لقد نجا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من محاولات اغتيال عدة من قبل الميليشيات المرتبطة بالنظامين السوري والإيراني على مر السنين، مع محاولة كانت الأخطر في العام 2012 عندما تفادى رصاصات من العيار الثقيل أطلقها قناص من مسافة بعيدة نسبيا، لأنه انحنى فجأة.
جعجع الذي أصبح قائد القوات اللبنانية منذ العام 1986، والتي باتت اليوم حزباً سياسياً مسيحياً يمينياً، يبلغ من العمر 72 عامًا وهو حاليا لاعب رئيسي في إطار الحركة السياسية في لبنان التي تنشط في جانب كبير منها خلف الكواليس لتحديد مسار جديد وإنقاذ البلاد من أزمة ضخمة أخرى.
بعيد الاجتياح الإسرائيلي الذي يرمي إلى تدمير “الحزب”، يُعتبر جعجع حالة استثنائية بين زعماء الأحزاب اللبنانية عندما يتعلق الأمر بما يجب القيام به في مواجهة الأمر الواقع. وقد انطبعت في آرائه بوضوح خصومته لـ”الحزب” كميليشيا خارج الدولة ومن خلالها لراعيها المتمثل بالنظام في طهران.
وفي حين يراهن زعماء الأحزاب اللبنانية الأخرى على وعود بإصلاحات وترتيبات معينة للحصول على موافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار، لا يعتقد جعجع أن هذا سيكون كافيًا، إذ إنه يعتبر أن لبنان يحتاج إلى الشروع بجدية في تغيير سياسي كبير واتخاذ خطوات لضمان عدم استخدام “حزب الله” جنوب لبنان مجددا كقاعدة لإطلاق الهجمات، قبل أن يتم الرهان على إسرائيل كي تتراجع.
ومن الواضح ان جزءا من رأيه يتشكل من قناعته بأن “الحزب” وإيران هما وجهان لعملة واحدة
وفي مقابلة خاصة مع “بوليتيكو” قال جعجع: “لا يوجد “الحزب” وإيران كحالتين منفصلتين – هناك إيران فحسب”. وأضاف: “بالنسبة لطهران، لا توجد حدود بين إيران والعراق ولبنان وسوريا، لا توجد أي حدود”.
ويعتبر جعجع أن لبنان الآن أمام فرصة رئيسية لتحرير نفسه من قبضة طهران. وفي الواقع انه موقف قد يكون خطرًا، وله محاذيره.
المقابلة مع رئيس القوات اللبنانية أجريت في بلدة معراب – في مجمع واسع يُمكن الدخول إليه عبر ثلاث نقاط تفتيش بعناية، مع باب فولاذي ضخم يحمي المدخل الرئيسي لمقر الحزب ومنزل جعجع.
وفي رأيه، إذا تمكن لبنان من تحقيق الخلاص هذه المرة، فإنه يأمل ألا يكون لدى “الحزب” اي خيار سوى نزع سلاحه وحل قوته العسكرية، إذا طلب البرلمان ذلك. كما يعتقد أن اللبنانيين وخصوصا الشيعة في لبنان “سيتفهمون ولو بوتيرة بطيئة أن ما قاله “الحزب” لهم في الماضي لم يكن صحيحًا وأن “الحزب” قادهم إلى الكارثة التي يعانون اليوم.
وعما إذا كان يعني ذلك أن إسرائيل تقدم معروفا للبنان من خلال مهاجمة لحزب”؟
أجاب جعجع: “كوني لبنانيًا، لا أستطيع الموافقة على أي هجوم على لبنان”. لكنه اعترف بأن “الآثار الجانبية للحرب شيء آخر”. وأضاف: “لدى الإسرائيليين أولوياتهم. هذه هي أعمالهم وشأنهم. أما نحن فلدينا أعمالنا”.
يشار إلى أن القوات اللبنانية سبق وتعاونت مع إسرائيل في أوائل الثمانينيات خلال الحرب “الأهلية”. لكن جعجع إعترف في العام 2012، في إحدى المقابلات، بأن ذلك كان خطأ، لافتا الى أن “الخطأ الأكبر كان عبر تطويق المسيحيين في لبنان وحشرهم في الزاوية، بحيث لم يكن لديهم أي خيار آخر”.
اليوم، جعجع هو من بين أكثر الأصوات الوطنية إصرارًا في لبنان على الدفع نحو تسريع الإصلاحات السياسية الكبرى وكبح جماح “الحزب”. لقد سمح الفشل في ذلك ماضياً لـ”الحزب” بجرّ البلاد إلى حرب كان معظم اللبنانيين يصلّون بحرارة ألا تطاولهم وتصيبهم، منذ هجوم حماس على إسرائيل العام الماضي، كما قال جعجع.
ويضيف: هذه المرة، يجب أن يكون لبنان جادًا في شأن تنفيذ قرار الأمم المتحدة 1701، والذي أنهى حرب ال 2006 بين إسرائيل “الحزب “.
ويريد جعجع أن يذهب أبعد من ذلك، داعياً الى التزام لبنان قرار مجلس الامن الدولي رقم 1559 والذي اتخذه في العام 2004
قال: “لقد عشنا في السنوات العشرين والثلاثين بل الأربعين الماضية من دون دولة فعلية في لبنان. وقد تم اتخاذ القرارات الاستراتيجية والأساسية باسم لبنان خارج البلاد”، ولذلك يجب أن يأتي التغيير “من أجل مصلحتنا الخاصة كلبنانيين، وليس من أجل مصلحة أميركا، ولا من أجل مصلحة إسرائيل”.
ويعتبر أنه يجب على السياسيين والأحزاب التوقف عن محاولة تدوير الزوايا وفق السياسة الطائفية القديمة. ويقول: “إننا نحتاج إلى مسار واضح لأنه من غير المقبول لدولة مثل لبنان أن تعيش أكثر من 35 عامًا في فقاعة من الأكاذيب”.
والخطوة الأولى هي الاتفاق على رئيس للجمهورية – فقد كانت الرئاسة شاغرة نحو عامين بسبب الصراعات السياسية و”حق الفيتو” الذي فرضه “الحزب”. يجب أن يكون الشخص المختار شخصًا جادًا في دفع الإصلاح قدماً، كما قال. والعماد جوزيف عون، قائد الجيش اللبناني، هو واحد من المرشحين الذين يناسبون هذا الموقع، كما قال جعجع – لكنه ترك الباب مفتوحًا أمام أسماء أخرى أيضًا.
على مدى العام الماضي، حافظ جعجع على وتيرة عالية من الانتقادات ل “الحزب”، محذرًا من أنه سيجر لبنان إلى حرب شاملة مع إسرائيل بسبب هجماته الصاروخية عبر الحدود على إسرائيل تضامنًا مع حماس، الشريك الآخر في محور الممانعة الإيراني.
تلك الحرب التي توقعها جعجع أصبحت الآن الى حد ما على بابه، حتى في معراب، ملاذ جعجع الجبلي المطل على البحر الأبيض المتوسط.
لقد تم بناء المجمع كمقر للحزب ولإقامة جعجع قبل أكثر من 30 عامًا، خلال الحرب الأهلية من 1975 إلى 1990. وقال: “بدأنا البناء خلال فترة الحرب. لذا أخذنا بعين الاعتبار أنه يجب أن يكون قويًا ومتينا ما يكفي لتحمّل اي قصف محتمل”. ويعتقد رئيس القوات أن محاولة الاغتيال في العام 2012 كانت قد تمت بعد أسابيع من المراقبة السرية للمجمع، حيث عرف المخططون مسار حركته دخولا وخروجا.
جعجع ليس القائد العسكري الوحيد الذي ينتمي الى مرحلة الحرب ويسعى لرسم مسار للبنان. ففي حصن جبلي آخر، في جبل الشوف، جنوب شرق بيروت، يحاول زعيم الدروز وليد جنبلاط أيضًا نسج طريق للمضي قدمًا.
يضع جنبلاط الفلسطينيين في صميم تفكيره، وأبلغ “بوليتيكو” بأنه يخشى أن تكون إسرائيل عازمة على محو الهوية الفلسطينية تماما، قائلا: هذا تاريخ الصهيونية”.
على نقيض من ذلك، لم يذكر جعجع الفلسطينيين أو غزة خلال مقابلته مع “بوليتيكو”.
ويشير جعجع الى أنه لا يملك خريطة طريق مفصلة في ذهنه. مستطرداً: “إذا كان لديك ألف مشكلة، فلا يمكنك محاولة حلها كلها في الوقت عينه. يجب أن تذهب خطوة بخطوة، ثم تحاول مراكمة الزخم. هذا ما نحاول القيام به. لن أكون صادقاً إذا أخبرتك أنني أعرف تلك الخطوات كلها. لا، لكنني أعرف الاتجاه حتما”
يعتمد جعجع على صبره وقدرته على التحمل، فقد تعلمهما من السنوات الاحدى عشرة التي قضاها في زنزانة الاعتقال الانفرادي. فهو كان الزعيم الوحيد من الحرب الأهلية الذي إعتقل. لقد استفاد الآخرون من عفو أو تم حمايتهم من خلال قبولهم مناصب وزارية، لكن جعجع رفض مرتين عروضا وزارية بسبب السيطرة الفاضحة للنظام السوري على الحكومة. وفي النهاية، اتخذ أول برلمان بعد ثورة الأرز وانسحاب القوات السورية من لبنان قرارا سريعا وبالاكثرية الساحقة بالعفو عنه.
وعند سؤاله كيف تحمّل فترة اعتقاله الطويلة وظروفها، ابتسم وقال: “نحن، الموارنة المسيحيون في لبنان، لدينا العديد من النساك. لقد تعلمنا منهم”.