فات الباحث والمؤرّخ بدر الحاج، كما يُعرّف عن نفسه، أن يتمركز على منصّة الوقائع الموثّقة في إطار مقاله الذي نشره في جريدة “الأخبار” تحت عنوان “نهاية مشروع لبنان الكبير” والذي يُعبّر عن نوايا الكاتب، خير تعبير، وقد وقع في جملة من المغالطات، لا بدّ من تصويب البعض منها.
إنّ الكلام عن استيلاء المسيحيّين على معظم الجبل، زمن الحرب، هو كلام غير صحيح، وقد تواجدوا في مناطقهم وضمن بقعة جغرافية محددة، وقد تميّزت هذه البقعة بالأمان والرفاهية والاكتفاء المعيشي، على عكس مشاهد البؤس والفوضى والانحلال التي طبعت بقية المناطق، ما عدا ذهن الكاتب وذاكرته، على ما يبدو، ففاته أن يستند إليها لتوصيف علميّ دقيق.
كما قد فات الباحث المزعوم، خلال استرساله في تعداد الأحداث التي وقعت بين المسيحيّين، أن يُدعّم مقاله “البحثي” في الأحداث التي وقعت على الضفاف الأخرى من البلاد، ومنها على سبيل المثال المعارك الدموية بين طرفيّ الثنائي الشيعي، “الحزب” وحركة أمل، وقتال المسلّحين الشيعة مع الفلسطينيّين، وفظائع النظام السوري بحق أهالي طرابلس، واللائحة تطول، وهنا يحضر كلام موثّق بالصوت والصورة للرئيس نبيه بري يقول فيه بأنّ “الحزب” قتل من الشيعة أكثر ممّا قتلت إسرائيل.
وبعد، يبدو أنّ “المؤرّخ” بدر الحاج، فاته أن يمرّ على التصفيات التي قام بها “الحزب” لجملة القيادات اليسارية التي واجهت إسرائيل على مرّ السنوات، ليُحدّثنا من خلالها عن مداركه في سرد عبارة “نحر بعضهم البعض”.
إنّ العرض الذي لجأ له الكاتب المذكور، يدفعنا إلى خلاصة مؤسفة واحدة، هي غياب كل مرتكزات الموضوعية والمهنيّة في سرد وقائع تاريخية، عبر نهجٍ معتور يضع المقال وصاحبه في مصاف الاستهداف السياسي الممنهج، الذي لا يصلح ولا يُعتدّ به.