إبراهيم أمين عَ مين

حجم الخط

بالإضافة الى كل حروبه التدميرية يمنةً ويُسرة، وكل ما ارتكبه من تصفياتٍ وتهديداتٍ وقمصان سود واغتيالات، هناك حرب أخرى يُشنّها حزب الممانعة عبر بعض أقلامه وأبواقه ومأجوريه ومنهم المدعو إبراهيم الأمين، وهي الحرب على نوايا اللبنانيين.

ممّا قاله المدعو إبراهيم الأمين في مقالةٍ له نُشرت اليوم في جريدة الأخبار تحت عنوان “هل نعرف من نقاتل”: “من بدأ يرتّب ياقاته استعدادًا لحفلة كالتي شهدها لبنان صيف العام 1982، فهو ليس الا مجنونًا لا يريد التعلم من دروس التاريخ”.

احترمنا شهداؤكم يا إبراهيم حتى في أوج خلافاتنا، لكنكم وأنتم في الحفرة العميقة التي تقبعون بها، ما زلتم تمعنون في التهجم على شهيدنا بشير الجميّل، مرةً في الظاهر ومرات بين ثنايا كلماتكم التي تقطر سمًا وضغينة وتقية وخبثًا ووسخًا. اذهب الى من باعكم يا إبراهيم في منتصف المعركة، ولم يتدخل لمساندتكم كما وعدكم منذ عشرات السنوات، وهذا ما فسرّته إسرائيل على أنه ضعف وتفكك وتلاشي من قبل المحور الداعم لكم، ممّا حفّزها على اغتيال زعيمك بكل اطمئنان، واترك اللبنانيين، وأفكارهم ونواياهم وشأنهم، أنت لست الله حتى تحاسب الناس على نواياها، وعمّا ستفعله، وعمّا إذا كانت ستحتفل أم ستبكي على أطلال حروبكم الفاشلة والفوفاش.

المجنون يا إبراهيم هو من قرر نيابةً عن الطائفة الشيعية أولاً، وعن الطوائف اللبنانية ثانيًا، وعن الأحزاب اللبنانية ثالثًا، وعن الدولة اللبنانية رابعًا، أن يفتح حربًا دونكيشوتية مع أخطر دولة عسكرية في الشرق الأوسط، معتبرًا أن الكذبة التي عاشها طيلة عشرات السنوات ستمر مرور الكرام هذه المرة أيضًا، متسببًا بالموت والدمار والعبء المالي والاقتصادي والهجرة الجماعية لبيئته أولاً، ولكل الشعب اللبناني ثانيًا، واضعًا بيئته وكل الشعب اللبناني في المجهول، فلا من يعرف أن يرجع فيها عن هذا الجنون حتى لا يُخوّن، ولا من يعرف أن يعقل فيها حتى لا يُكفّر على طريقة داعش صنيعتكم. فهل من جنون واستهتار أكثر من ذلك؟ انضّب يا إبراهيم، لقد أشبعت اللبنانيين مراجل وبطولات وهمية طيلة سنوات وسنوات، قبل أن يتبيّن أن كل عنترياتك كانت “فوفاش بفوفاش”.

إذًا، في خضم كل الفشل والموت والتهجير والدمار بفعل حروب الكذبة التي قتلت أصحابها، لا همّ ولا غمّ ولا اهتمام عند بعض أبواق الممانعة، سوى ما يمكن أن يفكّر به بعض اللبنانيين، وماذا تحمل نواياهم من أسئلة وفرضيات، وعوض أن تعمل هذه الأبواق على رفع الصوت عاليًا لدى محورها الفاشل لإيقاف حرب الكذبة التي قتلت أصحابها، إنقاذًا لما تبقّى، نسيت كل ذلك وصبّت جلّ تركزيها على محاسبة اللبنانيين على نواياهم!

حتى لو التزمت “القوات اللبنانية” ومعها الفريق السيادي الصمت، احترامًا لأرواح الضحايا، على الرغم من اعتراضها الكبير على كل ما يجري، بعدما كانت قد حذّرت منه لأشهر وأشهرٍ طويلة، وحتى لو قدّم ناشطون في هذا الفريق الرعاية والمساعدة للنازحين من حروب “الحزب”، واستضافوهم في ممتلكاتهم وقراهم وكنائسهم وجوامعهم ووضعوهم تحت عهدتهم، وحتى لو تعرضوا للأخطار والأضرار الكبيرة بفعل قرارٍ آحادي لم يشاركوا باتخاذه أصلاً، غير أن كل ذلك لن يرأف بهم لدى محور الممانعة وأبواقه الدعائية المفلسة التي ما زالت مُصّرة على محاسبة “القوات اللبنانية” والفريق السيادي على نواياهم، مفترضين سلفًا أن هؤلاء يعدّون العدّة للاحتفال أسوةً بصيف 82، وكأن الاحتفال في ذلك الصيف بخروج المنظمات من بيروت ووصول بشير الجميل الى الرئاسة كان جريمةً، مع أن البيئة الحاضنة لـ”الحزب” كانت السبّاقة بتلك الاحتفالات ورمي الأرز والورود، ولكن ليس فقط لانتخاب بشير وخروج المنظمات بل لاستقبال طلائع الجيش الإسرائيلي في قرى وبلدات الجنوب اللبناني، قبل أن ينخرط الآلاف من هؤلاء في جيش لبنان الجنوبي.

حذّرت “القوات اللبنانية” من كل ما يجري اليوم للحؤول دون حصوله بالأساس، ولكن عندما حصل، قررت أبواق الممانعة الفاشلة أن الجمهور السيادي يعّد العدّة للاحتفال، بما كنّا قد حذرّنا من حصوله، وبما قرره محور الممانعة منفردًا.

لم تتعلم بعض أبواق الممانعة الدرس طيلة 34 سنة، أي منذ الطائف وحتى اليوم، لم تتعلم أين أوصلتها سياسة التخوين والمكابرة والغرور والاستعلاء والفوقية الغبية، وفي أي حضيض رمت بها الحسابات القائمة على عقيدة سياسية شمولية تستخدم الكبت والقمع والعودة الى كهوف التاريخ، وليس على أي منطق وأي تفكيرٍ عقلاني ولا على أي اعتدال، لم تتعلم أن القمع والفرض والقوة وإسقاط أفكارها المتخلفة والشريرة على سواها من البيئات والمجتمعات والمجموعات المحبّة للحياة والسلام والحرية والازدهار والعدالة والمساواة والتطور، لمجرد أن تبرر لنفسها استخدام أساليب قمع هذه المجتمعات واغتيال أصحاب الرأي فيها، لم ولا ولن يجدي نفعًا لا الأمس ولا اليوم ولا غدًا، لم تتعلم أين انتهى الأمر بكل الأنظمة والمنظمات الشمولية التي سبقتها، والتي قام جزءٌ من دعايتها السياسية، بحسب المتخصصة في شؤون العقل الشمولي انّا أرادت، على تقسيم الناس بين عدو فعلي وعدو موضوعي، والعدو الموضوعي هو الذي يقرر سياسة الصمت والحياد وعدم التدخل فيما يفعله النظام الشمولي، وهو ما يثير الريبة لدى العقل الشمولي البارانويي ممّا يدفعه للاقتصاص منه لمجرد الاشتباه بنواياه، لا بسبب أفعاله وأقواله ومواقفه.

عندما اغتال العقل الشمولي رفيق الحريري وبيار الجميل ولقمان سليم والياس الحصروني والعشرات غيرهم، لم يكن هؤلاء يستعدّون لأي حفلة، ولم تكن احتفالات 1982 موجودة في حساباتهم أصلاً، بل لمجرد أنهم اصحاب رأي حر. فعلى مين يا ابراهيم أمين ع مين؟

بقايا العقل الشمولي سيلفظها التاريخ قريبًا، ليس في لبنان فحسب، بل في كل العالم الذي يخطو خطواتٍ متسارعة نحو الحرية والمساواة والتطور والرقي واستقلالية الانسان على المستوى الفردي والجماعي، والذي قرف من اللغة الخشبية والعقول المتحجرة والأفكار الالغائية المناقضة لمسار التاريخ، امّا الحرية التي كان لبنان ملجأها ونواتها ومعقلها منذ الأزل، فستبقى وتستمر. وإن عدتم عدنا.                       ​

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل