سرديتان سَوَقَ لهما محور الممانعة منذ سنوات وغشَّ بهما الكثيرين، في الداخل والخارج، بفعل سيطرته وتحكمه بقرار الدولة التي ماشته بالسردية التي تعنيها مباشرة، خوفاً أو تماهياً، النتيجة واحدة.
السردية الأولى، تعامت أو غضَّت النظر عنها بعض الدول الأجنبية وسارت في ركابها، ولا نعرف الأسس التي بنت عليها وهي التي تملك ما يكفي من المصادر والمعلومات، خصوصاً بعد سنة من الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة ح و”الحزب”.
التوجس الأساسي من هذه السردية، كان من الأذرع التي بنتها إيران في اليمن والعراق وسوريا وغزة ولبنان على مدى عشرات السنوات وصرفت عليها عشرات وربما مئات مليارات الدولارات، وكان كل الخوف من أن تستعمل إيران هذه الأذرع بشكل مكثف في أي حرب إقليمية، ما يهدد المصالح الغربية في كل المنطقة، ناهيك عن الحروب الصغرى التي ستنشأ أيضاً على أطراف هذه الحرب.
لكن تبين أنه بعد عملية “7أكتوبر” وتدمير إسرائل لكامل القطاع، لم تحرك إيران ساكناً سوى بما فعله ذراعها الأهم “الحزب” بشنِّ حرب المساندة، بجانب بعض “الاستعراضات” التي قام بها أتباعها من اليمن والعراق، وحتى إيران نفسها التي أرسلت صواريخ ومسيّرات تم تدميرها بالكامل قبل وصولها الى إسرائيل. بالتالي، تبين أن إيران أعجز من أن تدخل في أي حرب حقيقية وذلك لأسباب كثيرة تبدأ بنظامها الهش في الداخل وعداواتها مع كل العالم ومحيطها القريب، وصولاً إلى أسلحتها البدائية وترسانتها المترهلة، وتَظَهَرَ كل هذا في ما اعتُبر “فضيحة” يوم سقوط طائرة رئيسها التي كانت ترافقها طائرات عدة أخرى لم تعرف أن الطائرة الأساسية التي تحميها سقطت، لتحدد مكانها على الأقل، لا بل تركتها وأكملت طريقها، ما أدى إلى الإستعانة بالمسيّرات التركية على مدى يومين حتى تم العثور على موقع تحطم الطائرة!.
فهل هذه دولة قادرة على الدخول في حرب إقليمية اليوم، خصوصاً بعد تدمير حركة ح بشكل شبه تام، وتدمير قدرات وإمكانيات “الحزب” بشكل كبير جداً، وكبح جماح الأذرع الأخرى التي تتلقى ضربات كبيرة وقاسية؟. هل تتحمل هكذا دولة أي رد قوي من إسرائيل والدول الحليفة لها على أي ضربة تقوم بها، وهي تعلم أن هذا الأمر سيستوجب ردوداً تهدّد نظامها بالذات وتضعه على المحك، مع كل المعارضة التي تلقاها من شعبها؟. كل هذا يعني أن هذه السردية تجافي الواقع كلياً.
السردية الثانية هي عجز الجيش عن مقاومة إسرائيل لأن الدول الغربية منعت عنه الأسلحة اللازمة لصد أي عدوان إسرائيلي على لبنان، وبالتالي هذا الجيش يهتم بأمور الأمن الداخلي ويترك الحدود والدفاع الإستراتيجي لحلفاء إيران، فهم المحترفون المتخصصون المتمرسون في المقاومة والدفاع عن الأوطان بوجه كل الأعداء!.
نعلم جيداً أن هذه السردية لا معنى لها ولا وجود إلا بما يخدم إيران ومشاريعها فقط لا غير، وقد أصبحت اليوم واقعاً مريراً جلياً خارج التكهنات والتبصير والضرب بالرمال، وكل السرديات على مدى 40 سنة سقطت اليوم مع تدمير الضاحية والجنوب والبقاع… وسقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح، وتشريد مئات الآلاف من بيوتهم، وتدمير آلاف الوحدات السكنية وحتى حرق الأراضي الزراعية، وصولاً إلى استهداف مئات القادة الميدانيين والمركزيين ورأس الهرم في “الحزب” وخليفته وتدمير معظم بنيته التحتية… في خرق فاضح لم يشهد له العالم مثيلاً، وفشل لم تعرفه ربما أي مجموعة عسكرية وأمنية في العالم.
كل هذا جعل من الوعود بالمقاومة والحماية وتوازن الرعب والردع وكل الشعارات الأخرى فارغة من أي مضمون، بحسب الواقع المستجد، وذهبت مع الريح، بحيث أن أصحابها لم يكونوا قادرين حتى على حماية أنفسهم.
بالمقابل، تبيَّن في واقعات عدة حصلت أن الجيش اللبناني لديه كل القدرة ليبسط سيطرته على كل الأراضي اللبنانية ويمنع أي خرق ممكن للحدود من أي جهة معتدية، سورية إسرائيلية أو أي جهة أخرى. فالجيش يحظى أولاً بدعم كل الشعب اللبناني، وبدعم كل الدول العربية، وبدعم كل دول العالم، وتبيَّ أن هذه الدول كلها لا تسمح لأي جهة بالمسّ بالجيش اللبناني، حتى من قبل إسرائيل في عزّ حربها على لبنان، وهذه الدول وعلى رأسها أميركا وبريطانيا، هي التي تدرّبه وتسلحه وساعدت حتى في معاشاته في عز الأزمة المالية التي ضربت لبنان، جندى واحد على الحدود لديه من الشرعية الوطنية والدولية، القدرة على حماية لبنان أكثر بملايين المرات من أي فصيل أو ميليشيا تدّعي أنه بإمكانها حماية حدود لبنان واللبنانيين.
حان الوقت للعودة إلى كنف الدولة لتكون هي الحامية الوحيدة لكل اللبنانيين على السواء، ووقف كل ما يجلب لنا المآسي والويلات والخراب، حيث لن ينفع أحد أي حماية أخرى يدّعيها، من تبيَّن أنه هو بالذات غير قادر على حماية نفسه.