“أبيض أحمر”.. كان لا بدّ من نفض الغبار عنها

حجم الخط

أوراق الحرب… لطالما تمنينا أن نطويها إلى الأبد. أن تصبح مجرد أوراق في كتب يقرأها جيل ما بعد الحرب الأهلية ويتعلّم منها دروسًا. لكنها بقيت مشرّعة على فصول ستُكتب أيضًا بالأبيض والأحمر لكن في ما يسمّى بزمن السلم.

ثمة من سيقول: “لماذا تعيدون فتحها اليوم؟ ولماذا تعودون إلى تلك الأيام التي دمّرت البشر والحجر وهجّرت الآلاف وسقط فيها مئات الآلاف من الأبطال الذين حملوا البندقية والرشاش دفاعًا عن الوجود وكرامة الإنسان، عدا عن المعتقلين والمعوقين؟”.

صحيح أننا في كل 13 نيسان نقول “تنذكر وما تنعاد”، لكن من قال إن الحروب تُخاض فقط بالمدفع والرشاش والراجمات واليوم بالمسيّرات؟ ثمة حروب أكبر وأشد خطرًا على الوجود، وكما وقف الأبطال على الجبهات لمواجهة كل من يجرؤ على اقتلاع اللبنان من جذوره وتاريخه وهويته وثقافته سنحارب لكن بسلاح الكلمة والإرادة والصمود والموقف!

نفتحها لنقول إلى كل من تَربّى ويُربي جيلاً على ثقافة الحرب ويهيئ لحروب تحت شعار “المساندة” حينًا، والدفاع عن أرض الآخرين حيناً آخر، وإسناد جبهات لا ناقة للبنانيين فيها ولا جمل… إتعظوا!

نفتحها ليس بهدف إعادة إحياء أحقاد وحفر أثلام الكراهية ورفع السواتر النفسية بين اللبنانيين. نفتحها لتكون عبرة لجيل جديد لم يتعرّف إلى حقيقة تاريخه وماذا فعل المحتل بأرضه وشعبه وماذا خلّف وراءه من أوراق كُتِبت بدماء الشهداء.

نفتحها إكرامًا وتقديرًا لشعب يعشق الحياة ويؤمن بوجوده وهويته اللبنانية التي نسجها نساك قنوبين وباركها القديسون، أن الأوطان لا تُبنى بالتسويات ولا تُحكم بقوة السلاح والاستيلاء على الدولة القانون والمؤسسات.

نعم نقولها بالفم الملآن: لا للحرب إلا دفاعًا عن أرض وهوية وكرامة شعب يستحق العيش في وطن وجمهورية قوية. والتاريخ يشهد على قوافل الشهداء التي لا تزال تستقبل أبطالاً استشهدوا في زمن السلم على أيدي مجرمين وحاقدين ومستظلين بهيبة السلاح.

إنها أوراق الحرب… نعود إلى صفحاتها مع شهادات دوّنها الإعلامي والمسعف السابق رائد جرجس في كتاب بعنوان “أبيض أحمر” صادر عن دار سائر المشرق يروي فيه فصولا من محطات عاشها مسعفون في الصليب الأحمر اللبناني خلال المعارك وفي سطورها سيتعرف الكثير من الجرحى من خلال الأحرف الأولى لأسمائهم على “الملاك الأبيض” الذي أنقذ حياتهم، وسيقرأ أهالي شهداء كثر تفاصيل اللحظات الأخيرة لأولادهم قبل أن ينتقلوا إلى أحضان يسوع.

ومع هذه الروايات المكتوبة بالأبيض والأحمر نستذكر محطات فكّرنا أننا طويناها إلى الأبد لكن كان لا بد من إعادة نفض الغبار عنها.

بالأبيض والأحمر الذي جمعه جرجس في كتاب اختصر فيه عمل الصليب الأحمر وتضحيات المسعفين بأربع كلمات “إلى ما وراء الواجب”، تنشر “المسيرة” في كل عدد فصولا تحاكي جيل الحرب وما بعده..

 

عندما يفقد المسعف أقرباءه

غني عن القول إن أصعب ظرف يعيشه المسعف خلال الحرب عندما يفقد أحد أفراد عائلته أو أقاربه. من فظائع الحرب والقصف أن الآلاف من الناس ومنهم العديد من المسعفين فقدوا أهلاً أو أقارب، ومنهم جورج باسيل المسعف في مركز جبيل. يروي باسيل أن إبنة عمته كانت تسكن مع عائلتها في طابق أرضي خلال حرب التحرير. عندما اشتد القصف، اعتقدوا أن المكان الأكثر أمانا في المنزل كان في زاوية تحت تتخيتة البيت فيكون هناك سقفين فوق رؤوسهم. “لم ينفع الاحتماء تحت سقفين عندما أصيب المنزل، إنهار السقفان وقُتلت الابنتان حيث كانتا تختبئان وأصيبت أمهما. كانت حالة… لا أستطيع التعبير عنها” (1). يستذكر باسيل المأساة متأثرًا ويقول: “كانت أعمار الفتاتين بين الخامسة والسابعة. عندما انتشلناهما كانتا قد توفيتا، على الأرجح كانت الوفاة فور إصابتهما” (2). كان باسيل مع الفريق الذي توجّه إلى منزل إبنة عمته وقام بانتشال الطفلتين.

خطر الإصابة أو الموت لا يقتصر فقط على المدنيين أو عائلات المسعفين، بل يطال أيضًا المسعفين في كافة المراكز، ما يؤثر على نفسيتهم وجهوزيتهم وأدائهم في بعض الأحيان. يقوم المسعفون بمناورات تدريبية محدودة للمحافظة على جهوزيتهم تُسمّىfausse alerte، أي الإنذار الخاطئ، وعادة تكون أثناء الليل وفي فترة لا تشهد كثافة مهمات. يقرّر رئيس الفرقة إطلاق الإنذار داخل المركز فتتجه الفرقة إلى مكان محدد حيث يكون قد جهز لهم حالة معينة أو أكثر بالتعاون مع مسعفين أو مدنيين. يقوم عناصر الفرقة بمهمتهم التدريبية حسب الحالات التي أمامهم (إنعاش قلب أو كسور أو حريق أو حادث سيارة، إلخ). في الحقيقة قلّما يحبذ المسعفون الإنذارات الخاطئة التي على كثرتها باتوا يعتبرونها مصدر تعب في وقت يفضّلون فيه الاستراحة بين المهمات الكثيفة. لذا يتعمد رئيس الفرقة أحيانًا الإكثار منها ليختبر صبر المسعفين وجهوزيتهم وقدرتهم على العمل تحت الضغط. في ليلة من الليالي الهادئة، انطلقت فرقة مؤلفة من عبد القادر فنج ويوسف بویز وريمون دنيا للقيام بمهمة fausse alerte، وفي طريق العودة سقطت قذيفة أو صاروخ بالقرب منهم أدى إلى انثقاب طبلة أذن عبد القادر الذي كان يقود السيارة. يقول فنج: “بدأت السيارة تنعطف يمينًا ويسارًا بسبب قوة عصف القذيفة وارتطمت بسيارات على الطريق، ولم أعرف كيف وصلت إلى المركز. تأثرت نفسيًا بعد هذه الحادثة ومكثت فترة في المركز لا أخرج أثناء المهمات، وذهبت بعدها إلى منطقة الشمال في أواخر الحرب (3).

في حادثة مماثلة حين كان روي شمالي ونادر فلاّقة risk عائدَين من مهمة، سقطت راجمة صواريخ بالقرب من الملعب البلدي في جونيه (مجمّع فؤاد شهاب حاليًا)، وكانا قد وصلا إلى الطريق البحرية المحاذية للملعب. فقد فلاّقة السيطرة على السيارة واصطدم بواجهة محل تجاري (حيث بنك “ميد” حاليًا). إحتمى المسعفان خلف المبنى بانتظار هدوء القصف ووصول المساعدة من المركز، وكانت الحادثة سببًا لتوقف شمالي عن الخروج في مهمات أثناء القصف لمدة أسبوعين، نظرًا للخطر الذي أحس به حينها (4).

شهدت المراكز حالات عديدة مماثلة مع مسعفين توقفوا عن القيام بمهمات لفترة معيّنة أو حتى نهائيًا، والحالتان المذكورتان هنا للدلالة فقط وليس للحصر، لأن المسعفَين أرادا مشاركة تجربتهما. لا يستطيع أحد لوم مسعف أو أي إنسان آخر لما يشعر به من خوف أو توتر بسبب أوضاع خطيرة لا يمكنه السيطرة على نتائجها. ففي بعض الأحيان يقوم الإنسان بإعادة تقييم لما يمرّ به من تجارب أو أوضاع معيّنة ويتساءل عن “الثمن” الذي من الممكن أن يدفعه في حال الإصابة أو الموت لا سمح الله.

 

القصف يُغرق ملاكَين!

نزح خلال حرب التحرير مئات الآلاف من اللبنانيين. كان المعبر المتاح في المناطق التي كانت تُعرف بالشرقية هو مرفأ جونيه، خصوصًا في ظل الأوضاع الخطيرة السائدة واستحالة المرور إلى المناطق الغربية وتحت القصف. نفذ السوريون حصارًا بحريًا، بالإضافة إلى الحصار البري، فكان الجيش السوري يقصف السفن المحمّلة بالمواد الغذائية والنفط وغيرها. وشدّد حصاره ليشمل كذلك السفن المدنية والزوارق الصغيرة التي كانت تنقل المدنيين إلى السفن الراسية بعيدًا عن الشاطئ لتفادي القصف المركّز.

كانت منطقة تجمّع المسافرين في مرفأ جونيه عبارة عن صالة تشبه الهنغار سقفها من القرميد وليست محمية بشكل كافٍ، على حد وصف العديد من المسعفين الذين تواجدوا في المكان. يقول جوزف باسيل إن المهمات المزعجة كانت على مرفأ جونيه: «يتوجب عليك النزول إلى ذلك الهنغار المتفلّت، الذي إذا أصابته قذيفة فقد تقتل كل من في داخله. كان الهدف من المداومة على المرفأ إسعاف المصابين في حال القصف ومساعدة كبار السن والعجّز للعبور إلى المراكب. كنا نداوم بثلاثة أشخاص مع سيارة إسعاف. كان يأتي الـ hydroglisseur (5) ويقف بعيدًا من المرفأ بانتظار إذن الدخول، وعند الإشارة، عليه الدخول بسرعة كبيرة إلى المرفأ ليُصار إلى تثبيت جسر حديدي متحرك من الرصيف إلى القارب، ونبدأ كمسعفين بحمل أو مساعدة من لا يستطيع الصعود، خصوصاً الذين هم على كراسٍ متحركة صعوداً ونزولاً إلى ومن القارب.

في إحدى الليالي، وبينما كنت أساعد سيدة لعبور الممر الحديدي الذي يصل الرصيف بالقارب، بدأ القصف فجأة. لم ينتظر قبطان القارب صعود الذين على الممر وأقلع فجأة ما أجبرني على دفع المرأة إلى داخل القارب لكي لا تقع في المياه. سقطت المرأة داخل القارب، أما أنا فقفزت إلى الخلف وسقط الممر الحديدي في المياه. كان هناك إمكانية وقوع إصابات كل يوم في ذاك الموقع. وفي حادثة مماثلة، أذكر أن عصام صليبا talyh بقي على متن القارب بسبب إقلاعه مسرعًا هربًا من القصف، وعاد إلى المرفأ في الزورق الذي كان يحمل الحقائب…

كان ينتابني شعوران أثناء هذه المهمات على المرفأ، أولاً الناس مغادرون وأنت باقٍ. بعد مغادرة المسافرين يبدأ القصف على المرفأ، فننظر إلى بعضنا البعض ونتساءل ماذا الآن؟ ونعود بعدها إلى المركز. يغادر الناس نحو أمل جديد، هربًا من القصف والتعتير وأنت باقٍ هنا. ينتابك هذا الشعور مرات ومرات فيحبط من معنوياتك. هذا الإحساس بأن لدى إنسان آخر إمكانية الرحيل أما أنت فلا. من الممكن أن تكون لديك الإمكانيات المادية، ولكن ليس لديك تأشيرة مثلاً أو أنني متشبّث وباقٍ لأنني أعتبر أنني أفعل شيئًا ما. مع مرور الأيام وتكرار المشهد كان الوضع صعبًا بالنسبة إليّ” (6).

تتذكر أيضًا سارة جاين عريضة ليالي المداومة في مرفأ جونيه وتقول: “كان قبطان الزورق الذي يقلّ الركاب ثملاً في بعض الأحيان. أذكر حين رأيته بشعره الأبيض حاملاً زجاجة الخمر بيده. كان ينطلق فورًا حين يسمع القصف ولا يأبه لمن يبقى على رصيف المرفأ أو يسقط في المياه. كنا نتوجّه يوميًا إلى مرفأ جونيه ونتعرّض للقصف بشكل يومي أيضًا” (7).

لم تمر كل الليالي بسلامة. لقد شهد مرفأ جونيه مأساة أضيفت إلى مآسٍ كثيرة خلال تلك الحرب. انهمرت القذائف في ليل 5 ـ 6 آب بالقرب من الزوارق التي كانت تقلّ المسافرين وسقطت الطفلتان ربى عازار (ثلاث سنوات) وشقيقتها مايا عازار (17 شهرًا) في البحر. يتذكّر يوسف بويز تلك الليلة حين صودف وجوده على المرفأ ليس في مهمة، ولكن لوداع شقيقه الأكبر الذي كان مسافرًا إلى فرنسا. يروي بويز اللحظات المجنونة قائلاً: “بعد سقوط القذائف كانت الفوضى عارمة. حصل ذلك عندما بدأ القصف، فابتعدت الباخرة إلى عرض البحر هربًا وكان المسافرون ينتظرون في الهنغار الكبير. بعد فترة من الإنتظار، أبلغوا المسافرين أنه سيتم نقلهم إلى الباخرة في قوارب صغيرة. صعد عدد كبير من المسافرين إلى القوارب وتجدد القصف بعدما أبحروا لمسافة قصيرة باتجاه الباخرة. فدبت الفوضى بين المسافرين الذين سقط عدد منهم في المياه وعدد أضاع حقائبه، وسقطت حينها الطفلتان في المياه (8). تم إنتشال الطفلة ربى من الماء بعد فوات الأوان وعُثر على جثة شقيقتها مايا بعد بضعة أيام (9).

بعد انتشال جثة الطفلة مايا عازار، اتصل الجيش بمركز جونيه وكانت المهمة الأصعب كما يروي زياد الخازن عن ذاك الموقف المؤثر الذي انحفر في ذاكرته: “أبلغونا من قاعدة كفرياسين الجوية أنهم عثروا على الطفلة مايا وطلبوا منا التوجّه إلى القاعدة لنقل جثمانها. عند وصولنا، رأيت الطفلة ممددة على مقعد داخل طائرة مروحية. كان المشهد أليمًا ومؤثرًا جدًا. العسكريون يقفون قرب الطائرة بصمت وكذلك فعلنا نحن… كان كل منا ينتظر الآخر للدخول إلى الطائرة وحمل الجسد الصغير الممدّد ولكن لم يتحرك أحد. كانت ثيابها باللونين الأزرق والأصفر. بدأنا أنا ومسعف آخر نتردد من منا سيحمل الطفلة. وبعد دقائق، تقدمت ورفعت الطفلة وغطيناها ببطانية ووضعناها على المحمل داخل سيارة الإسعاف. ما زلت أذكر جيدًا هذه الصورة المطبوعة بذهني حتى اليوم (10).

 

ضحايا التموين – الموت قصفاً وحرقاً

أكمل القصف المجنون “حصاده” من المدنيين عشوائيًا أو من خلال استهداف مركّز كالذي حصل أكثر من مرة مع بواخر التموين. خلال الحصار البحري على ساحل المناطق الشرقية، أصيبت سفينة تنقل محروقات كانت تحاول الاقتراب من مرفأ جونيه. يتذكّر جوزف باسيل ما حصل بعد إصابة السفينة ويقول: “اشتعلت السفينة وبقيت النيران تلتهمها على مدى يومين تقريبًا. توجّهنا نحوها بواسطة طرّاد للجيش اللبناني، وكانت النيران قد انطفأت بعد أن احترقت بالكامل. رأينا ست جثث متفحّمة. وبسبب الحماوة كانت الجثث ذائبة ولم يبقَ شيء منها إلا القليل، وأشياء معدنية كانت على البحارة مثل السلاسل والقلادات حول الرقبة، ولم تكن مكتملة أو واضحة المعالم حتى. وضعنا الجثث في أكياس النايلون، وقمنا بنقلها إلى مستشفى باستور في جونيه. عندما جاء الأهالي كان باعتقادهم أنهم سيستلمون جثثاً كاملة، فأخذوا كيسًا فيه بقايا وليس من المؤكد أنها لابنهم أو لأخيهم…. لم نتمكّن من معرفة أسماء القتلى حتى لنميّز الجثث عن بعضها” (11).

في حادثة مماثلة يروي جان بيار جعجع عن إصابة باخرة تموين كانت تنقل الخضار والفاكهة محاولة الدخول إلى مرفأ جونيه: “بدأ القصف وأصيبت الباخرة قبالة خليج جونيه. انطلقنا نحو المرفأ وانتظرنا هناك وصول المصابين الذين نُقلوا بواسطة قوارب صغيرة. كانت هناك إصابتان، أخطرهما إصابة رجل رأسه مفتوح وجزء من نخاعه خارج جمجمته. حملنا المصاب ولم نستطع أن ندخله إلى المستشفى الأقرب، لأنه كان بحاجة إلى صورة للرأس ولم تكن الآلة متوفرة. انطلقنا نحو بيروت، والمصاب لا يزال حيًا، فقد تحسست نبضه وتنفسه، وصلنا إلى مستشفى الجعيتاوي أو الروم – لم أعد أذكر أيهما ـ وكان بحاجة إلى جراحة فورية. بدأت الصراخ في المستشفى على الشخص المسؤول عن قسم التصوير، وكان تصرفي خاطئاً بالطبع، فعليّ كمسعف عدم الصراخ في المستشفى. لكن الوضع كان ضاغطاً في الممر أمام غرفة الأشعة، وإلى جانبنا إنسان مصاب وجزء من نخاعه خارج رأسه. فكل دقيقة تمر يتأرجح هذا الإنسان بين الحياة والموت، فقال لي المسؤول: لماذا تصرح؟ بدأنا نتشاجر وفهمت أن هناك آلة واحدة لهذه الصورة، وتحتها مريض لم تُستكمل بعد صورته. لم يكن المصاب لبنانيًا، بل من إحدى دول أوروبا. لم أعرف بعدها ما إذا تمكنا من إنقاذ حياة هذا الرجل أم لا بسبب كثافة القصف في تلك الفترة وكثرة المهام. (12)

 

تموين التباريس الشباب فتحوا ع حسابن

عندما اشتد الحصار على المنطقة الشرقية، وأصيبت بواخر تموين عند محاولتها الدخول إلى مرفأ جونيه لأن الدخول إلى مرفأ بيروت كان شبه مستحيل، كان لا بد من اللجوء إلى طرق مختلفة لإدخال المؤن. وفي هذا السياق، تحرك مسعفو سبيرز بمبادرة فردية جريئة لإمداد مركز التباريس المعروف بمركز الأشرفية بمختلف المواد التي يحتاجونها وتكفيهم بضعة أيام. يروي غالب سليم لماذا وكيف نفذوا هذه المبادرة فيقول: “لم تكن كل المواد متوافرة في المناطق مثل البنزين والخضرة والفواكه والخبز وغيرها، وكنا عندما نريد الذهاب إلى مركز التباريس يقول لنا مارون عزيز (13) في العمليات إنه ليس بإمكاننا العبور. في تلك الأيام كانت الرئيسة ألكسندرا عيسى الخوري تأتي يوميًا إلى المقر الرئيسي في سبيرز، وكان علي حيدر يذهب إلى بيتها في الأشرفية في سيارة نوع بويك رقمها “۱- صليب أحمر” لكي يقلّها ذهابًا وإيابًا. وفي أحد الأيام قال لي رئيس المركز حسان قباني: هل أنت مستعد للعبور مع مروان طيارة jumbo إلى التباريس في مهمة وفي سيارة إدارية خلف سيارة الرئيسة؟ فقلت له ما في مشكلة. تزوّدنا بعدد من غالونات البنزين وكميات من الخضار والخبز والفواكه ولبسنا الدروع والخوذات وحملنا الـ handy وانطلقنا. تلاقينا مع مسعفي التباريس أمام منزل الرئيسة وكان اللقاء حارًا. تبادلنا التحيات والتهنئة بالسلامة. سلّمنا المؤن وعدنا خلف علي سائق الرئيسة إلى سبيرز. بعد وصولنا إلى المركز، قام قباني بإبلاغ العمليات بالمهمة وجنّ جنون عزيز في العمليات” (14). ويضيف سامي بيتموني الذي شارك في المهمة أنهم عرّجوا على مركز فرن الشباك قبل التوجّه إلى الأشرفية محمّلين بقوارير غاز وربطات الخبز وغيرها من المؤن (15).

يقول حسان قباني عن تلك المهمة: “كنت على تنسيق دائم مع نبيل معتوق (رئيس مركز التباريس)، وكان الشباب يعانون من نقص في بعض المواد. كنا مضطرين لتأمين الأشياء الأساسية من معدات أو ضروريات حياتية، فكنا نأخذ معنا بعضًا من هذه النواقص أثناء المهمات أيضّا التي تعبر فيها إلى منطقتهم” (16).

عند الاستفسار من عزيز عن سبب رفضه لفكرة تأمين بعض المواد من سبيرز قال: «كان على الشباب أن يبلغوني أنهم قادمون لكي أساعدهم في حال حصول أية مشكلة. في هذه الحالة فتحوا ع حسابن. كنت أقوم بتأمين الاتصال لعبور الرئيسة يوميًا، فكان بإمكاني طلب عبور سيارتَين في ذلك اليوم. لهذا السبب وجّهت لهم ملاحظة وطلبت منهم ألا يعيدوها” (17).

في مهمة دعم مماثلة، ولكن على نطاق أوسع، نظّم الصليب الأحمر بعد أشهر قافلة إغاثة أثناء حصار الأشرفية خلال حرب الإلغاء والذي دام عدة أشهر، وشارك في القافلة عشرات السيارات والمسعفين. تم إمداد مراكز الصليب الأحمر حينها باللوازم الضرورية وبعض المؤن والأدوية التي وُزّعت على مراكز محددة للصليب الأحمر. وعن هذه المهمة يقول مارون عزيز: «لقد نسقنا قافلة إغاثة عن طريق القاعدة البحرية (أي مرفأ بيروت) إلى الأشرفية ودخل مع القافلة أدوية وغذاء ـ كنا نأكل الخبز العفن – وزَوّدونا أيضًا بالبنزين وبطاريات للأجهزة، وقد حصل ذلك بالتنسيق مع المطران خليل أبي نادر الذي كان مطران بيروت” (18).

لم يقتصر الحصار فقط في أيام الحرب على المواد التموينية بل تعداه ليطال المدنيين في أوجه مختلفة. فقد فُقدت بعض الأدوية المستوردة أحيانًا، وامتلأت أسرّة المستشفيات أحياناً أخرى، فتوقفت عن استقبال المرضى إلا في الحالات الطارئة. أما المصاعب اليومية فتمثلت بصعوبة نقل المرضى الذين يخضعون لعملية غسل الكلى بشكل روتيني أو تأمين الإنسولين insulin بشكل منتظم لمرضى السكري حتى في أيام القصف أو المعارك. واجه العديد من المرضى هذه التحديات كما المسعفون الذين اجتهدوا في تأمين الخدمات الضرورية. يروي وديع عبد النور عن حالة اختبرها شخصيًا عندما لم تتمكّن سيدتان من مغادرة منزلهما في منطقة الجديدة بسبب القصف، وكانت إحداهما تجري عملية غسل كلى بشكل منتظم. يخبر عبد النور: “إستغلينا هدوء القصف المستمر وتوجّهنا قبل موعد غسيل الكلى بيوم كامل آملين أن نتمكّن من نقل السيدة المريضة إلى المستشفى تفاديًا لاشتداد القصف في اليوم التالي. عندما وصلنا أنا وفريق المسعفين إلى مقربة من منزلها بدأت الصواريخ بالتساقط بالقرب منا. خرجنا جميعنا من السيارة واختبأنا في قناة للمياه على جانب الطريق. أصبحنا مبللين بالكامل… تابعنا المهمة بعد توقف القصف ودخلنا منزلهما ووجدنا أن المطبخ قد أصيب. تمكنا من إخراجهما في الوقت المناسب وتوجّهنا بهما نحو المستشفى” (19).

 

جريح وهمي في برج المر

يواجه المسعفون أحيانًا بلاغات كاذبة أو خاطئة فيبلّغ الناس أو جهات أخرى غرفة العمليات أو المركز الأقرب عن إصابات أو قتلى نتيجة الخوف أو مشاهدات غير أكيدة عن بُعد أو تسرّع، ويعرّضون بذلك حياة المسعفين للخطر. أثناء القصف المتبادل كانت الإصابات كثيفة في كافة المناطق، خصوصًا من المدنيين، ما زاد عدد المهمات الطارئة، ومنها البلاغات الخاطئة. يروي غالب سليم أنه في يوم قصف عنيف “دخل مجموعة من الشباب إلى مركز سبيرز وقالوا لنا إن هناك جريحًا قرب برج المر. كان رئيس المركز لا يفرض على أحد الخروج بمهمة بل كان يسأل من يريد. كنت من الأشخاص المتطوّعين للتنفيذ. كنت أخاف طبعًا ولكني كنت أتحمّس مع المجموعة التي تعطي نوعًا من الدافع (بتاخد روح). كنا أنا وأسامة الناطور safir ونبيل رمضان nescafe. عند وصولنا إلى برج المر لم نرَ جريحًا. كنا مجبرين على الصعود إلى أعلى الطريق والدوران للوصول إلى أمام المبنى. كان الجيش السوري متمركزًا في البرج، تلقينا نداء من المركز يقول: أخلوا السيارة واصعدوا إلى داخل البرج، يقولون إن الجريح في الداخل. كانت المنطقة في تلك الأثناء تتعرّض للقصف ولم يحدد الذين طلبوا المساعدة أين هو الجريح. خرجنا من السيارة وصعدت إلى الطابق العلوي، فيما نزل نبيل إلى الطابق السفلي، بدأت أنادي نبيل: وينك؟ كان المكان مظلمًا. أجاب نبيل: أنا تحت نزلت بقلب الجورة، كانت هذه المساحة (الجورة) في الطابق السفلي تحت المبنى خالية يرمي فيها العسكريون القمامة. صعد نبيل إلى الطابق العلوي ولم يكن هناك أي جريح، سألنا العسكريون السوريون: شو جايين تعملو؟ فأجبناهم أننا تلقينا خبرًا أن هنالك جريحًا هنا فنفوا ذلك (20).

 

بتأنٍ تحت القصف

من المفارقات في مهمات فرق الإسعاف أن على المسعف الالتزام بأساسيات العمل الإسعافي في أحلك الظروف، لكي يحافظ على سلامة المصاب ولو في أوضاع خطيرة. الأمثلة كثيرة في هذا المجال حيث خاطر المسعفون والمسعفات بحياتهم لخدمة الإنسان. ومن الأمثلة الملفتة، مهمة قامت بها سارة جاين عريضة ودولورس الرامي أثناء حرب التحرير، حين نقلوا جنديًا من الجيش اللبناني بدا أنه مصاب بكسر في الظهر. في هذه الحالة يجب أن يتم نقل المصاب بتأنٍ كبير كيلا تتفاقم الإصابة، وتتحوّل إلى شلل مثلاً أو عطب دائم في العمود الفقري. تقول عريضة: “كانت دولورس تقود سيارة الإسعاف والقصف عنيفًا على منطقة جونيه. تابعت القيادة ببطء وهي تنتبه إلى المطبات والحفر كيلا تخاطر بتفاقم إصابة الجندي” (21). في هذه الحالة من الممكن أن تستمر المهمة نصف ساعة لاجتياز مسافة بضع كيلومترات فقط على طرقات خالية إلا من القصف… ومسعفي الصليب الأحمر.

 

قصف ضهر الباشق

رافق الخطر المسعفين أثناء المهمات بحيث كان من الصعب التحدث عن مهمة “عادية” أثناء القصف ولفترات طويلة من الحرب. يتذكّر نعيم عون مهمة عاش خلالها مع رفيقيه خطرًا مباشرًا فيقول: “كنا ننقل مصابين إلى مستشفى ضهر الباشق وكنت أقود سيارة الإسعاف. كانت الطرقات خالية عندما وصلنا إلى المستشفى. دخلنا الممر الضيق للوصول إلى مدخل المستشفى، ولم نكن على علم بما حدث قبل وصولنا. رأيت سيارتين تحترقان بسبب القصف. أوقفت السيارة وقبل الخروج منها سقطت قذيفة في المنزل المحاذي للممر وكان سقفه من القرميد. تصاعد الغبار وغطّى المكان وكنا محظوظين لأنها لم تسقط علينا. كان معنا ثلاثة مصابين، الأول على المحمل، والثاني يجلس على الكرسي المتحرك، وثالث مُصاب في رجله بدأ يقفز على رجله الأخرى، ونحن نحاول الاحتماء من القصف. حمل رفيقي المُصاب الثاني الذي كان على الكرسي، وركض تحت القصف إلى الداخل. سقطت قذيفة ثانية قرب المدخل وأصيب أحد المسعفين إصابة بسيطة من الزجاج المتطاير. أما أنا وبطريقة لاشعورية التقيت خلف السيارة وسحبت المحمل إلى الخارج الذي عليه المصاب الثالث. فأصبحت وحيدًا أحمل من جهة نصف المحمل الذي أصبح خارج السيارة، والشباب داخل المستشفى. كانت حالة رعب! ناديت الشباب فجاؤوا وحملنا المصاب إلى الداخل، تركنا أبواب السيارة مفتوحة من شدة السرعة للاحتماء، ونزلنا إلى الطابق السفلي في المستشفى تحت الأرض. فهمنا أن الوضع لا يسمح بالخروج تحت القصف. بعد حوالى عشرين دقيقة، طلبوا منا إزاحة السيارة من أمام المدخل كي يحاولوا إطفاء السيارتين المشتعلتين. وبما أنني السائق كان يجب أن أخرج لإزاحتها، والقصف يتساقط مباشرة على المستشفى. كنت مترددًا بالخروج وأفكّر لماذا يجب أن أخرج تحت القصف؟ بعد الإلحاح بالطلب، قال لي طوني بدران tonina: هات المفاتيح، سأخرج أنا. عندها أحسست أن من واجبي ألا أعرّض حياة رفيقي للخطر. خرجت إلى السيارة وأغلقت الأبواب وقدت السيارة إلى الخلف بسرعة فائقة (لأنه ليس بالإمكان الاستدارة في الممر). بعد وصولي إلى مسافة أبعد من المدخل، أوقفت السيارة، وعدت ركضًا تحت القصف للاحتماء مجددًا في الداخل. كانت هذه من المرات التي عشت فيها الاستهداف المباشر وليس فقط القصف العشوائي (22).

 

ترافقاً حتى الموت

لم يحالف الحظ كثيرين أثناء جولات القصف الفجائي. استمر عدد الضحايا بالارتفاع مع كل يوم من أيام الحرب، ولكل ضحية حكاية حزينة من الأكوا مارينا في طبرجا إلى البورتيميليو في الكسليك، وغيرها من الأماكن التي كانت تضج بالحياة والفرح قبل الحرب، فتحوّلت إلى ملاجئ غير آمنة لروادها. توالت الإصابات بين المدنيين الذين التجأ كثيرون منهم إلى المنتجعات السياحية على شط البحر هربًا من القصف العشوائي الذي طال بيوتهم في المدن الكبيرة. لكن هؤلاء لم يكونوا يعلمون أن الموت سيلاحقهم أينما ذهبوا. قُتل العديد من اللبنانيين والأجانب في تلك المنتجعات بسبب القصف، ونورد هنا عيّنة صغيرة من تلك الحالات المؤلمة والقاسية التي شهدها المسعفون.

يروي أنطوان بدّور عن مهمتين طبعتا ذاكرته في تلك المجمّعات، الأولى عن شاب وصديقته كانا بالقرب من المسابح في الأكوامارينا وخطفهما الموت بقذيفة انفجرت بالقرب منهما لتقطع جسديهما. كانت في المهمة أيضًا دولورس الرامي التي تؤكد أنها لن تنسى تلك المهمة. تقول الرامي: “ما قدرنا نقيمن. ما شفنا حتى شو عم نشيل. كنا نضع البطانية ونمرّرها على الأرض لالتقاط بعض الأشلاء. تجمّع عدد من الأشخاص بعد سقوط القذائف، وعندما أتى والد الفتاة وشاهد المنظر المفجع، سحب مسدسه وحاول الانتحار فانقض عليه أحدهم، ومنعه من ذلك. كان الموقف مؤثرًا جدًا ولا يمكن أن أنسى هذه الحادثة. ما زلت أراها وكأنها أمامي” (23).

أما المهمة الثانية التي يتذكّرها بدّور في الفترة نفسها من حرب التحرير، فكانت عندما أصيب عامل أجنبي على سطح أحد المباني. وصل المسعفون ورأوا الدم يسرح مع المياه على درج المبنى من السطح وحتى الطابق الأرضي. فعند وصولهم إلى السطح فوجئوا بمنظر العامل، وقد فقد جزءًا من رأسه الذي نزف بغزارة واختلط بمياه الخزانات التي مزقتها شظايا القذيفة المنفجرة بالقرب من غرفته (24).

 

قنصل إيطاليا يقطب الجرح

ضمن “مسلسل” استهداف المنتجعات البحرية،  تتذكّر دولورس الرامي القصف والإصابات في البورتيميليو وتقول: “لبّينا نداء لإسعاف مصابين وعندما وصلنا إلى البورتيميليو كان القصف شديدًا ولم يتوقف. لم تشأ سيدة مصابة الذهاب معنا في سيارة الإسعاف من شدة خوفها من القصف. كان هناك قنصل إيطاليا على ما أظن الذي بدأ هو بتقطيب الجرح في الملجأ. انتظرنا إلى أن خفت حدة القصف، ولبّينا نداءً آخر إلى منطقة أدونيس. وصلنا وبدأت القذائف بالسقوط بالقرب منا. توقفنا ودخلنا إلى بناية للاحتماء، وتلقينا بعدها معلومة تفيد أن المصاب نُقل إلى المستشفى. في طريق العودة إلى المركز نادانا إميل البستاني buffle وحذرنا من التوجّه إلى المركز بسبب كثافة القصف وقال: وقفوا مطرح ما إنتو وتخبّوا! كنا بالقرب من البريزيدانس presidence (مفرق ذوق مكايل) فتوقفت مرة أخرى واختبأنا مجددًا في الملجأ، أسفل صالة السينما، حيث رأينا الناس مختبئين أيضًا (25). تضيف الرامي: “كان الجميع ينتظر عودتنا إلى المركز لأن الطريق كان مزروعًا بالقذائف”.

 

يتبع

من كتاب أبيض أحمر للكاتب رائد جرجس

 

هوامش

1ـ جورج باسيل، المصدر نفسه.

2 ـ المصدر نفسه.

3- عبد القادر فنج المصدر نفسه.

4 ـ روي شمالي المصدر نفسه.

5 ـ مركب سريع ينقل المسافرين من جونيه إلى قبرص.

6-   جوزف باسيل المصدر نفسه.

7 ـ سارة جابن عريضة المصدر نفسه.

8 ـ يوسف بويز، المصدر نفسه.

9 ـ صحيفة “الديار”، 7 آب 1989، صفحة 4.

10 ـ زياد الخازن المصدر نفسه.

11 ـ جوزف باسيل المصدر نفسه.

12ـ جان بيار جميع المصدر نفسه.

13 ـ رئيس غرفة العمليات المركزية لفرق الإسعاف الأولي خلال تلك الفترة.

14 ـ جهاز لاسلكي صغير الحجم يحمله المسعفون في المهمات للاتصال بين أعضاء الفريق أو مع المركز ويُستخدم أحياناً عندما لا يوجد جهاز مثبّت في السيارة، ولكن نطاق تغطيته محدود مقارنة مع الأجهزة الثابتة في السيارات أو في غرفة العمليات.

15-  غالب سليم المصدر نفسه.

16-  سامي بيتموني، المصدر نفسه.

17 ـ حسان قباني المصدر نفسه.

18 ـ مارون عزيز المصدر نفسه.

19-  وديع عبد النور المصدر نفسه.

20 ـ  غالب سليم، المصدر ذاته.

21 ـ  سارة جاين عريضة، المصدر نفسه.

22 ـ  نعيم عون المصدر نفسه.

23 ـ  دولورس الرامي، المصدر نفسه.

24 ـ  أنطوان بدّور المصدر نفسه.

25 ـ  دولورس الرامي، المصدر نفسه.

 

كتبت “المسيبرة” ـ العدد 1758

 

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل