“الحزب”: “الأساس أن يبقى لبنان ساحة”

حجم الخط

لبنان ساحة

لا يكاد يمرّ يوم إلا ونسمع إعادة للّازمة البديهية في أولوية الأوطان والمواطنة على ألسنة معظم المسؤولين الرسميين والحزبيين والشخصيات من مختلف الأطياف والطوائف، برفض تحويل لبنان ساحة للصراعات الإقليمية. لا نتحدّث هنا عن القوى السيادية المعارضة والأحزاب المسيحية ذات الموقف الرافض العلني الدائم الأزلي، بل نقع على تصريح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المناط به إدارة السلطة التنفيذية مبدئيًا، الذي يقول فيه في 26 حزيران 2024: “نرفض تحويل لبنان إلى ساحة للصراعات”، كذلك ودحضًا لأي استغلال للساحة “السنية” وجرّها الى الساحات الإقليمية يقول مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان في 19 تموز 2024: “لا يجوز أن يبقى لبنان ساحة للصراعات العربية والإقليمية”.

إن ما يجري اليوم على الساحة اللبنانية وعلى ساحته الجنوبية تحديدًا، مع ما يمكن أن يجره على كل الشعب اللبناني ينطبق الى حد كبير ويُصدّق على ما عنون به الصحافي الدبلوماسي المخضرم الراحل غسان تويني في كتابه في العام 1985 “حرب من أجل الآخرين”، وما دأب على تكراره ووصفه ما جرى خلال الأزمة اللبنانية التي امتدت من العام 1975 حتى 1990 بأنها “حروب الآخرين على أرضنا”.

وبناء على ما تقدّم، نذكّر بما عبّرت عنه نماذج لبنانية كثيرة عن رفض هذا الربط، كانت أبرزها في الشعار الذي رفعه التيار الممثل للسنّة في لبنان “لبنان أولًا”، مراجعًا متراجعًا عن تجارب أولويات الوحدة العربية والانضمام الى سوريا والموجة الناصرية والثورة الفلسطينية وغيرها، منضمًا منخرطًا رياديًا في ثورة الأرز وفي الاستقلال الثاني عن الوصي وعن وحدة المسار والمصير والتي جعلت من لبنان ساحة لصراعات الآخرين. نموذج ثان تمثل بالمحاولة الصادقة التي قام بها رئيس الجمهورية الأسبق العماد ميشال سليمان، بجعل لبنان اولوية وبمنأى عن الصراعات الإقليمية وبمنعه أن يكون ساحة لحروب الآخرين، والتي تمثلت بـ”البيان” الصادر عن المتحاورين – من ضمنهم “الحزب” – في  بعبدا في 11 حزيران 2012، إذ يطالب في بنده الثاني عشر بـ”تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعيّة الدوليّة والإجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة، بما في ذلك حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم”.

وتأكيدًا على موافقة “الحزب” وتوقيعه عليه، يشير “البيان” في بنده السابع عشر الى ضرورة “اعتبار إعلان بعبدا بيانًا يلتزمه جميع الأطراف وتبلغ نسخة منه إلى جامعة الدول العربية ومنظمة الامم المتحدة”.

انطلاقًا من عقيدة “الحزب” الدينية  الشمولية العابرة للأوطان والمتقدمة على مصالحها التي ما انفك يعبّر عنها منذ التأسيس في 16 شباط 1985 مرورًا بحرب تموز 2006 الذي اعتبرها نصرالله يومها “حرب الأمة شاء اللبنانيون أم أبوا” وبلحسه لتوقيعه على “إعلان بعبدا”  وصولًا الى  إعلانه عن الحاق الجنوب في لعبة “حروب الآخرين على أرضنا” في 8 تشرين الأول 2023، يضع “الحزب” في رأس سلّم اولوياته تنفيذ أوامر الولي الفقيه في إيران، بحسب المصلحة والأجندة الإيرانية وانسجامًا مع تصدير الثورة الإسلامية الى الدول المستضعفة وإقامة عدل الله فيها وعلى أراضيها، تمهيدًا لإقامة الدولة الإسلامية في العالم وتحضيرًا لمجيء المهدي المنتظر. وما الأوطان الا منصات وساحات وجسور للوصول للغاية العليا المذكورة، يسميها تارة جبهة اسناد غزة وطورًا طريقًا لتحرير القدس وأطوارًا أخرى كثيرة، تكليفًا الهيا بالدفاع عن أي “مستضعف” في أي بقعة من العالم ولو رفض القاطنين أو مواطني “البقعة” تلك أو أبوا.

لقد أكد “الحزب” مرارًا في أدبياته ووثائقه على ما نقول، إذ اعتبر في بيانه التأسيسي الذي أعلنه رئيس المجلس السياسي الحالي للحزب السيد ابراهيم أمين السيد أنهم “أمة الحزب طليعتها في إيران… ودورها حماية المستضعفين في العالم… وأنهم معنيون بكل مسلمي العالم ومستعدون أن يهبوا دفاعًا عنهم ولو في الصين”… وهذا ما أكد عليه “السيد” ابراهيم السيد في خطاب نقلته النهار في 17 آب 1987 شارحًا: “الأساس هي أن نعرف كيف نتحرّك في الواقع المحلي أو الإقليمي والدولي في ضوء مصلحة الإسلام، وهنا تكمن الصعوبة… إن الأساس في لبنان بالنسبة إلينا أن يبقى لبنان ساحة وموقعًا للصراع مع إسرائيل. إن مصلحة الإسلام أن يكون لبنان كذلك، وحينئذ يتكوّن رأينا في المسائل الأخرى…”

هذا ما أكد عليه وكرّره أيضًا نصرالله في إطلالته العاشورائية في 17 تموز 2024 بتبريره “الشرعي” لفتحه جبهة الاسناد اللبنانية في معركة طوفان الاقصى كونها “معركة الأمة كلها”.

ليعتبر “ان مستقبل الوضع في الجنوب سيتقرر في ضوء نتائج هذه المعركة (طوفان الأقصى في غزة) التي ستنتصر فيها جبهات المقاومة”، والجبهات المذكورة ما هي إلا ساحات اليمن ولبنان والعراق وفلسطين المشتركة بالقاسم الإيراني المستفيد والمستثمر الأول لتلك الجبهات والساحات لغايات ومصالح لا تمت بأي صلة الى الغايات اليمنية واللبنانية والعراقية والفلسطينية على ما أوضحنا.

وخير ردّ على تحويل محور “الحزب” لبنان لـ”ساحة” متفجرة لمصلحة قائد المحور الإيراني، هو في ما نقله البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عن القديس اللبناني مار شربل في 21 تموز 2024، من دعوة: “يقول لنا مار شربل، لبنان أرض قداسة ووحدة بين المواطنين وأخوّة، وليس أرض حروب ونزاعات وقتل وتدمير وتهجير”.

إقرأ أيضًا

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل