والإنهيارات مقابل حفنة من المكاسب والتعيينات لطغمة صغيرة وقليلة من المحظيين العونيين، لا يسعنا إلا أن نكرر مع الكتاب المقدس ومن إنجيل متى قول السيد المسيح: “مَاذَا يَنْتَفِعُ لْإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ لْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟”
“المسيرة” ـ العدد 1753
للإشتراك في “المسيرة” Online:
http://www.almassira.com/subscription/signup/index
from Australia: 0415311113 or: [email protected]