في غمرة الأحداث المصيريّة التي يعيشها لبنان، زار رئيس الدائرة الثقافية في جهاز الإعلام والتواصل في “القوات اللبنانية” جورج حايك يُرافقه الرفيق الأستاذ عصام أبي عقل، دير سيدة ميفوق في جبيل للقاء الراهب الماروني الدكتور توما مهنا وهو علّامة ومفكّر لاهوتي وفلسفي، كان أمين سر اللجنة المصغرة التي كانت تجتمع في الكسليك زمن الحرب وتضع الخطط والإستراتيجيات لـ”الجبهة اللبنانية” على أيام الآباتي شربل قسيس والأباتي بولس نعمان.
استرجع الأب مهنا مع حايك لحظات مهمة عاشها في جامعة الروح القدس-الكسليك حيث أمضى 22 عاماً يعلّم الفلسفة رغم بلوغه اليوم 95 عاماً. وروى له أن الرهبان مع مجموعة من المفكّرين وضعوا تصوّراً واضحاً للبنان “وأخذنا مواقف كبيرة ومصيريّة، لكن المسؤولين الذين استلموا الدولة اللبنانية في مرحلة لاحقة، فرّطوا بها،”، وعلّق بحسرة “كأنوا بشريين عاديين ولم يكن لديهم المقدرة”.
وتذكّر الأب توما مؤسس “القوات اللبنانية” بشير الجميّل وكشف لحايك أنه “كان زلمي صريحاً وملهماً، وما كان يجب أن يموت…”، أما رأيه بالرئيس الحالي لـ”القوات” سمير جعجع الذي التقاه منذ وقت بعيد “أنه مقدام ولبناني مئة في المئة”.
شعر حايك بغصّة في قلب الأب توما الذي يعيش خلوة روحيّة دائمة في دير سيدة ميفوق، بسبب الحرب التي يعيشها لبنان حالياً، مستغرباً كيف سمح المسؤولون اللبنانيون بدخول هذا الكمّ الهائل من السلاح إلى لبنان الصغير، واعترف لحايك “أنني الوم هؤلاء المسؤولين وسيكون هناك دينونة في النهاية”.
وسأله حايك: ما رأيك بمن يحاول ان يزوّر التاريخ بحيث ينكر على الموارنة تأسيس الكيان اللبناني؟ أجابه:”بالطبع هذه حقيقة مطلقة، لقد أمضينا حياتنا نبحث في التاريخ وهو واضح بأن الموارنة كان لهم الفضل بتأسيس لبنان جغرافياً وسياسياً، نحن لسنا جزءاً من سوريا، ووجود الموارنة كشعب في هذه الأرض كان بيد إلهيّة ورعاية السيدة مريم العذراء، والآن اما أن يتصرف اللبنانيون وفق مشيئة الله فسيتمر الكيان اللبناني وينجح أو يعملون ضد مشيئته فيخرب”.
وصارح الأب مهنا رئيس الدائرة الثقافية في “القوات” بأن “حزب الله” تقوده إيران، والتاريخ يشهد بأن صراع اسرائيل وايران طويل وخصوصاً أن الفرس تاريخياً كانت عيونهم نحو البحر الأبيض المتوسط، لذلك لن يتوقّف الصراع الاسرائيلي-الايراني من دون حسم، إلا أن الحرب طويلة”.
اعتبر حايك أن العقيدة المارونية التي قامت على معادلة “الراهب-المقاوم” لا تزال صالحة، ووافقه الأب مهنا بأن هذه الفكرة تناسلت عبر التاريخ الماروني في هذه الجبال والوديان، “لكن الله يقود شعبه أيضاً، ونحن شعبه حتماً، بل نحن شعب رهباني، ربما نصنع من واقعنا اليوم قوّة ومعادلات أخرى مثل الموارنة الناجحين في الإنتشار وأصبح عددهم يفوق العدد المقيم في لبنان، ولولاهم كان الشعب اللبناني مات من الجوع في ظلّ الأزمة الإقتصادية التي مرّ بها لبنان في الآونة الأخيرة”.
وتبادل حايك والأب مهنا الحديث عن النظرة إلى الرب يسوع المسيح، فإعترف الأخير “أنه في كل حياتي الرهبانية كنت أعتقد أنني “مخيّر” ورغم مسيرتي التي تسلّمت فيها مهام كبيرة كمؤسس لقسم الفلسفة في الكسليك ومدبّر عام ورئيس دير مار مارون عنايا لفترة طويلة، يبدو أنني توصّلت أخيراً إلى قناعة أخرى أراحتني وهي أنني “مسيّر” من الرب يسوع، هو كل شيء، ولا نهاية له، وأنا متصالح مع نفسي لأنني استسلمت لمشيئته بالكامل”.
وأخبر الأب مهنا حايك بأن القديس شربل أذهله عندما كان رئيساً لدير مار مارون عنايا “وقد أمضيت أعواماً أسجّل فيها الرسائل التي كانت تصل إلى الدير من كل دول العالم ويؤكّد فيها أصحابها العجائب التي حصلت بشفاعته، وأنا ما زلت مذهولاً كيف زار شربل 184 دولة ولبّى طلبات كل هؤلاء الناس”.
وختم “أبونا توما” حديثه مع حايك قائلاً:”اعيش النظام الديري في دير سيدة ميفوق ولم اشعر بدعوة إلى النسك والمحبسة، لكنني أقوم برسالتي الروحية واتمنى أن تكون مرضية لله، بحيث كتبت سلسلة كتبٍ (11 كتابًا) بعنوان: ربّي، املأني منك، وهي قراءة نصوص الإنجيل اليوميّة وشرحها، إضافة إلى الرسائل”.
وأخيراً ودّع الأب توما مهنا حايك والرفيق أبي عقل متنمياً عليهما الاعتناء بعائلتيهما ولبنان وحمل كلمة المسيح إلى كل مكان.