تأقلم قسم من العائلات اللبنانية مع الأزمة الاقتصادية والمعيشية المستمرة منذ نحو 5 سنوات، ونجح إلى حدٍّ ما في التماشي مع ارتفاع أسعار الغذاء والحاجات الأساسية والأقساط المدرسية والجامعية والمحروقات وغيرها قدر الإمكان، لكن قسماً كبيراً من العائلات اللبنانية لم يتمكن من مواكبة تدحرج الأزمة، منذ البداية، ولا يزال يعيش أوضاعاً اقتصادية ومعيشية صعبة وبالكاد يؤمِّن قوت عائلته، وصولاً إلى حدِّ التقنين والتوفير في الأكل والغذاء.
في هذا السياق، ينقل عدد من المواطنين لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، تفاصيل واقعة مؤلمة حصلت في سوبرماركت معروفة في المتن، مع ربّة منزل اضطرت للتوفير في أكل أطفالها والاقتصاد في غذائهم. يقول هؤلاء، الشهود: “وصلت امرأة يبدو من مظهرها الخارجي أنها من عائلة متوسطة من الناحية المادية، إلى الصندوق، وهي تجرّ عربة السوبرماركت وقد حوت مواد غذائية متنوعة. بدأ الموظف على الصندوق بتمرير مشتريات الزبونة على الماسح الضوئي للباركود الموجود على السلع واحتساب أسعارها، لكن ما هي إلا دقائق قليلة حتى أوقفته ربّة المنزل، بخجل واستحياء، حين اقترب الرقم على شاشة الصندوق من 150 دولاراً”.
يضيفون: “حين استوضح منها الموظف عن السبب، اعتذرت ربّة المنزل بصوت خافت، موضحة أنها لا تملك هذا المبلغ، وراحت تفتش بين الأغراض، وكلها تقريباً سلع غذائية من أكل وشرب، (حليب، برغل، فاصولياء، رز، معكرونة، عدس، حمص، لبنة، جبنة، وما شابه)، أي لم يكن فيها سلعاً غذائية أو غيرها تعتبر من الكماليات بل من الحاجات الأساسية للعيش والغذاء، وراحت تختار الأكثر ضرورة وإلحاحاً من الغذاء الذي لا يمكن الاستغناء عنه”.
يتابع شهود العيان على هذه الواقعة: “اختارت ربّة المنزل عدداً من السلع، ثم نظرت إلى موظف الصندوق وقالت له، ربما تعرفني فأنا زبونة دائمة في السوبرماركت وأحضر في الأيام الأولى من كل شهر للتبضع عن حاجة المنزل من الأكل والشرب لمدة شهر، لكن اعذرني الأوضاع المعيشية تزداد صعوبة على عائلتي وليس باستطاعتي التبضع كالمعتاد، حين يصل الرقم إلى حدود الـ100 دولار أوقف التسعير”.
مصادر عاملة في مجال الرعاية الاجتماعية، توضح أن “ما نشاهده من مظاهر في المطاعم وأماكن السهر والمنتجعات لا يمثل سوى فئة قليلة من اللبنانيين قد لا تتخطى نسبتها الـ10% في أفضل الأحوال، وهي فئة الأثرياء بالدرجة الأولى التي لم تتأثر بالأزمة في أي يوم، بالإضافة إلى العائلات التي تصلها حوالات بالدولار من الخارج من أحد أفراد العائلة، أو من الموظفين العاملين في مؤسسات دولية لديها مكاتب في لبنان، أو من العائلات التي يعمل معيلها في شركة كبرى ويقبض بالدولار بمعاش جيد، فضلاً عن بعض الموظفين في شركات عالمية من الذين يعملون “أونلاين” ويتقاضون أجورهم بالعملات الصعبة خصوصاً الدولار”.
تضيف المصادر ذاتها عبر موقع “القوات”: “معظم الشركات العاملة في لبنان تأقلمت مع الأزمة وزادت المعاشات لموظفيها، لكن أكبر المعاشات مع الزيادات حالياً لا تصل قيمتها إلى حدٍّ يوازي 50% من قيمة المعاشات الفعلية ما قبل الأزمة مقوَّمة بالدولار، وهنا نتحدث عن شركات كبيرة وبوضعية جيدة، أما الشركات الصغيرة والمتوسطة فقد لا تساوي معاشات موظفيها في الوقت الراهن 25 أو 30% من قيمة المعاش ما قبل اندلاع الأزمة”.
بالتالي، تتابع المصادر:”لا شك أن هناك عائلات لبنانية كثيرة تعاني وتعيش بالحد الأدنى، وصولاً ربما إلى حدِّ التوفير في الأكل والغذاء، خصوصاً في الأشهر الأخيرة بعد توريط لبنان في الحرب الدائرة في الجنوب وما جرّته من انكماش اقتصادي إضافيّ وضياع موسم الصيف وجمود الحركة الاقتصادية، ما يعني أنه حتى الشركات التي كانت تراعي أوضاع موظفيها وتحسّن أوضاعهم تدريجياً، ستتوقف وتعيد النظر بسياساتها بانتظار جلاء الأمور، وكل ذلك ينعكس حُكماً على الأوضاع المعيشية لعائلات الموظفين لديها”.