على هامش الإعلان عن مقتل أحد المتهمين الرئيسيين في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، القيادي في حزب الممانعة سليم عيّاش، تستوقفنا بعض الملاحظات والاستنتاجات المتعلقّة بهذا “الحزب” وبيئته التي لا يمكن المرور عليها مرور الكرام.
فلو وافق حزب الممانعة على تسليم سليم عياش أحد المتهمين الرئيسيين باغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى العدالة، لكان الأخير اليوم حيّاً يُرزق ويقضي محكوميته في أحد السجون اللبنانية، ولما راح قتلاً في غارةٍ إسرائيلية على سوريا، لكن حزب الممانعة فضّل موته على يد إسرائيل على تسليمه للعدالة، وذلك عملاً بقول المتنبّي وإن بتصرّف: عدالة لبنانية لا نرضى بها، وصاروخ صهيوني أفضل مقتلِ…
ولو أن هذا “الحزب” سلّم ابراهيم عقيل المتهم هو الثاني بمحاولة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الآخر شفيق الوزّان، إلى القضاء اللبناني، لكانت مسيرته الشخصية ربما أخذت منحىً آخر، مختلف تماماً عمّا أخذته لاحقاً وأدّت إلى مقتله في استهداف مقر قيادة الرضوان بالأمس القريب في الضاحية.
هذا “الحزب” ذاته فضّل تسليم مخازن أسلحته في الجنوب إلى جيش الدفاع الإسرائيلي، كما شاهدنا في كل الفيديوهات المنتشرة، على تسليمها للجيش اللبناني. ولو أن هذه المخازن كانت بعهدة الجيش اللبناني مع سواها من الأسلحة والصواريخ والمخازن الكثيرة المسُتهدفة من قبل الجيش الإسرائيلي، لكان الجيش اللبناني يمتلك اليوم الكثير من الأسلحة والذخائر والصواريخ ومقوّمات الدفاع، ولما كانت أبواق الممانعة طبلت آذاننا بنغمة “عدم تسليح الجيش وعدم جهوزيته”، ولوفّر “الحزب” على نفسه مقتل وجرح عشرات الآلاف من عناصره بالذات، لأن الجيش كان سيتكفّل بموضوع الدفاع مُستظلاً بالشرعيتين العربية والدولية وبمشروعيته اللبنانية الجامعة، ممّا كان سيحدّ كثيراً من حجم أي اعتداءٍ اسرائيلي على لبنان.
لكنه فضّل تقديم كل هذه الأسلحة للجيش الإسرائيلي على أن تكون بحيازة الجيش اللبناني، لماذا؟، لأن المطلوب ليس تسليح الجيش وتجهيزه ليكون بمستوى الدفاع عن لبنان بمواجهة إسرائيل، مثلمّا يدعّي “الحزب” الممانع، بل لكي يبقى هذا الأخير هو السيد الأمني والعسكري الأول على الساحة اللبنانية، حتى ولو كان المستفيد هو الجيش الإسرائيلي، والمتضرر هو الجيش اللبناني وبيئة الممانعة وكل اللبنانيين.
ولو أن عناصر حزب الممانعة ومسؤوليه وبيئته تصرفوا بعكس ما قاله لهم حزبهم عن ضرورة رمي “الخليوي” بعيداً و”وضعه في صندوق”، وحمل أجهزة “البيجر” الأكثر بدائية بدلاً عنه، لما كان الإسرائيلي تمكّن من استهداف 5000 عنصر دفعةً واحدة بلحظات قليلة موقعاً النكبة ببيئة “الحزب”، ولكان الأمر استلزمه ربما سنواتٍ وسنوات من الاستهدافات بالمفرّق حتى يصل إلى هذا العدد من الاستهداف الواحد “بالجملة”. لكن “كلّو فدا…”، فلا من يسأل، ولا من يفكّر بطريقة مختلفة، ولا من يحاسب.
لو أن لبنان كلّه أصبح بيئةً واحدة “للمقاومة” مثلما كان يعمل على ذلك حزب الممانعة منذ أربعين سنة، بالترهيب والترغيب حيناً، وبالاغتيال والتحالف مع الفاسدين حيناً آخر، لما وُجد اليوم في لبنان مناطق آمنة خالية من المخازن والأسلحة والوجود المسلّح، يلجأ إليها النازحون، ولكانوا مُضطرين على الأرجح للهرب خارج لبنان أو التعرض للموت والاستهداف أضعافاً مُضاعفة عمّا يحصل اليوم.
فكلّما كانت مناطق نفوذ حزب الممانعة ضيقة ومحدودة ومحصورة، كلما كان الأمر برداً وسلاماً على النازحين وعلى لبنان. وكلّما كانت مناطقه أوسع ونفوذه أكبر، كلّما كانت الحمم والنيران والبراكين أشمل، والدمار أوسع، وضحايا بيئة الممانعة أكثر وأكثر. لكأن مصلحة هذا “الحزب” تسير بعكس مصلحة عناصره وبيئته، فيا للمفاجأة!!.
فاشكروا ربّكم على وجود لبنانيين من غير طائفة حزب الممانعة في هذا البلد، بعكس ما كنتم تتمنّون وتشتهون في جلساتكم المغلقة وأحياناً العلنية، وبعكس ما كان يزرعه حزبكم من أفكار متطرفة في رؤوسكم عن أن لبنان هو لكم، ومن لا يعجبه الأمر يمكنه الهجرة بعيداً عنه. فكما تبيّن بالملموس أن اللبنانيين المدنيين، من مسيحيين وسنّة ودروز، كانوا الحماية الفعلية لبيئة الممانعة، لا كل صواريخه وأنفاقه ومسيّراته واستراتيجيّاته العسكرية، التي لم تستطع أن تحمي عناصره بالذات، بل أدّت في أحيانٍ كثيرة إلى استجلاب الويلات لهم بالجملة.
واشكروا ربّكم على وجود مقاومين لبنانيين سياديين حقيقيين في هذا البلد، وفي مقدّمهم رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، الذين صمدوا بكل إيمان وشجاعة وبطولة بوجه كل العنتريات والتهديدات والضغوطات والمغريات، ولم يستسلموا أو يتركوا الساح لميليشيا السلاح، ومنعوا حزبكم من تحقيق أحلامه وطموحاته بتحويل لبنان إلى بيئة واحدة “للممانعة”، محافظين على نواةٍ صلبةٍ للبنان حرٍ خالٍ من تمدد سلاح الممانعة، تلجأ إليها اليوم بيئة الممانعة وكل النازحين والهاربين. فاعملوا على مساعدة هؤلاء بتحويل هذه النواة الحرّة سريعاً إلى دولة لبنان الحر السيادي التعددي الاتحادي المتحد الجديد الذي يوفّر الأمن، والحرية، والسلام، والطمأنينة، والازدهار، والمساواة، لكل أبنائه من أقصاه إلى أقصاه، من دون أن يضطر اللبنانيون للنزوح منه أو فيه، كلّما دق “كوز” إيران “بجرّة” إسرائيل، أو كلّما قرر متهوّرٌ ما تدمير كل ما بناه المواطن اللبناني الكادح طيلة حياته، بكبسة زر.
فهل عرفتم الآن من يهدم ويجني، ومن “يبني ويحمي”؟، فاشكروا ربّكم ألف مرّة أن مشروع حزبكم أخفق قبل أن تجني على نفسها وعليكم براقش حتى النفس الأخير، بعد أن جنت وتجنّت على بقية اللبنانيين كل تلك السنين.