القرارات الأمميّة بين التطبيق وعدمه

حجم الخط

القرارات الدولية

تمثل قرارات الأمم المتحدة أداة مهمة في النظام الدولي للتعبير عن توافق الدول الأعضاء بشأن القضايا العالمية، من مثل النزاعات الدولية، وحقوق الإنسان، والبيئة، والتعاون الاقتصادي. وسواء أكانت مقرارات صادرة عن الجمعيّة العامة أو قرارات صادرة عن مجلس الأمن، إلا أنها تلعب دورًا رئيسيًّا في توجيه سياسات الدول الأعضاء وتعزيز السلم والأمن الدوليّين. ولأنّ لبنان في وسط منطقة تملؤها النزاعات، نال حصّة الأسد من القرارات الدّوليّة. لكن تمّ الالتفاف عليها بالتعطيل وعدم التطبيق تحت ذرائع وحجج واهية، حتّى بات بعضهم يسأل عن جدوى تطبيقها بعد مضي سنين على استصدارها مقابل تمسّك ومطالبة بعضهم الآخر بتطبيقها عملًا بمبدأ السيادة.

أبرز القرارات التي طفت على واجهة الصراع السياسي من جديد في لبنان والمنطقة بعد اندلاع حرب غزة في تشرين الأول 2023 ودخول “الحزب” فيها تحت عنوان حرب إسناد جبهة غزّة، هي القرارات 1559 و1680 و1701.

سفير لبنان الأسبق في واشنطن رياض طبّارة أوضح لـ”المسيرة” أنّ قرار مجلس الأمن 1559 صدر في العام 2004  بعد أن “فشلت أميركا وحلفاؤها (فرنسا وإيطاليا) في فرض الأمن في لبنان، وأوكلت الأمر سنة 1984 لسوريا ضمن شروط حول عديد قواتها وأماكن انتشارها. وبعد ثلاثين عامًا قررت أميركا إنهاء الدور السوري في لبنان، وبالتالي على سوريا سحب قواتها، لكن سوريا لم تتجاوب”.

ويعتبر طبّارة أنّ “القرار 1559، الذي تقدمت به أميركا وفرنسا، جاء كإنذار أميركي لسوريا إذ طالب بانسحاب كل القوات الأجنبية (ضمنًا سوريا) من لبنان. كما احتوى القرار على بنود سيادية أخرى، إذ طالب بنزع سلاح الميليشسيات (ضمنًا الحزب) وبسط سلطة الدولة على كلّ أراضيها وإجراء انتخابات رئاسيّة عادلة وحرّة”، مشيرا الى أنّ هذا القرار لم يصدر بعد حرب كما هي الحال بالنسبة للقرار 1701.

أمّا عن القرار 1680 الصادر في العام 2006 فيعتبر طبّارة أنّه “جاء بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبعد انسحاب القوات السورية ليؤكد على البنود السيادية في القرار 1559. هذا القرار، الذي قدمته أيضًا أميركا وفرنسا إضافة إلى المملكة المتحدة هذه المرة، طالب سوريا بالتجاوب مع طلب لبنان بترسيم الحدود اللبنانية السورية وتبادل التمثيل الدبلوماسي. والهدف منه التأكيد على سيادة لبنان وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي”.

القرار 1701 يختلف عن هذين القرارين، ويوضح طبارة أنه “جاء لإنهاء حرب قائمة بين “الحزب” وإسرائيل، ومن هنا كان البند الأول الذي نص على وقف الأعمال العدائية. كما أكد على البنود السياديّة من مثل نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة وأهمية سيطرة الدولة على جميع أراضيها وبالتعاون مع قوات اليونيفيل جنوب نهر الليطاني”.

الإشكاليّة الكبرى كما يراها طبّارة تُطرح حول ماذا تحقق من هذه القرارات كلّها فيفنّد أهميّتها في صلب القضيّة اللبنانيّة.

أولاً: القرار 1559 ساهم في إخراج القوات السورية من لبنان ولكن للأسف بعد اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه.

ثانيًا: القرار 1680 لم يحقّق ترسيم الحدود مع سوريا، إلا أنّ التبادل الدبلوماسي حصل بعد سنتين من صدور القرار.

ثالثًا: القرار1701 ساعد بشكل مباشر في إنهاء الحرب الدائرة في حينه ما حدّ من الخسائر البشرية والمادية.

رابعًا: لهذه القرارات، كما لكلّ قرارات الأمم المتحدة، وزن معنوي، خصوصًا أنها تعاطت بشكل مباشر مع مكوّنات سياديّة قليلاً ما نجدها في قرارات مجلس الأمن.

خامسًا: يبقى قسم كبير من هذه القرارات غير مطبّق ولكن ما تحقّق منها هو لربّما أكثر ممّا حققته قرارات الأمم المتحدة في معظم الأنحاء الأخرى من العالم، مع العلم أن إسرائيل هي أكثر دولة في العالم رفضت الرضوخ إلى قرارات الأمم المتّحدة وأكثر دولة استعملت الولايات المتحدة حقّ الفيتو لحمايتها.

ويختم طبّارة أنّ “القرار 1701 قد يساعد في الوصول إلى نهاية الحرب الدائرة حاليًّا بين الحزب وإسرائيل أو إلى عدم توسّعها. إلا أنّ النموذج الذي قد يكون الأمثل لإنهاء هذه الحرب هو نموذج تفاهم نيسان لسنة 1996. هذا التفاهم غير المكتوب (سوى في بيان من وزير خارجيّة الولايات المتحدة)، ويرى أنّه “نجح في إنهاء المواجهة بين “الحزب” وإسرائيل وقد قامت بالمفاوضات الدولة اللبنانيّة، بقيادة الرئيسين رفيق الحريري ونبيه بري”.

ويخلص طبّارة باستنتاج لإنهاء حرب 8 تشرين الأول استمدّه من تجربته الديبلوماسيّة حيث يرى أنّ “هذا التفاهم، بأبعاده الثلاثة، السياسي والأمني والإعماري، قد يشكل نموذجًا متكاملاً، كما يعطي للدولة، في الوقت ذاته، الحقّ الحصري في التفاوض وفي اختيار تفاصيل أي تسوية محتملة”.

بعد هذا الاستعراض العمليّ لتاريخ صدور هذه القرارات، وتطبيقها باستنسابيّة لا تتماشى مع مبدئيّة صدورها بل مع المصالح الدّوليّة وحسب في ذاكرة السفير رياض طبّارة الديبلوماسيّة، لا بد من مراجعة تاريخيّة معاصرة لهذه المرحلة وللأخطاء التي ارتكبت باسم القرارات الدّوليّة. ويكفي التذكّر كيف تمّت عرقلة تنفيذ بعض القرارات تماشيًا مع متطلّبات محليّة كما حصل مع القرار 1559 يوم قام بعض الأفرقاء اللبنانيين من التيار السيادي واجترحوا نظريّة لبننة منظّمة “الحزب”. فتوقّفت الاندفاعة الدّوليّة التي كانت سائدة آنذاك لاستكمال تطبيق هذا القرار. ليُترك اللبنانيّون لأقدارهم. وأثبتت التجارب ولو بعد حين، صحّة آراء الذين اعترضوا على هذه الاستراتيجيّة الخاطئة التي دفع لبنان ثمنها بعد 14 آذار 2005 وفي حرب الـ2006 وانقلاب السابع من أيّار 2008، وما حصل بين هاتين المرحلتين من اغتيالات سياسيّة؛ وصولًا حتّى إغراق البلاد والعباد في أزمات الإفلاس الاقتصادي والانهيار النّقدي والحرب الاقليميّة المدمّرة لوجوديّة الوطن.

السفير المتقاعد والأستاذ الجامعي د. جان معكرون يشير عبر “المسيرة” الى أنّ “التطوّر الخطير المستجّد في جنوب لبنان فَرضَ علينا إعادة دراسة القرارات الأممية الثلاثة أي 1559 الصادر عام 2004 والقرارين 1680 و1701 الصادرين عام 2006، بهدف النظر في مدى ملاءمتها للواقع العسكري الطارئ. ويقودنا التمعّن في جميع هذه القرارات إلى القول إنّها هدفت إلى إشاعة السلام في لبنان وإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل وإيقاف عدوانها وانسحاب جيشها ونزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وبسط الحكومة سيطرتها وسيادتها على كامل الأراضي اللبنانية”. أمّا في ما خصّ القرار الأخير 1701 الصادر في أيلول 2006 يعتبر معكرون أنّ “هذا هو القرار الأساس المتعلّق بالأعمال القتالية في جنوب لبنان مع إسرائيل”.

ويعتقد معكرون أنّ هذه القرارات الشاملة تهدف الى تثبيت سيادة لبنان على أراضيه بما يتوافق مع ما نصّت عليه مقدّمة الدستور اللبناني في البند ـ د، أي أنّ المؤسسات الدستورية تمارس السيادة باسم الشعب اللبناني. وحيث أن الحكومة هي رأس هذه المؤسسات كان من المنطقي والطبيعي أن تبسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية إذ لا سلطة أخرى خارج الإطار الشرعي تعلو عليها.

ويستغرب معكرون “كيف لأعلى هيئة أممية تطالب بأن تمارس الدولة اللبنانيّة سيادتها، في حين قصّرت مكوناتها اللبنانيّة الداخليّة في تحقيق هذا الهدف!”. ومعلوم أنه من حيث المبدأ الديبلوماسي أن يدعو مجلس الأمن، استنادًا إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، إلى حلّ المنازعات الدولية بالطرق السلمية أي المفاوضات. وهو يُصدر في هذا المجال توصيات غير ملزمة.

وانسجامًا مع ما ورد في ديباجة ومقاصد ومبادئ الميثاق، يرى “أنه يجدر بأطراف النزاع أن يعتمدوا التفاوض وسيلة وحيدة لحلّ خلافاتهم. ففي السياسة الدولية توجد مصالح كما تتحكّم موازين القوى على الأرض في فصل وحلّ المنازعات. والفريق الأقوى يفرض شروطه وقراره في حين يرضخ الفريق الأضعف إلى ما يُفرض عليه، وهذا هو المنطق السائد في السياسة الدولية كما عبّر عنه المؤرخ اليوناني  Thucydides”.

واضعًا فرضيّة فشل فريقي النزاع في الالتزام بتوصيات مجلس الأمن، يعتبر معكرون أنّه “لا بدّ لهذا الأخير من الركون إلى الفصل السابع مفترضًا وقوع تهديد للسلم أو إخلال به أو حصول عمل من أعمال العدوان وعندها يقرر استعمال القوة المسلحة لفرض قراراته. ومهما يكن من أمر فإنّ العبرة تكمن أولاً وآخرًا في اقتناع طرفي النزاع بأولوية الحوار ولا بدّ في نهاية المطاف من أن يجلس المنتصر والمنهزم حول طاولة مفاوضات لإجراء تسوية”.

ومن هذا المقترب نرانا مقودين إلى القول “إنّ القرار 1701 يفي بالغاية المتوخّاة لمعالجة الأزمة الراهنة في جنوب لبنان لأنه يحيط بالأمور من جميع جوانبها وعلى الأخص تضمّنه الإشارة إلى القرارين 1559 و1680، وبالتالي لا نجد الحاجة ماسّة إلى استصدار قرارات أمميّة جديدة لأنه لم يطرأ أي جديد يذكر على ساحة العمليات، من حيث الجهات المتورّطة في العمل الحربي أو من حيث ميدان المعارك”.

ويلفت معكرون الى وجود صعوبة في أن يتوصل مجلس الأمن إلى قرار جديد في ظلّ هذه الظروف الدولية المتوترة، وعلى الأخص بين الدول الخمس الكبرى، معتبرا أنّه “في حال أصدر مجلس الأمن قرارًا جديدًا فإنه سيكون مشابهًا للقرار 1701 وقد يكتفي بدعوة الفريقين المتنازعين إلى وقف إطلاق النار”.

 

كتب د.ميشال الشماعي في “المسيرة” ـ العدد 1758

القرارات الأمميّة بين التطبيق وعدمه

طبارة: “تفاهم نيسان” النموذج لإنهاء الحرب في لبنان

معكرون: لا حاجة لاستصدار قرارات أممية جديدة

 

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل