قيل الكثير عن مفاجآت قام “الحزب” بالتحضير لها قبل 8 تشرين الأول المنصرم، ونه سيكون على أهبة الاستعداد في أي مواجهة محتملة مع إسرائيل وإن الرد على أي اعتداء سيكون مؤلماً على إسرائيل. عندها، ظن الجميع بأن “الحزب” استعد تماماً، وان التهديدات التي أطلقها السيد نصرالله ليست مجرد أقوال، بل ستكون مقرونة بأفعال على أرض الواقع والميدان، لكن سرعان ما ذاب الثلج وبان المرج، وباتت التهديدات مجرد شعارات سقطت عند بدء المواجهة.
ماذا حصل مع “الحزب”، ولماذا لم يترجم أقواله إلى أفعال، وما هي المعادلة أو القواعد التي يتّبعها الحزب في المواجهة مع إسرائيل؟ أين مكامن الخلل الذي طرأ على أسلوب الحزب في القتال مع إسرائيل؟
خبراء عسكريون يؤكدون أنه من دون توغل برّي لإسرائيل في الجنوب، لا يمكن للحزب تحقيق أي انتصار او نتائج إيجابية في المعركة، فطريقة الحزب القتالية التي تعتمد على نصب الكمائن واستعمال الانفاق التي استغرق سنوات على حفرها وتجهيزها ظنّا منه بان الجيش الإسرائيلي سيقوم بتوغل بري في أي معركة مقبلة سقطت، كل هذه الخطط باتت في مهب الريح، والتحضيرات والمناورات التي قام بها الحزب، لم تحاكِ واقع المعركة، وهذا يعود إلى قلة المعلومات الاستخباراتية التي حصل عليها الحزب، إذ أن لا توغل براً في الجنوب، وأساليب الحزب باتت قديمة وغير مجدية بعد اليوم في المواجهة مع إسرائيل.
يضيف الخبراء في حديث عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني: “هناك عوامل عدة أدت إلى فشل الحزب، صحيح ان الحزب بات يملك مسيرات وصواريخ دقيقة، لكن هذه المسيرات هزيلة مقارنة بالمسيرات الإسرائيلية المتطورة، كما ان الصواريخ التي يعتبرها الحزب دقيقة، أثبتت فشلها من حيث الدقة، لأن التطور التكنولوجي اليوم بات بمكان آخر، والحزب لا يملك الإمكانيات التكنولوجية التي تحدث فرقاً أو توازناً للرعب كما يدعي، فهي صواريخ إيرانية الصنع عاجزة عن إصابة الأهداف بدقة في ظل وجود منظومة دفاع إسرائيلية متطورة وهي من احدث المنظومات الدفاعية في المنطقة”.
أما العامل الأساسي والأهم والذي اعطى تفوقاً إسرائيلياً على الحزب، وشكل عنصر مفاجأة، فتقول المصادر إن “الاستهدافات التي طاولت قادة الحزب عبر الذكاء الاصطناعي، أحدثت فرقاً وفاجأت الحزب من حيث كمية المعلومات التي عملت عليها إسرائيل منذ حرب تموز، وباتت لديها ملفات ومعلومات عن قيادات الحزب وتحركاتهم، وباتوا مكشوفين وكأنهم في العراء، لم يكن الحزب يتوقع استهدافات بهذا الحجم والدقة، إذ معظم قيادات الصف الأول في الحزب تم استهدافها، وهذا أحدث خللاً واضحاً في هيكلية الحزب، وأفشل تحركاته وشلّ حركته، وهنا كان الفرق الواضح والشاسع، ولم تعد الحرب تقليدية او حرب شوارع وأنفاق كما توقع الحزب وعمل على المناورات والتحضيرات طيلة السنوات الماضية”.
من جهة أخرى، يحكى الكثير عن المواجهة المقبلة بين الحزب وإسرائيل، تلك المواجهة التي تعتبرها إسرائيل حتمية لضمان أمن المستوطنات الشمالية، خصوصاً إذا لم يتم تطبيق القرار 1701، ورفض الحزب الانسحاب إلى ما وراء الليطاني، بما لهذا الرفض من تداعيات أمنية خطيرة على الجنوب خصوصاً ولبنان عموماً، لأن هناك إصراراً دولياً على تطبيق الـ1701 وفرض الهدوء على الحدود اللبنانية الإسرائيلية على طول الخط الجنوبي.
بحسب التقارير والمعلومات الواردة، فإن المواجهة واقعة لا محالة، لكن التوقيت رهن التطورات في غزة، والوقت الذي ستستغرقه الحرب هناك، فالجيش الإسرائيلي حكماً سيتجه نحو الجبهة الشمالية لمعالجة الخلل بحسب ما تزعم إسرائيل، لأن الأولوية اليوم هي لفرض الأمن من جهة قطاع غزة، وبعدها يأتي دور الشمال الإسرائيلي.
الوضع على جبهة الجنوب يختلف عن غزة، والسيناريوهات مختلفة بعض الشيء، في غزة حصل التوغل البري، والأنفاق التي أنشأتها حماس لم تستطع منع التوغل، وعلى الرغم من ان التوغلات كانت محدودة، إلا ان المواجهات لم تكن على قدر آمال حركة حماس التي لم تستطع صد التوغل الإسرائيلي، لكن الدمار شكّل علامة فارقة، ولعب دوراً بارزاً توازياً مع التوغل البري، أي اعتماد سياسة الأرض المحروقة من قبل إسرائيل.
أما الجنوب، فتشير التقديرات الى أن الجيش الإسرائيلي سيعتمد سياسة الأرض المحروقة على طول المسافة المطلوبة، وهي المسافة التي تطالب إسرائيل الحزب بالانسحاب منها، أي إلى ما وراء الليطاني، إذ أن الهجمات ستكون مركزة، عبر أحزمة نارية، ومع توغلات محدودة جداً مدعومة بالطائرات الحربية والمسيرات لكشف تحركات الحزب على الأرض، مع الاخذ بعين الاعتبار الأماكن التي تتواجد فيها انفاق الحزب، لكن إسرائيل لا تريد التوغل بهدف احتلال مساحة معينة، بل إجراء عمليات محدودة على الأرض، والانسحاب منها فوراً كي لا تتكبد خسائر فادحة، لأن الهدف هو ابعاد الحزب وليس احتلال الجنوب بحسب التقارير.
كل هذه السناريوهات قابلة للتغيير في حال تم الاتفاق من خلال الحلول الدبلوماسية وتجنيب لبنان شر المواجهة، على امل أن تلقى الضغوط الدولية صداها في لبنان لدى الحزب، وخصوصاً لدى إيران التي تملي أوامرها على قيادة الحزب، وتتحكم بمصير جبهة الجنوب بعيداً عن الدولة في لبنان.