لو تبعت “مرتا” نصيحة ميشال عون في الحوار مع “الحزب”

حجم الخط

طاولة الحوار

طبعًا لا يُخفى على أحد ممن يتمتع بالذاكرة القصيرة حتى ما كان مدرجًا على الثلاث والثلاثين جلسة من الحوار الممتدة  من الثاني من آذار 2006 وحتى السادس والعشرين من حزيران 2012 والذاكرة تعود مؤكدة موثقة، أن الجوهري من المواضيع التي أدرجت كبنود على طاولات البحث والنقاش والحوار بُتّ الكثير منها  بإجماع وتوقيع المشاركين، ولم تكن المواضيع “المبتوتة” بحاجة إلا الى وضعها مواضع التنفيذ، كما يتذكر الجميع أنه لم يتبقّ للبحث والنقاش والحوار  الا موضوع “مطلوب” واحد أساس معلق ما زال يحتاج الى قرار من معلّقيه المعنيين هو سلاح “الحزب” أو ما أطلق عليه تلطيفًا “الاستراتيجية الدفاعية”.

بالانتقال الى ما اتفق ووقع عليه واتخذ القرار بشأنه كنموذج عن ما جُرّب من التزامات وضمانات عما يمكن أن تنتج طاولات الحوار،  نبدأ من أول يوم لانطلاق الحوار، أي 2 آذار 2006، عندما “أنهى مؤتمر الحوار الوطني يومه الأوّل بإنجاز البند الأوّل المطروح على جدول الأعمال” أي الحقيقة ومتفرعّاتها في أجواء وصفها رئيس المجلس النيابيّ نبيه برّي الذي فوّض إليه المتحاورون إدارة جلساتهم، بأنّها “جدّية وإيجابيّة وبمنتهى الصراحة والوضوح وفي مناخ حوار عميق”.

وعلى ما علّق احد المشاركين: “بالفعل، تجلّت المناخات الإيجابيّة بالإجماع على أن تتابع الحكومة كلّ القرارات المتعلّقة بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، أي متابعة التحقيق الدولي وإنشاء المحكمة ذات الطابع الدوليّ وتوسيع مهام لجنة التحقيق الدوليّة لتشمل المساعدة في كشف حقيقة سائر الجرائم الأخرى، وواقع الأمر، أن الإجماع حول “الحقيقة” لم يكن مفاجئاً، ولم يكن متوقعًا في الأصل، أن يستغرق هذا البند وقتًا طويلًا”.

هذا الإجماع على المحكمة خرقته في 11 تشرين الثاني 2006 استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة على خلفية قيام المحكمة الدولية… وما تبعها من تشكيك وتخوين وعرقلة للتحقيق المحلي والدولي ولاحقًا للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري وقراراتها  وأحكامها…

وكنموذج ثاني في جلسة الحوار في 14 آذار 2006 :”أجمع المتحاورون واستنادًا الى مرجعيّة وثيقة الوفاق الوطني على “إنهاء السلاح الفلسطيني خارج المخيّمات في مهلة ستّة أشهر وفقًا لقرار الحكومة وعلى معالجة قضية السلاح داخل المخيّمات، ودعم جهود الحكومة للتوصّل الى ذلك من طريق الحوار”.

وطبعًا لم يكن ما جرّب من خرق للإجماع وللالتزامات والضمانات في التحقيق الدولي والمحكمة الدولية بمختلف عن الالتزام بإنهاء السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ومعالجته داخلها، من وقتها حتى اليوم، مع انخراط السلاح الفلسطيني خارج المخيمات منذ 8 تشرين الأول 2023 في معركة الإسناد من الجنوب اللبناني ومن خارج المخيمات، تحت رعاية الحزب.  ففي 7 نيسان 2006، اتهّم أحمد جبريل رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة “بوضع الألغام في طريق الحوار القائم مع رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري حول وضع الفلسطينيين في لبنان”، كما اتهم رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط بمحاولة نسف هذا الحوار وأخذ على الحكومة اللبنانية تعاملها مع الرئيس محمود عباس “الذي لن يفيد بشيء”، تصريح جبريل أتى إثر زيارة للأمين العام لـ”الحزب”.

في 17 أيار 2006 وردت معلومات عن استقدام مسلحين من جماعة “حركة فتح الانتفاضة” من داخل سوريا مع أسلحة ثقيلة وقيام عناصر  من هذه الجماعة باعتداء مسلّح على الجيش اللبناني، استشهد في خلاله العريف مصطفى مثلج متأثرًا بجروحه وذلك  في منطقة عيتا الفخار- ينطا، انطلاقًا من مركز ثابت للجماعة خارج المخيمات.

في 28 أيار 2006، قال وليد جنبلاط: “إن كلام جبريل عن التنسيق العملاني مع الحزب يعني أن موافقة الحزب على سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات تخلو من الصدقية”، وفي 1 حزيران من العام ذاته، أشار المسؤول في “الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة” أنور رجا، الى أنه “يجب أن يلحظ موضوع السلاح الفلسطيني في إطار الدفاع عن أمننا المشترك وفي أطار الخطة الاستراتيجية لأمن لبنان”.

بعد أقل من سنة،اعتبر نصرالله في 25 أيار 2007، أن معالجة موضوع فتح الاسلام يجب أن تكون سياسية ـ أمنية ـ قضائية نظرًا الى وجود مدنيين فلسطينيين في المخيم، وحذّر من أن دخول الجيش نهر البارد خطّ أحمر”، ليلاقيه أحمد جبريل في 11 كانون الثاني 2011، بالقول: “إن مطالبة الرئيس سعد الحريري بإنهاء السلاح الفلسطيني تمثل هدفًا أميركيًا إسرائيليًا”، وأكمل جبريل في 3 تموز 2012، “أن الجبهة الشعبية والحزب وإيران سيدعمون النظام السوري ونحن جزء من هذه المعركة وأن الجبهة والحزب والنظامين السوري والإيراني في محور واحد”.

النموذج الثالث المعلّق هو في مقاربة بند “الاستراتيجية الدفاعية” في جلسات الحوار 2006 – 2009 و2012، ففي 6 شباط 2006، وقبل شهر من الحوار، خرجت الى العلن ورقة التفاهم بين “الحزب” و”التيار الوطني الحر” التي ذكرت في بندها العاشر أن “سلاح الحزب وسيلة مقدّسة”!

بعد أشهر من طاولة الحوار، وتحديدًا في 12أيلول 2006 أكد النائب علي عمار أن سلاح الحزب “مثل القرآن والإنجيل” وهو “باق باق باق”. وقال ردًا على من يدعون الى تسليم هذا السلاح للدولة: “ليس أمامكم إلا أحذية أطفال قانا للتفاوض على السلاح”.

في 3 آب 2007، قبل أقل من عام على 7 آيار، أعلن نصرالله التالي: “سلاح المقاومة لن يستخدم في الداخل”، وغطّاه مجددًا في 16 كانون الأول 2009 العماد ميشال عون الذي أعلن أن “سلاح الحزب باق الى حين عودة الفلسطينيين من لبنان لأراضيهم”.

تأكيد اللغة ذاتها ذكّر بها نائب الأمين العام لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم في 8 آذار 2010، إذ قال: “لا يوجد نقاش على طاولة الحوار اسمه السلاح، فالسلاح نتيجة للاستراتيجية الدفاعية وليس هو الأصل”، ليشدد ما كان تم التشديد عليه مرارًا وتكرارًا في 23 أيار 2012، أن “سلاح المقاومة باق ما دامت إسرائيل موجودة”. وفي 18 تموز 2012 أوضح مسؤول منطقة البقاع في “الحزب” محمد ياغي، أنه “عندما نقول إننا لن نلقي السلاح ذلك لأن لدينا هدف استراتيجي وهو تحرير الأرض”. (لم يحدد أي أرض!!).

تكرار اللازمة تولاها هذه المرة النائب نوّار الساحلي في 21 تشرين الثاني 2012 داعيًا هؤلاء الى “أن يكفوا عن الكلام عن المقاومة وسلاحها لأن هذا الموضوع أكبر منهم ولن ينتهي معهم وهو باقٍ طالما أن هناك احتلال وطالما أن هناك دولة اسمها اسرائيل”.

ومن الالتزامات ما تعهده نصرالله في جلسة 29 حزيران 2006 التي سبقت حرب تموز، إذ ذكرت المعلومات في صحف اليوم التالي على “إجماع المتحاورين على إنجاح الموسم السياحي والتركيز على هموم الناس والشأن الاقتصادي وعلى بذل الجهود لتحقيق تهدئة على المستويات كافة في الفترة المقبلة”.

ومن سلسلة الانقلابات على الاتفاقات والدساتير والقوانين، نتوقف اليوم عند ما قاله نصرالله في31 أيار 2024: “إما نعود الى العدّ وإلا كلّ واحد يعرف حجمو”، وذلك في ظل دعواته ودعوات تؤامه رئيس حركة “أمل” نبيه بري للتوافق والاتفاق والحوار، تمامًا كما فعل بعد دعوة الرئيس السابق ميشال سليمان للحوار في 11 حزيران 2011، إذ دعا الى “تعديل وظيفة الحوار الأساسية، أي بحث سلاح الحزب  واستبداله باقتراح إقامة مؤتمر تأسيسي وطني للبحث في الدستور اللبناني… مؤتمر تأسيس وطني معين أو منتخب، يناقش كيف نبني دولة”، كما دعا الى “الدولة العادلة والفاعلة  ودراسة نموذج الدولة الإسلامية الإيرانية التي جمعت بين الأصالة والحداثة”.

وكان  رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد قد قال في هذا الإطار وخارج الحوار في 17 تموز 2012 “إننا لا نريد الآن إستراتيجية وطنية للدفاع، فنحن ما زلنا في مرحلة التحرير، وأمامنا الوقت الكثير للحديث عن الإستراتيجية الدفاعية بعد التحرير”… وطبعًا الكل يتذكّر كيف “لحس” الحزب توقيعه على مقررات إعلان بعبدا بلسان محمد رعد نفسه في 14 آب 2013: “إعلان بعبدا ولد ميتًا ولم يبقَ منه الا الحبر على الورق”، كما انقلب على “النأي بالنفس” بانخراطه في حروب المنطقة من سوريا مرورًا بالعراق واليمن والسعودية وصولًا الى غزة…

للأسف لم يتعلّم الأقربون قبل الأبعدين من تجاربهم السابقة غير البعيدة في الحوار غير الجدي وغير المجدي مع الفريق “القوي” بسلاحه، ليقعوا اليوم في فخ ما يسمّى “الحوار لانتخاب رئيس للجمهورية”.  البعض يروّج عن حسن نية لهذا الحوار، في حين أن المطلوب هو واحد على ما قاله رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، بضرورة “الذهاب الى المجلس النيابي وانتخاب رئيس ضمن الآلية الديمقراطية الدستورية القانونية المعروفة بعكس “مؤسسة الحوار المفترضة المفروض رئيسها” لتشكل عرفًا من الأعراف غير المألوفة”.

يبقى أن علة علل “المطلوب الواحد” الذي لم تنتهجه “مرتا” الكتاب المقدس حسنة النية، وطبعًا لن تنتهجه مرتا الرياء أي مرتا الممانعة المتمثلة برئيس المجلس النيابي، هي في ما عبّر عنه  الرئيس السابق ميشال عون   في 5 نيسان 2003 بقوله: “أنا لا أستطيع أن أحاوره وهو يحمل البندقية. فليضع البندقية جانبًا عندها أتحاور معه”.

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل