“الحزب” يحارب الفدرالية بتثبيت “كانتونه” وتوسيعه

حجم الخط

الحزب والفدرالية

لم تكن “الثوابت” يومًا ولن تكون في أي يوم من الأيام، بحاجة الى أدلة وبراهين وإثباتات، الا أن “الحزب” ومسؤوليه دأبوا منذ النشأة وحتى اليوم، على تزويد شركائهم في الوطن الذين يخالفونهم الرأي أو يوافقونهم، بمحاضر موثقة بالصوت والصورة مؤَيَّدة بالوقائع وبالقانون بالشكل وبالجوهر، على عناصر الإدانة نفسها التي يتّهمون بها خصومهم في الرأي وفي السياسة، من الشركاء ـ الذين يصرّون أن يعتبرونهم أعداء عملاء كفارًا تدميريين، على ما خلص أخيرًا نائبهم الحاج محمد رعد.

ليس المجال ولا الهدف من البحث هو تعداد وترداد كل ما يتعلق بتاريخ “الحزب” وأدائه وممارساته وخلاصاته ووثائقه، لتأكيد المؤكد على ما نقول، إلا أننا اليوم وأمام استفحال محاولات اغتصاب الأفكار واحتكار واحتلال “الحقيقة” ومحاولة توسيع “خصوصيات وثقافة وعقيدة غيتو” الحزب الخاصة على بقية مساحة لبنان، المتميز بثقافاته وحضاراته وانفتاحه على العالم وحضاراته وثقافاته، مصدّرًا ومستوردًا ومتبادلًا… نجد أنفسنا على قاعدة “مرغم أخاك لا بطل”، أن نضيء على ما يحاول “الحزب” وجوقته “التعتيم” عليه والتعميم فيه.

نبدأ من التهمة المردودة المرتدة على “الحزب” التي يرفعها خاصة بوجه “المسيحيين” وهي “التقسيم”، وذلك بسبب مطالبتهم المشروعة بدولة واحدة ذات لا مركزية واسعة إدارية تنموية مجتمعية وحتى سياسية، متهمًا شركائه بالعمالة والتماهي مع الدولة العدوة، في حين أن ممارسات “الحزب” الفعلية على الأرض وتصاريح قادته في العلن وعلى الملأ، تشي بسيطرة أحادية شمولية، تبدأ من احتفاظه بمناطق نفوذ يمارس فيها سياساته الاقتصادية والتربوية والثقافية والدينية المذهبية والأمنية والقضائية، ولا تنتهي باغتصاب قرار الدولة بالحرب والسلم بما رتّب ويرتّب على اللبنانيين جميعًا مصائب وكوارث وخسائر لا طائل لهم على تحملها، أو مسؤولية عليهم دفع ثمنها.

خير إثبات على “ثابتة” إدانة “الحزب” من ما اتهم  الشركاء ـ الأعداء بها، “التقسيم” بين “مناطقنا” و”مناطقكم” أو ما يكرره مسؤولوه من دون فهمهم لمضمون “الفدرلة”،  تجلّى بوضوح بإفصاح الحاج محمد رعد، مهددًا مخونًا مصنّفًا  تاريخ 23 حزيران 2024: “إننا ندافع عن إنسانيتكم وندافع عن وطننا الذي يحتضنكم وندافع عن مناطقنا ومناطقكم وندافع ضد عدو يريد أن يفترسنا ويفترسكم، سواء تعقلتم ذلك أم لم تصلوا الى مستوى أن تتعقلوا. ونحن لا نريد منكم لا تبرعات ولا معونات ولا مساعدات إعادة إعمار، فنحن أكرم من أن نمد أيدينا الى اللئام. ونحن على يقين أننا ننتصر لله والله ناصرنا، لا تمنوا بأنكم تقبلون العيش معنا، نحن الذين نصبر عليكم، نريدكم أن ترتقوا الى مصافي الناس والشرفاء”.

وفي إطار التقسيم والتصنيف والتعميم التكفيري، أكمل رعد “إثبات” ما هو “ثابت” بقوله في 26 حزيران: “إن بعض النازقين من اللبنانيين الذين يريدون أن يرتاحوا وأن يذهبوا إلى الملاهي وإلى شواطئ البحار ويريدون أن يعيشوا حياتهم … هذه النفعية الأنانية هي التي تدمر مصالح الأوطان والمجتمعات وهي وراء هذه الجرعات والأكاذيب والتلفيقات والإشاعات التي تبتل بها وسائل التواصل الاجتماعي”، وهذا يثبت ما كان أثبته رعد نفسه بقوله مع نيته تعميم “كانتون” حزبه على كامل الأراضي اللبنانية بقوله في 13 تشرين الثاني 2013: “كان لبنان بلد الملاهي الليلية والسمسرات، وعلينا بناء لبنان الجديد بما يتناسب مع المقاومة”، مع ضرورة الإشارة هنا الى أن لبنان “الملاهي والمسابح” كان في السابق  ازدهارًا اقتصاديًا واستقطابًا استثماريًا، وهو اليوم جذبًا لدولارات السياح واللبنانيين المقيمين والمغتربين والأجانب والذي من شأنه أن يسد الفجوات الاقتصادية والمالية التي تسبب بها “لبنان المقاوم”، ناهيك عن أن “لبنان الملاهي” أو ما اصطلح رعد على تصنيفه “مناطقكم”، هو من يدفع 62% من الضرائب والرسوم للدولة اللبنانية والتي ستعوض على خسائر “مناطق” رعد، التي تسبب بها “لبنانه المقاوم”.

ولا يحيد رد فعل “الحزب” على مطالبة غالبية المسيحيين وقسم كبير من اللبنانيين بالإصرار على وجود مطار ثانٍ لتطبيق ما ورد في دستور الطائف عن اللا ـ مركزية والإنماء المتوازن، بحجة تخفي التمسك بسيطرة “الحزب” على مطار “كانتونه”، وهي أن مساحة لبنان الصغيرة لا تحتمل مطارين، في حين أن تلك الحجة ـ الذريعة، تسقط أمام تجربة قبرص ذات المساحة الأصغر والتي لا تتحجاوز 9251 كيلمترًا مربعًا وذات الثلاث مطارات دولية: لارنكا، بافوس وإركان، إضافة الى مطارات أصغر للرحلات الداخلية، مثل مطار ليفكونيكو ومطار غيتيكالي… بالمناسبة وإمعانًا بعزل “مناطقنا” و”مناطقهم” عمد “الحزب” بشخص أمينه العام بإطلالته الأخيرة، بتهديد تلك المطارات، لـ”ثوابت الحزب” الانفصالية، التي لا تمت الى الثوابت الوحدوية المركزية للدولة اللبنانية  بأي صلة.

ثابتة أخرى لا تحتاج الى إثبات هي سيطرة الثنائي المختزل بـ”الحزب” على القرار السياسي لكل من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والإفتاء الجعفري الممتاز، وعليه يكون الغياب عن اللقاء الروحي الوحدوي الإسلامي ـ المسيحي في بكركي في 25 حزيران 2024، واقعًا تحت تهمة التقسيم والتخوين المرتدة على مطلقيها كما تبيّن آنفًا، كما تكون تصاريح رئيس المجلس و”الإفتاء” واتهاماتهما انسجامًا وانسياقًا لقرار المسيطِر أعلاه.

انطلاقًا مما انتقينا من نماذج عن ادّعاء “الحزب” حيازة “الحقيقة المطلقة” ودعوة الشركاء ـ الأعداء للالتحاق قسرًا بـ”كانتون” وقوانين وثقافة “المستحوذ”  بحيث يصبح كل لبنان على صورته ومثاله ونموذجه في إيران، من الضروري إعادة “التقسيميين” الحقيقيين  الى نصائح الرئيسين المتعاقبين على المجلس الشيعي الأعلى الإمام موسى الصدر والإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين، حين كان المجلس ورئيسه لا خاضعًا ولا ملحقًا. يقول الامام موسى الصدر في 16 ايلول 1977: “لا بد من إخراج لبنان من جوّ المحاور”،  هذا الموقف أتى استكمالًا لما كان أعلنه في 2 أيلول 1977 بأن “هناك في إيران وفي لبنان من يريد أن يجعل من الطائفة الشيعية طائفة مرتبطة بإيران سياسيًا، وأنا أرفض هذا الترابط وأعتبره خلاف مصلحة طائفتي ووطني وخلاف مصلحة إيران أيضًا”… أما أفضل ردّ على المنحى التقسيمي الذي يعمل عليه “الحزب” وصرّح به محمد رعد، فجاء من خليفة الإمام الصدر في كتاب وصايا الإمام محمد مهدي شمس الدين في الصفحة 27 ـ 28: “الى عموم الشيعة في مختلف الأوطان أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم ومجتمعاتهم وفي أوطانهم… ولا يخترعوا لأنفسهم مشروعًا خاصًّا، يميّزهم عن غيرهم تحت أي ستارٍ من العناوين، من قبيل إنصافهم ورفع الظلامة عنهم، أو من قبيل كونهم أقلية من الأقلّيات لها حقوق غير تلك التي تتمتع بها سائر الأقليات ولا يجوز ولا يصحُّ أن يحاولوا ـ حتى أمام ظلمِ الأنظمة ـ أن يقوموا بأنفسِهم وحدهم وبمعزل عن قوى أقوامهم بمشاريع، خاصّة للتصحيح والتقويم، لأن هذا يعود عليهم بالضرر ولا يعود على المجتمع بأي نفع”.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل