“أَعجزُ عن وصفِ حالنا دون أميننا العام الراحل”… إن ورود هذه العبارة في إطلالة نائب الأمين العام لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم الثانية، بعد استهداف الأمين العام، قد يكون مكملًا ومفندًا للصورة والصوت الذي أطل بهما قاسم، من غرفته المظلمة المموهة بالستائر غير المجهزة بالتهوئة والتكييف وغير المتفاعلة مع الوقائع والمبتعدة عن الواقع كسابقتها الأولى المربكة والمرتبكة، مع الجهد الملحوظ المبذول، لعدم إظهارها جليّة في الثانية، ويترك في هذا المجال لخبراء لغة الجسد الشرح والتفسير، وهم أجادوا وتوسعوا في الكشف العلمي العميق عن استخراج حقيقة اللا ـ وعي الخفي المعبر عنه في الحركة ونبرة الصوت، والتي تتلخص في أن بعض الكلام “الذي تفضل به قاسم مشكوك بصدقيته منه شخصيًا.
في القراءة السياسية الاستشرافية لما ورد في ثنايا الخطاب، نجد أن “عجز” قاسم عن وصف الحال بغياب الأمين العام، ما هو إلا خوف ورهبة وتهيب، مما هو آت على المحور الممانع من إيران وصولًا الى ذراعه في لبنان وحتى بيئة هذا الذراع.
لقد أتت إطلالة الشيخ نعيم في الذكرى الأولى لإطلاق “الحزب” لجبهة الإسناد، إذ يقول قاسم في هذا المجال: “نحن أعلنا جبهة المساندة من لبنان تحقيقًا لهدفين، الأول المساعدة في المواجهة للتخفيف عن غزة ومساعدتها على الانتصار في هذه المعركة، والهدف الثاني المضمر الدفاع عن لبنان وشعبه”.
استنادًا الى إسناد “الحزب” في تحقيق هدفه الأول “التخفيف عن غزة”، فإن عدد الخسائر البشرية الهائلة جدًا في الأرواح وتدمير الممتلكات ونزوح مئات الآلاف الفلسطينيين، يعطون الجواب الشافي عن الإسناد غير المجدي وغير الكافي. أما في مساعدة غزة على الانتصار، فواقع “الحال” في غزة ومع حركة ح. بطلة الطوفان التي فقدت معظم قيادييها وكوادرها، يطابق الى حد بعيد “واقع حال” الحزب بطل جبهة المساندة اللبناني من دون “أمينه العام”، حيث عجز الممانعون ونائب عام “الحزب” المساند على وصفه.
اما في “الدفاع عن لبنان وشعبه”، الهدف الثاني الذي يخجل به “الحزب”، فيجعله “مضمرًا” لا معلنًا على غرار الهدف الأول دفاعًا عن غزة، فيعجز اللسان عن وصف “حال” لبنان واللبنانيين منذ الثامن من تشرين الأول 2023 وحتى إطلالة نعيم قاسم “المضمرة” عن إنجازات عام الإسناد وكيفية فعالية الدفاع عن لبنان وشعبه.
في سردٍ لإنجازات الإسناد، وفي تأكيد على تحقيق أهداف جبهته قال قاسم: “إن جبهة لبنان هي جبهة مساندة، استنزفت العدو 11 شهرًا وأخرجت المستوطنين بعشرات الآلاف من مستوطناتهم، ليكون عبئًا على الكيان الإسرائيلي، وكذلك هناك مئات الآلاف من الذين يعيشون القلق وأجواء غير آمنة في كل الشمال الفلسطيني”، ليكون معيار الانتصار على إسرائيل “بإخراج عشرات الآلاف من المستوطنين من مستوطناتهم، ليكونوا عبئًا على الكيان الإسرائيلي”، معيارًا لهزيمة “الحزب” بإخراج مئات آلاف اللبنانيين من منازلهم بعد تدميرها، ليشكلوا عبئًا على “الحزب” والحكومة والكيان اللبناني، وهنا تجدر الإشارة الى ما قاله محافظ مدينة بيروت مروان عبود لقناة العربية بالتزامن مع خطاب الهزيمة لقاسم، إذ كشف بالأرقام أن “أكثر من مليون شخص نزحوا بسبب الحرب، ونحو مئتي وخمسين ألف شخص نزحوا الى بيروت العاصمة وأن موجة النزوح الكثيفة تشكل عبئًا على البنية التحتية في المدينة، وأن النزوح أدى الى خلق فوضى فيها”.
وهذا ما تنبّه اليه قاسم بشكل عرضي وغير مفهوم بقوله: “صحيح أن النزوح الكبير يشكل أزمة وضغطًا وأنا أعلم أن أهلنا النازحين بمئات الآلاف يعيشون حياة صعبة… وأنتم بنزوحكم تدفعون ثمنًا مشابهًا للثمن الذي تدفعه المقاومة.”
لقد تطرق قاسم في خطاب تخبئة الانكسار بادعاء الانتصار الى موضوعين كانا حتى الأمس القريب من المسلمات والبديهيات والثوابت، ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول حقيقة الأمر التي لا بد أن تنكشف على واقع الحال بذاته، فإشادته وتأكيده على مؤكد العلاقة بين حركة “أمل” و”الحزب” وعلى مدحه لأستاذه وأخيه الأكبر بعد الحراك السياسي المؤيَّد على “مضض” وتحت النار من “الحزب”، قد يتكشف عنها ما وراء الأكمة من خشية وتوجس من تمايز وبداية افتراق بعد طول عناق.
نادرة هي المرات أيضًا التي تكون فيها بيئة “الحزب” مثار نقاش أو بحث أو فحص أو نتيجة اختبار لتماسكها أو حاجةً لرشوتها بتمييزها وفوقيتها على الآخرين، فتأكيد قاسم “أن بيئة المقاومة متماسكة ونحن لدينا أشرف الناس وأعظم الناس وأهل العزم والبأس”، قد يكون ردًا على ما يلحظه الكثيرون من ألم ووجع وأذى وضرر، لم تعد تحتملهم تلك البيئة وناسها، وما استخلصه قاسم نفسه من معياره “على النازحين من المستوطنين الاسرائيليين”، واسقاطه على أبناء بيئته من اللبنانيين.
كذلك وإمعانًا في الإنكار وفي تحويل عوارض الهزيمة والانكسار الى انتصار، وعلى الرغم من عجز حزبه ومحوره على تأمين حاجيات النازحين من بيئته، من أدناها الضرورية المعيشية الى أسماها، من أمن واستقرار وعيش حرّ كريم رغيد مديد، اعتبر قاسم أن الاحتضان الوطني الانساني والالتفاف حول النازحين احتضانًا واصطفافًا الى جانب المقاومة، إذ قال مشتبهًا: “هنا أحيي الوحدة الوطنية التي تجلت من كل الطوائف والمذاهب والمناطق والبلديات والجمعيات والمؤسسات، خلافًا لما كان يظن العدو أو يعمل، بأنه توجد خلافات داخلية وأزمة داخلية بوجه المقاومة، لا تحول الأمر إلى التفاف وطني”.
وتأشيرًا على سير “الحزب” بخطى متسارعة وحثيثة نحو الهزيمة، وبعد أن قال قاسم إنه “كلما طالت الحرب سيزداد مأزق إسرائيل”، يتابع قاسم “لم يتقدم العدو الإسرائيلي وأذهل الصهاينة كيف لم يستطع جيشهم أن يتقدم إلى الأمام … هذا دليل على ثبات المقاومة وقدرات المقاومة، من الآن أقول لكم لا قيمة للأمتار التي يمكن أن يحصل عليها، نحن نريد أن يحصل الالتحام مع العدو الإسرائيلي سواء في الحافة الأمامية أو بعد ذلك، وتبيّن أنه حتى في الحافة الأمامية لم يستطع أن يفعل شيئا، على كل حال بالالتحام سنثبت في الميدان أن الجيش الإسرائيلي سيتكبد الخسائر الكبيرة، لعل هذه الخسائر تكون هي المقدمة لإنهاء الحرب”.
إذًا، أقصى ما يصبو اليه “الحزب” اليوم بعد عشرات آلاف القتلى ومئات الاف الجرحى وملايين النازحين المهجرين ومليارات الدولارات من الخسائر واحتلال كيلومترات وأمتار من الأرض، هو بلوغ “المقدمة لإنهاء الحرب”، على ما ورد في خطاب الانتصار الثاني بعد غياب أمين عام “الحزب”، بالقوة الاسرائيلية القاهرة، وليكون وقف إطلاق النار هو المرتجى بعد أن صوّر لنا في الخطاب نفسه، أن في استمرار إطلاق النار والحرب مازقًا لإسرائيل… وتكملة لمسيرة الانتصار ـ الهزيمة، يعلن قاسم: “نحن نؤيد الحراك السياسي الذي يقوم به الرئيس بري بعنوانه الأساس وهو وقف إطلاق النار. على كل حال بعد أن يترسخ موضوع وقف إطلاق النار وتستطيع الدبلوماسية أن تصل اليه، كل التفاصيل الأخرى تناقش وتتخذ فيها القرارات بالتعاون. لا تستعجلوا على تفاصيل والمبدأ لم ينته بعد، وقبل وقف إطلاق النار أي نقاش آخر لا محل له بالنسبة إلينا”.
في خلاصة واستخلاص الهزيمة، نعود الى ما قاله مرشد الثورة الإسلامية الإمام علي خامنئي في التاسع من أيلول 2024، أن “لا ضير في التراجع التكتيكي” أمام “العدو” والتراجع قد يكون في الميدانين العسكري أو السياسي، وهذا ما قد يجيز أو “يفرض” على “الحزب” التراجع والخضوع، فالإقرار بالهزيمة على النحو الذي قدمّه قاسم ويقدم عليه “الحزب” بخطوات تراجعية، ولإلزامية رأي الفقيه خامنئي على “الحزب” وقيادييه، يكفي أن نستأنس من كتاب نعيم قاسم “الحزب المنهج – التجربة – المستقبل”، في الفصل الأول الصفحة 25: “القيادة الشرعيّة للولي الفقيه الذي يرسم الخطوط العريضة للعمل في الأمّة، وأمره ونهيه نافذان”. وفي الصفحة 53، “قرار الجهاد مرتبط بالولي الفقيه، الذي يشخص الحالة التي ينطبق عليها عنوان الجهاد الدفاعي، والذي يحدد قواعد المواجهة وضوابطها… وقد يختلف رأي بعض الفقهاء عن رأي الولي الفقيه، لكن رأيه ملزم لهم، فهو المتصدي والمبايع من قبل الناس… فالقرار يعود إليه وهو ملزم للمسلمين”، وفي الصفحة 74، “الولي الفقيه هو الذي يملك قرار الحرب أو السلم، ويتحمل مسؤولية أمن الناس وأموالهم وأعراضهم، ويتصرّف بالأموال الشرعيّة ويحدد ضوابط الدولة …”