صحيفة “نداء الوطن”: (النائب د. فادي كرم)
تتواصل التحليلات اللبنانية بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، آخذةً مفهوم “wishful thinking” وحاملةً طابع تجيير النتيجة، كل لمصلحة محوره. وكما استنجد محور المُمانعة والسلطة اللبنانية الرسمية الموجّهة منه، بمبادرات الموفد الاميركي آموس هوكستين طوال السنة المنصرمة، يبحث المحور الآن عن طرف خيط مع الادارة الاميركية الجديدة، للربط معها ولتبيان امكانية الاستمرار بالتآمر على القرار اللبناني الحرّ.
والانتظار العبثي الذي درجَ عليه مسؤولو هذا المحور وممثّليّه في السلطة لطروحات ومبادرات قادمة من مبعوث الادارة الاميركية، لهو قبول بالتخلّي عن الكرامة، ومحاولات دنيئة لتحسين الاوراق التفاوضية لصالح المرشد الايراني. كما ان الربط الذي يقوم به المحور- فرع لبنان، بين ادائه المُفرّط بالمصلحة اللبنانية وعدم العمل على تطبيق القرارات الدولية الخاصة بلبنان، وبين نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية، لهو إهانة للسيادة اللبنانية، الغاية منها الدفع لعقد تسوية امنية وسياسية بين الدويلة واسرائيل.تلاعبَ مبعوث الادارة الاميركية هوكستين بتكتيكات المحور لأجل تمرير مطالب اسرائيل الاستراتيجية، وتغاضت ادارته في واشنطن عن النزف البشري المستمر من سنوات في الدول التي تسلل لها الحرس الثوري الإيراني، وبحسب “Obama Doctrine” أُلحقت اوضاع تلك الدول بسياسة “الفوضى الخلاّقة” التي سبقتها عليها ادارات اميركية اخرى. من جهته، تجاهل عن قصد الشيخ نعيم قاسم في آخر اطلالة اعلامية له، حقيقة ان السيادة ليست محطة ظرفية وهي لا تُرفع بلحظةٍ ما، بوجه معتدي او غازي، وتُسقَط بلحظةٍ اخرى بوجه معتدي آخر. ولا يُسأل عنها صدفةً، عند تسلّل بحري او خرق جوي او اختراق برّي، ويتم تناسيها عند تسلّل ثقافي او تلبّس سياسي بمنظماتٍ او جمعيات، كما هو حال “”حزب الله””. فان كانت السيادة الوطنية تعني الشيخ قاسم، فكان على حزبه ان لا يحوّل لبنان الى منصة حرب مُشرّعة لمحوره، ولا يفرض بتفاهمات داخلية مع أطراف السلطة على الجيش اللبناني حصر عملياته في مناطق معينة ومنعها في مناطق عمل حزبه. ولو كان الشيخ قاسم جدّياً بالمطالبة بالسيادة اللبنانية لما استجلب محوره الحروب على لبنان تحت شعارات مختلفة تخص ايديولوجيته واخرها وحدة الساحات، كما انه لو كان الشيخ قاسم صادقاً بحرصه على الوحدة والسيادة اللبنانيتين لما استغل الخرق الاسرائيلي على شواطئ البترون ليُهاجم الجيش اللبناني، محملاً اياه مسؤولية هذا الخرق، فالبلاد بكاملها مكشوفة ومُشرّعة للضربات الاسرائيلية، بفعل انتهاك ايران لسيادتها، وان كان يسعى لان يكون عادلاً لكان نظر بنفس المعيار للخروقات التي تقوم بها اسرائيل للأجواء السورية والايرانية مؤخراً.
والسيادة الوطنية حتمية دائماً، ولا تتحقق بالتراضي بين الدولة وأي طرف اخر، أكان من الداخل او الخارج، ولا تشَارُك فيها مع طرف امر واقع، وبحال تم اهانتها من قبل طرف داخلي، فذلك يفتح الباب لاستباحتها من قبل أطراف من الخارج.
“إذا لم يقم لبنان وينهض ويُصبح وطناً سيداً ومُحرّراً يطلب العزّ والحياة، فما من قوة في العالم تستطيع ان تُقيمه من الانهيار الكامل او ان تصونه من سيطرة الشياطين المستمرّة حتى الساعة” هذا الكلام قاله الفيلسوف والمُفكّر اللبناني شارل مالك منذ أكثر من خمسين سنة ليُنبّه ان اسس السيادة لا تُربط بأحداث واستحقاقات ولا تتجزأ، فالسيادة الوطنية مسألة مبدئية تتحكّم بها القوانين والدساتير، ويُحققها ابناء الوطن، ولا يجدر تصنيفها سياسياً واستخدامها في الصراعات الداخلية، فهي ليست وجهة نظر. وكل طرف يُخوّن الطرف المُطالب باحترامها، فهو فعلياً الخائن بحق وطنه. فالسيادة الوطنية وحدة واحدة، ولحظةْ ربطِها بشروط ما، يعني فقدانها بالكامل.