من الصعب على اللبنانيين عامةً، أو أكثريتهم الغالبة إن لم نشأ التعميم، أن يطمئنّوا إلى خيرٍ ما يُنتجه حراك رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في الفترة الأخيرة. فليس سهلاً على اللبنانيين أن يتقبّلوا أو يقتنعوا بفكرة أن باسيل تحوّل فجأة بفعل أعجوبة ما إلى داعية للحوار والتلاقي والتفاهم وأنه يتحرك تحت سقف المصلحة الوطنية العليا، بعد سنوات من الافتراء والتجنّي والتهجُّم والقصف السياسي على غالبية الفرقاء السياسيين. من شبه المستحيل أن يصدِّق اللبنانيون أن همومهم الاقتصادية والمعيشية وخوفهم من توريط بلدهم في حرب واسعة تتسبّب بدمار وخراب ما بعدهما دمار وخراب، تشكّل هاجس باسيل الذي يحرمه النوم والذي دفعه إلى المبادرة والتحرك. هذا ليس اتهاماً أو تحاملاً، بل استناداً إلى التجارب المريرة مع باسيل طوال السنوات الماضية، خصوصاً في عهد الرئيس السابق ميشال عون وحالة الانهيار التي وصلت إليها البلاد، وبعدما تبيّن بالأدلة الملموسة الموجعة أن لا مصلحة تعلو فوق مصالح باسيل الخاصة.
مصدر مسؤول في المعارضة يرى، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أنه “لا يمكن مقاربة الحراك الذي يقوم به النائب باسيل في الفترة الأخيرة، إلا من زاوية الهواجس التي تتحكم بحركته بعد الانهيار الدراماتيكي المتمادي في وضعيته بشكل عام إثر انتهاء عهد الرئيس السابق ميشال عون”، معتبراً أن “باسيل يتحرك اليوم تحت ضغط 3 هواجس أساسية تتحكم بحركته:
ـ الهاجس الأول، تراجع وضعيته المسيحية بشكل كبير جداً. بالتالي، وفي محاولة لسدّ أو فرملة أو تطويق هذا التراجع، يرى باسيل أنه لا بد من تطويق القوات اللبنانية الآخذة في التمدد على الساحة المسيحية، فضلاً عن ساحات وطنية أخرى. لأنه بالنسبة لباسيل، “القوات” من خلال صعودها تشكل خطراً كبيراً عليه، لذلك من أجل محاولة سدّ أو فرملة تراجعه الدراماتيكي بوضعيته المسيحية، عليه أن يحاول تطويق “القوات” ويقوم بالمستحيل لتطويقها.
ـ الهاجس الثاني لدى باسيل، أن مختلف القوى السياسية لا تريد التعامل معه كحليف أو كصديق، انطلاقاً من تجربة عهد عون، وما سبق العهد بطريقة المقاربة والتعاطي. بالتالي، هذه القوى تعتبر أن هذا الرجل فاقد للصدقية ولذلك هو يحاول اليوم التعويض ومدّ الجسور لإعادة تعويم ذاته، أو إعادة إنتاج نفسه كما يقول حليف العهد وباسيل السابق نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، قبل الابتعاد والقول فيهما (ما لم يقله مالك في الخمرة). بالتالي، باسيل يريد مدَّ الجسور لإعادة ترميم علاقاته التي تصدَّعت نتيجة ممارساته وأدائه.
ـ أما الهاجس الثالث عند باسيل، فيتمثّل بإعادة إحياء علاقته مع “الحزب” من خلال إيصال رئيس للجمهورية لكن غير سليمان فرنجية، إذ يعتبر باسيل أن فرنجية يشكل خطراً كبيراً عليه في الدائرة الانتخابية الشمالية التي تضمّهما بحال وصوله إلى رئاسة الجمهورية، بل خطراً على مجمل وضعيته وتياره. بالتالي، باسيل يريد أن يقول لـ”الحزب”: أنا على كامل الاستعداد لأن أنتخب الرئيس الذي تريده، لكن غير فرنجية”.
من هنا، يؤكد المصدر ذاته، أن “باسيل يتحرك، صعوداً وهبوطاً ويميناً ويساراً، ضمن هذه الهواجس الثلاثة، لكنه يدور في حلقة مفرغة لثلاثة أسباب: الأول، أن المسيحيين فقدوا ثقتهم به، فهناك ما يشبه الصحوة لمرة واحدة لدى المسيحيين على كل تقلّبات هذا الفريق السياسي وتاريخه وأدائه وسلوكه. ثانياً، هو فاقد للصدقية على المستوى الوطني. ثالثاً، “الحزب” يتعاطى معه على القطعة، لكن بالنسبة إليه في هذه المرحلة لا يزال متمسّكاً بفرنجية. بالتالي، كل حراك باسيل لن يؤدّي إلى أي نتيجة”.