على الرغم من كل ما يحصل، لا زلنا نسمع من بعض المحاضرين في السياسة اللبنانية الخشبية، والتي أنتجت الكثير من هؤلاء، النغمة ذاتها عن الاستراتيجية الدفاعية والحوار حول سلاح “الحزب” وكيفية دمجه مع الجيش أو إيجاد طريقة لاستيعابه!.
من المعلوم بطبيعة الحال أن هذه النظريات لا وجود لها في الدستور اللبناني الواضح والصريح، والذي يُعطي حق الدفاع عن لبنان والحدود والأمن على كل الأراضي اللبنانية، “خاص ناص”، للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية فقط لا غير، وكل كلام غير ذلك هو على سبيل الهرطقات الدستورية والقانونية والوطنية.
كانت الركيزة الأساسية لأصحاب تلك النظريات، أن سلاح “الحزب” هو الضمانة الوحيدة لردع إسرائيل عن الإعتداء على لبنان، وفي حال فعلت، فهذا السلاح قادر على مواجهة العدو وتكبيده الخسائر الكبيرة والصمود في وجهه ومنعه من تحقيق أي من أهدافه، طبعاً إضافة إلى زجليات توازن الرعب واحتلال الجليل وتدمير تل أبيب، وربما كل إسرائيل الأوهن من بيت العنكبوت… وصولاً إلى الصلاة في القدس!.
اليوم، تبيَّن بالعين المجردة والأدلة الدامغة الملموسة وبصورة واضحة وجليّة، أن هذا السلاح فشل في تحقيق ذلك، بل ربما كان السبب المباشر في تدمير مئات القرى وتهجير كل سكان الجنوب والضاحية الجنوبية وعشرات القرى في البقاع، إضافة إلى آلاف القتلى والجرحى، ولم يستطع هذا السلاح حماية حتى عناصر ومسؤولي “الحزب”، وصولاً إلى السيد نصرالله وخليفته!.
بغض النظر عن فعالية هذا السلاح أم لا، ونقصد هنا سلاح الـ100 ألف صاروخ الرادعة لإسرائيل، فقد عملت إسرائيل على تدمير هذه الترسانة بكاملها تقريباً، بالتالي لم يعد يوجد ما يُعتبر من سلاح خارج الأسلحة الفردية والمتوسطة التي يملكها حتماً الجيش اللبناني وبكميات كبيرة جداً، وبالتالي، لم يعد هناك من سلاح خاص بالاستراتيجية الدفاعية، لا من ناحية الوجود الفعلي ولا من ناحية الفعالية. لذلك، لم يعد هناك عملياً أي وجود لاستراتيجية دفاعية، إلا التي تضعها قيادة الجيش اللبناني فقط لا غير، بناء على اختصاصها في الدفاع عن لبنان وحماية شعبه.
هذا علماً أن الجيش اللبناني هو من أقوى جيوش المنطقة، ويملك ترسانة كبيرة من الأسلحة الثقيلة، وهو مدرَّب ومجهَّز من القوى الغربية ويحظى بحمايتها من أي عدوان عليه، ما يجعله قادراً على حماية الوطن بأكمله أكثر بآلاف المرات من أي ميليشيا أو فصيل، وهو يحظى بتأييد ودعم كل اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم.
لذلك، كل كلام عن استراتيجيات دفاعية لم يعد له أي لزوم، والواقع يفرض على الجميع التسليم بهذا الأمر وتسليم هذه المهمة للجيش اللبناني فقط، ومن يظن أن لديه ما يفيد الجيش في هذه المهمة، فليتفضل وليقدّم له ما يفيده ويفيد لبنان.
أما بالنسبة للمسؤولين السياسيين اليوم، فبربّكم ماذا تنتظرون؟. لعلّ البعض كان يعذركم ويجد لكم الأسباب التخفيفية بسبب خوفكم ممّن كان يرسل لكم المراسيل ويرسم لكم خطة سيركم وما هو المسموح وغير المسموح لكم، لأنه هو الذي ساهم في وصولكم. أما اليوم بعد أن أصبحتم محررين من كل الضغوط، ما الذي يمنعكم من أخذ زمام المبادرة للقول لكل العالم بأن لبنان اتخذ القرار بإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب ليقوم بكل ما يجب لتطبيق كل قرارات مجلس الأمن، بالتعاون والتنسيق وإشراف القوات الدولية الموجودة هناك؟، خصوصاً أن كل اللبنانيين، ومن ضمنهم الكثير من البيئة التي كانت حاضنة لـ”الحزب” والتي ذاقت الأمرَّين بسبب قراراته الخاطئة القاتلة المدمرة المميتة، بات الجميع يسلِّم بأن لا خلاص إلا بالدولة اللبنانية وحدها فقط لا غير.
لديكم الفرصة الآن لتكفّروا عن كل ذنوبكم، علّ التاريخ يرحمكم، وإلا، سيرميكم إلى حيث رمى الكثيرين قبلكم.