كما في غزة كذلك في لبنان، النهج ذاته والأسلوب نفسه يتّبعه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في مفاوضات وقف إطلاق النار، فهو يبدي استعداده للتفاوض من جهة، ومن جهة أخرى يضع الشروط التعجيزية التي يدرك سلفاً بأن خصمه لن يقبل بها، فيحرجه ليخرجه من التفاوض، وبعدها يعود ليعوّل على الآلة العسكرية.
مصادر متصلة بمجريات المفاوضات، تجزم بأن “لا اتفاق لوقف إطلاق النار في القريب العاجل، والأمور لا تزال على حالها، فنتنياهو يجيد سياسة التفاوض ووضع الضغوط اللازمة والشروط التعجيزية على خصمه من أجل رفضها، ويخرج بعدها ويقول بأن الطرف الآخر نسف المفاوضات، إنها السياسة ذاتها التي اتبعها نتنياهو في مفاوضات غزة، وهي كثيرة، وفي كل مرة كان يضع الشروط ويقوم بمناورة ويبدي رغبته في التفاوض، لكنه في الحقيقة هو يعتمد هذا الأسلوب لتطيير أي مفاوضات لا تناسبه لأنه يعتبر بأنه انتصر وحقق الكثير من الانجازات، بالتالي يريد وضع الشروط التي تظهر أن إسرائيل انتصرت، فإما يقبل الطرف الآخر بالاستسلام أو أن الضربات ستستمر، هذا ما يعنيه نتنياهو عندما يقول إنه يريد التفاوض تحت النار”.
تضيف المصادر ذاتها عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني: “هناك عامل أساسي يتصرف نتنياهو وفقاً له، فهو يدرك أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايد تعيش أيامها الأخيرة، فهو يقبل بالجلوس على طاولة المفاوضات للقول لبايدن إنه منفتح على الحلول الدبلوماسية، أما في الواقع، فهو ينتظر نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية المنتظرة في 5 تشرين الثاني، ليبني على نتائجها ويحدد المسار النهائي الذي سيتبعه، فهو يصيغ ويقترح المسودات، وفي حال فوز كاملا هاريس، يقول لإدارتها ها هي المقترحات التي وضعتها والتي إدارتكم وافقت عليها، أما في حال فوز دونالد ترمب، فيقول له إنه وضع مجرد اقتراحات لم يسر بها إلى النهاية، وعندها يسير بالاقتراح الذي يضعه ترمب. ما يعني أن نتنياهو يسير على الحبلين، الجمهوري والديمقراطي، إلى حين نضوج المشهد الرئاسي الأميركي.
توازياً مع السلوك الإسرائيلي، فإن السلوك الإيراني لا تختلف صورته عن المشهد الإسرائيلي. فإيران التي تعرّضت لضربة إسرائيلية كان الهدف منها إيصال رسالة صارمة بأنها تحت مرمى الطائرات الحربية الإسرائيلية في أي وقت، وأن إسرائيل قادرة على الوصول إلى عمق أراضيها، قرأت الرسالة جيداً، ووضعت استراتيجية جديدة بالتعامل مع الملفات الشائكة، خصوصاً تلك التي لها علاقة بأذرعها.
مصادر دبلوماسية عربية ترى عبر موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “طهران بعدما كانت تعتمد سياسة القتال خارج أرضها وإبعاد النيران عنها عن طريق نقل المواجهة مع إسرائيل من خلال الساحات التي تملك نفوذاً فيها عبر أذرعها، وجدت نفسها اليوم محاطة بالنيران الإقليمية التي تهدد مصالحها. فسرعة انهيار أبرز ساحات إيران من غزة إلى لبنان، أحرج النظام الإيراني وبات يشعر بالمخاطر المحدقة، وهذا الأمر وضع على طاولة سريّة داخل غرفة القرار بطهران، بأنه يجب إعادة النظر بالسياسات المتعلقة بدعم الأذرع التابعة لها والتي باتت تشكل خطراً وتهدد مصالح إيران النووية، ومن جملة القرارات، التخلي عن بعض الأذرع أو لجمها إلى الأبد، والاعتماد على السياسة والدبلوماسية مع واشنطن للحد من الأضرار، خصوصاً بعدما سلّفت الإدارة الأميركية إيران ضربة محدودة الأهداف من قبل إسرائيل”.
المصادر ذاتها تؤكد، أن “سياسة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان باتت أكثر اعتماداً داخل النظام الإيراني بعد سنوات من الفشل على يد الحرس الثوري الإيراني وتوجهاته التي أضرّت بمصالح إيران، بالتالي، هناك توجه واضح لدى الدبلوماسية الإيرانية وخصوصاً نهج محمد جواد ظريف، الذي يعتبر أن أذرع طهران باتت حملاً ثقيلاً، ولم تؤدِّ المطلوب منها، ولم تستطع إبعاد إسرائيل عن الأراضي الإيرانية، وبدلاً من إلهاء إسرائيل عن إيران جلبت المخاطر والتهديد الإسرائيلي إلى العمق الإيراني، ولذلك يجب إبعاد هذا التهديد عن طريق الدبلوماسية والدخول في مفاوضات جديدة، والمساومة على لجم الأذرع مقابل أمن إيران القومي والحيوي”.
تتابع المصادر: “هذه الدبلوماسية الجديدة، تنتظر بدورها على غرار إسرائيل نتائج الانتخابات الأميركية والبورصة المحددة لها لتدخل السوق الأميركي للمفاوضات، لكنها تنتظر وجهة هذا السوق، فإذا كانت البورصة الجمهورية هي الفائزة، ستكون الأثمان التي يجب أن تدفعها إيران مرتفعة جداً، تبدأ من غزة ومروراً من لبنان ولا تنتهي في العراق واليمن، أما إذا كانت البورصة الديمقراطية هي الفائزة، فإن الثمن سيكون أخف وطأة على إيران، إذ يمكن تحديد خسائرها وحصرها في غزة ولبنان، أي سيكون الثمن الذي على إيران دفعه محصوراً بحركة ح و”الحزب”، ولجم بقية الأذرع بدلاً من الإجهاز عليها”.