في ظل التوترات الاقتصادية المتزايدة والمخاوف المتصاعدة من تباطؤ النمو العالمي، تبرز الحواجز التجارية كأحد التحديات التي تهدد الاستقرار الاقتصادي وتعيد إحياء الضغوط التضخمية. ومع تزايد القيود الجمركية والعوائق أمام التجارة الدولية، يعود التساؤل حول مدى تأثير هذه الحواجز على الأسعار إلى الواجهة، خاصة في ظل تصاعد انعدام الثقة بين القوى الاقتصادية الكبرى.
فقد حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، من أن هذا التوجه نحو تقييد التجارة قد يعيد إحياء الضغوط التضخمية ويدفع الأسعار إلى الارتفاع، مما يعقد مهمة البنوك المركزية في الحفاظ على استقرار الأسعار، ويدفع خبراء ومهتمين للتساؤل فيما إذا كان الاقتصاد العالمي سيواجه خطر التضخم الذي طالما سعى العالم للسيطرة عليه؟ وهل تهدد الحواجز التجارية المكاسب التي تم تحقيقها في مكافحته؟
تحذير لاغارد جاء في بيان خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي في واشنطن، حيث قالت: “إن التعاون الدولي أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى لضمان استمرار نمو الاقتصاد العالمي بالمعدلات الحالية، ومن الضروري ألا تؤدي المخاوف المشروعة بشأن الأمن ومرونة سلاسل التوريد إلى دوامة من الحماية التجارية.”
وأشارت لاغارد إلى أن المزيد من الانقسام في النظام التجاري العالمي من المرجح أن يدفع الأسعار للارتفاع، سواء من خلال زيادة تكلفة المدخلات للشركات أو من خلال تقليص البدائل المتاحة للموردين الحاليين إذا دعت الحاجة، وسيكون من الصعب على البنوك المركزية ضمان استقرار الأسعار في ظل هذه الظروف”.
على مدى السنوات الأخيرة، كثفت البنوك المركزية الكبرى جهودها لمكافحة التضخم الذي شهد ارتفاعاً ملحوظاً نتيجة الأزمات الاقتصادية واضطرابات سلاسل التوريد مما شكل ضغطاً غير مسبوق على المستهلكين، حيث تبنّى الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا وغيرها سياسات نقدية صارمة شملت رفع أسعار الفائدة بشكل متكرر.
في الولايات المتحدة وصل التضخم إلى 9.1 بالمئة في يونيو 2022، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من أربعة عقود، حيث حاول الاحتياطي الفيدرالي إبطائه من خلال رفع أسعار الفائدة، ليصل إلى 2.4 بالمئة في شهر سبتمبر الماضي.
بينما بلغت ذروة التضخم في منطقة اليورو 10.6بالمئة في أكتوبر من العام نفسه مسجلاً أعلى مستوى تاريخياً، حيث حاول البنك المركزي الأوروبي إبطائه ليصل في سبتمبر الماضي إلى 1.7 بالمئة وهو رقم أقل من هدف المركزي البالغ 2 بالمئة، ووصل التضخم في المملكة المتحدة إلى أعلى مستوى منذ 41 عاماً عند 11.1بالمئة نهاية عام 2022، وبعد محاولات بنك انجلترا خفضه وصل إلى 1.7 في المئة في سبتمبر الماضي وهي أدنى قراءة له منذ أبريل 2021.
تحركات الحواجز التجارية على الساحة العالمية
تشهد الساحة التجارية العالمية تحركات ملحوظة نحو فرض الحواجز التجارية، حيث برزت الولايات المتحدة كأحد أبرز الفاعلين في هذا الاتجاه. فتصاعدت الحرب التجارية بين أميركا والصين منذ عام 2018، عندما تبادلت واشنطن وبكين فرض رسوم جمركية على منتجات بعضهما بقيمة 34 مليار دولار، ووصلت قيمة المنتجات الصينية، التي فرضت عليها واشنطن خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تعريفات جمركية، نحو 350 مليار دولار، بحسب تقارير صحفية.
وعلى الرغم من تغير السلطة في البيت الأبيض ووصول الرئيس جو بايدن فإن التوترات بين البلدين قد تضاعفت وتوسعت لتشمل قطاعات الرقائق والذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية، كما امتدت جغرافياً لتشمل أوروبا التي انضمت لحليفتها أميركا في فرض رسوم جمركية على العديد من المنتجات الصينية مما أدى إلى زيادة تكلفة السلع المستوردة وتأثيرها على الأسعار المحلية.
وفي السياق قالت لاغارد : “إن تقديرات خبراء الاقتصاد في البنك المركزي الأوروبي تشير إلى أن الحواجز الجديدة التي تستهدف المنتجات الاستراتيجية قد تؤدي إلى خسائر في الإنتاج تعادل 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي”.