بعد مرور أكثر من أربعين يومًا على استهداف القيادي العسكري رقم واحد في “الحزب”، فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية واستهداف رئيس المكتب السياسي لحركة ح. اسماعيل هنية في قلب طهران، وبعد مرور أسابيع على ردّ “الحزب” والذي أطلق عليه “يوم الأربعين”، ما زالت الأنظار مشدودة ومحدقة الى ردّ إيران الذي طال انتظاره مع انتظار إعلان نتائج رد الحزب “النوعية”، والذي وعد أمين عام “الحزب” في 25 آب 2024 على سبر أغوارها وفكّ طلاسمها للأعداء البعيدين قبل الحلفاء من محوره والشركاء وأبناء بيئته القريبين، ليُبنى على “الرضى عن النتائج من عدمه مقتضاه” بين حدي “الاكتفاء” بالردّ وبين “الاحتفاظ” بحق الردّ لوقت آخر متأخر.
لم يختلف أداء “الحزب” – التابع للولي الفقيه في إيران ـ في التمهيد للردّ بالشكل الذي تمّ فيه، وبالإعلان عنه والاكتفاء به، عن ما نشاهده ونقرأه ونتوقعه من الوليّ الإيراني من المرشد، مرورًا بالمسؤولين الإيرانيين الرسميين وصولًا الى قياديي الحرس الثوري وفيلقه القدس، المسؤول المباشر عن تسيير شؤون “الحزب” في لبنان والاقليم.
في نفس إطار الرد “المختلف” عن المتوقع والمنتظر والذي لن يسمن ولن يغني عن جوع، نتوقف عند ما قاله حديثًا قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي في 8 أيلول 2024 عن أن رد بلاده “سيكون مختلفًا بكل تأكيد” وعن أنّ “الإسرائيليين سيذوقون مرارة الانتقام، لكن متى وأين وكيف؟ سيتم العمل بطريقة مختلفة وهذا اللغز سيفك يومًا ما للجميع”، وما أكده مساعده لشؤون التنسيق العميد محمد رضا نقدي قبل يوم وبعد كل هذا الوقت، عن أن “الرد حتمي ولا شك في ذلك … الانتقام يجب أن يحصل في توقيت جيد ليكون مؤثرًا والشعب سيسمع أنباء جيدة عن الانتقام”.
تترافق تهديدات المحور وعلى رأسه إيران مع تطمينات تتلقاها كل من الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية وإسرائيل تؤكد محدودية الرد المدروس المتحاشي شموليةً وتوسعةً للحرب، كما تترافق مع المباحثات السرية المباشرة وغير المباشرة بين أمريكا وإيران في سلطنة عمان، وإلحاقًا بـ”المصلحة الإيرانية” التي كشف عنها وزير الخارجية بالإنابة علي باقري كني، بتاريخ 13 نيسان 2024 بقوله: “خلافات أميركا مع إيران ترجع للحصة التي خصصوها لنا، نحن لم نقبل بذلك، ونسعى للحصول على حصتنا في المنطقة”، وتأتي حركة آموس هوكشتين الجامع للجنسيتين الأميركية والاسرائيلية وجولات الموفدين الأوروبيين، تبريدًا لجبهة الاسناد اللبنانية.
تتويجًا لما ورد من اختلاف بين الظاهر من تهديدات وتسطير انتصارات وبين الواقع الكاشف لمرارة الحقيقة، لا بد من التوقف عند المرجع الإمام علي خامنئي مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، الذي ينهل منه المسؤولون الايرانيون والممانعون في غزة وجبهات إسنادها في لبنان والعراق واليمن، الأوامر والتوجيهات في الدين والسياسة والعسكر والمقاومة والتحرير، إذ يكشف بواقعية وبراغماتية عن تقبله بـ”ميني هزيمة” بقول نقلته وكالة مهر الإيرانية في الثامن من أيلول 2024، إذ يقر فيه أن “لا ضير في التراجع التكتيكي أمام العدو والتراجع قد يكون في الميدانين العسكري أو السياسي”.
ولا يختلف الضير والضيم على المحور الذي عبّر عنه خامنئي الخلف عن الضيم والضير الذي عبّر عنه الولي الفقيه السلف قائد الثورة الإسلامية ومؤسس جمهوريتها في إيران الإمام روح الله الخميني الذي تحدث عن براغماتية وإعلان هزيمة إيران أمام العراق في 20 تموز 1988 بقبوله بقرار مجلس الأمن الدولي الذي حمل الرقم 598 والذي صدر في 20 تموز 1987 والذي رفضته إيران لتحديدها سقف أدنى لأهداف الحرب يقضي باحتلال العراق وإسقاط النظام فيه وإقامة الجمهورية الإسلامية في العراق في حين أن القرار فرض انسحاب إيران الى الحدود الدولية.
وتعبيرًا عن الضير الذي أصيبت به الجمهورية الإسلامية في إيران والخير الذي وهبته هذه الأخيرة للأعداء، يقول الإمام الراحل الخميني في بيان القبول بالقرار: “…طوبى لكم أيها الشعب! طوبى لكم رجالاً ونساء! طوبى للمحاربين والأسرى والمفقودين وعائلات الشهداء العظيمة! وويل لي أنا الذي مازلت على قيد الحياة، أتجرّع كأس السُّم المُلوّث بقبول القرار، وأشعر بالعار مقابل عظمة وتضحية هذا الشعب الكبير…”
يبقى أن الاستنتاج المنطقي العلمي من الدلائل الواردة أعلاه هو الجواب الحاسم على سؤال الكاتب قاسم قصير القريب المقرّب من “الحزب” والذي طرحه مشكّكًا بتآلف المصلحة اللبنانية مع الإيرانية في كتابه “الحزب بين 1982 و2016 الثابت والمتغير” الصادر في الـ2017 في صفحته 135، “لكن هناك سؤالاً أساسيًا يطرح نفسه في هذا الإطار، ماذا لو تعارض قرار الولي الفقيه مع المصالح اللبنانية وما هي المصلحة التي يقدمها الحزب؟”