صحيفة نداء الوطن – نجم الهاشم
لم تكن أبواب الشيخ نعيم قاسم مقفلة أمام طالبي لقائه من أجل مقابلة أو لقاء صحافي. على عكس الأمين العام لـ “حزب الله” السيّد حسن نصرالله، كان الوصول إلى نائبه الشيخ نعيم سهلاً حتّى لو اقتضى أحياناً المرور عبر تدابير أمنية ليست عصية على اكتشاف ما تحاول أن تخفيه.
منذ وُلِّي الشيخ نعيم ذلك الموقع ربّما كان من بين الأهداف المخفية أن يبقى في الواجهة بينما تختفي أسماء القيادات الأساسية التي تدير الحزب وتقوم بعملية تسليحه وتنفيذ المهمات الأمنية والعسكرية، حيث يسود اعتقاد بأنّ الشيخ نعيم لم يكن من بين الذين تمرّ عبرهم بالضرورة.
في الغارة التي استهدفت السيد حسن نصرالله خلال اجتماع لقيادة الحزب المصغرة، في 27 أيلول الماضي، لم يكن الشيخ نعيم حاضراً. وفي اجتماع قيادات “الرضوان” الذي استهدفته غارة إسرائيلية قبل اغتيال نصرالله لم يكن حاضراً. وفي اجتماع القيادات برئاسة الأمين العام الخليفة السيد هاشم صفي الدين، في 3 تشرين الأول، لم يكن موجوداً. بعد اغتيال نصرالله اقتضت الضرورة أن يطلّ الشيخ نعيم ليخاطب القواعد الحزبية بصفته نائباً للأمين العام.
من سوء حظ الشيخ نعيم، أو أي أمين عام آخر غيره، أن يخضع لميزان المقارنة مع السيّد حسن نصرالله. خلال 33 عاماً تقريباً كرّس نصرالله قيادته المطلقة للحزب. حتى أنّه لم يكن هناك من هو الرجل الثاني بعده باستثناء بعض الإشارات إلى السيّد هاشم صفي الدين. وصل تحكّم نصرالله بالحزب وبمصيره إلى الحدّ الذي جعل مريديه وأتباعه “يؤمِنون” أنّه أقوى من الموت، وأنّ مسألة خلافته غير مطروحة. ولكن غارة 27 أيلول على مقرّه “السرّي” أثبتت العكس. ولذلك كانت مسألة خلافته صعبة ومفاجئة. كانت التسمية محصورة تقريباً، لتجاوز المرحلة والنكسة، بالسيّد هاشم صفي الدين. ولكنّ إسرائيل اغتالته أيضاً في عملية معقّدة وقوية وصاعقة كعملية اغتيال نصرالله. حتى أنّها اغتالت في 28 أيلول الشيخ نبيل قاووق الذي كان يمكن أن يكون وريث الوريث، كما أعلن لاحقاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
بين اغتيال نصرالله وتكليف قاسم بالأمانة العامة أطلّ الشيخ ثلاث مرات. الأولى في 30 أيلول كانت مهمة صعبة وشاقة. في ديكور بدا كأنّه أُعِدَّ على عجل، ظهر الشيخ نعيم مرتبكاً وتعباً، وكان يتصبّب عرقاً طوال الإطلالة. لم يكن من السهل عليه أن يخاطب الحزب الذي لم يصدِّق أن أمينه العام قد اغتيل. حتى أنّ البعض اعتقد أنّ الشيخ نعيم يقوم بهذه المهمة مُكرَهاً. في المرتين التاليتين كان الهدف القول إنّ الحزب بخير بعد اغتيال نصرالله ثم صفي الدين، وبعد الضربات القاسية التي تعرّض لها، وإنّ القيادات من الصف الثاني ملأت الفراغات التي نتجت عن اغتيال قيادات الصف الأول، ولكن من دون أن يعلن تطبيق هذه القاعدة على موقعه. قبل 29 تشرين الأول لم يُوَلَّ قاسم منصب الأمين العام، حتى لمنع حصول الفراغ في ضوء تعذّر عقد جلسة لمجلس الشورى ومن تبقى منه لاختيار البديل.
خلال هذه الفترة القصيرة بدا وكأنّ هناك فراغاً وبداية ضياع في القيادة حاولت القيادة الإسلامية في إيران أن تملأه مباشرة من خلال قيادات في الحرس الثوري وفيلق القدس من أجل منع تمدّد الفراغ إلى الميدان العسكري، ومن أجل أن تبقى الوحدات المقاتلة في الخطوط الأمامية وفي مواقع إطلاق الصواريخ والمسيَّرات، بينما كانت الهجمات الإسرائيلية قاسية ومستمرة ومدمّرة. لذلك وتخفيفاً من الصدمات والنكسات المتتالية، وخوفاً من استمرار عمليات الاغتيال ولعدم وجود شخصية يمكن أن تتبوّأ منصب الأمين العام، بدأ التأكيد على أن هناك قيادة جماعية تقود الحزب وتديره. ولكن في ظلّ الحرب الصاعقة ونتائجها المدمّرة للحزب لم يكن خيار القيادة الجماعية صائباً، بل عكس وجود خلافات جوهرية تحول دون اختيار أمين عام لأنّ هذا الخيار ينطلق من طهران وليس من أي هيئة قيادية في الحزب الخاضع للقرار الإيراني. للخروج من هذه الدائرة المغلقة بدا وكأنّ خيار تمرير المرحلة بالشيخ نعيم أفضل الخيارات.
ولكن هل يستطيع الشيخ نعيم أن يقود الحزب فعلاً؟ هل يعرف تركيبة ماكينته الأمنية والعسكرية؟ هل يعرف الخطط التي كانت موضوعة والاتصالات التي كانت محصورة بالسيّد نصرالله ومعاونيه الأقربين؟
في إطلالتيه الثانية والثالثة مثلاً، في وجهه الظاهر وسط مساحة سوداء، شبّه البعض إخراج هذه المشهدية بفيلم أحمد أبو عدس الذي أُعِدّ لتبنّي اغتيال الرئيس رفيق الحريري. الشيخ نعيم في إطلالاته لم يخرج من إطار مهنته الأساسية في التدريس والإرشاد الديني. كان واعظاً أكثر مما كان قائداً. لذلك سيكون تحت سقف قرار القيادة التي تدير الحزب وتحدّد له دوره وإطلالاته ومحور كلماته. فهل يبعد عنه هذا الأمر خطر الاغتيال؟
في إطلالتيه الأولى والثانية كأمين عام كانت جماهير الحزب هائمة في الطرقات وبدا كأنّه لا يعلم ماذا يحصل على الأرض. يتحدّث عن انتصارات وقلب موازين قوى بينما إسرائيل تتابع عمليات تدمير قرى بكاملها في الجنوب يصرّ الحزب على نفي حصول أي تقدم إسرائيلي نحوها. بكلمة واحدة يجبر أفيخاي أدرعي أهالي قرى عديدة على مغادرتها بينما لم ينفع تهديد الحزب لنحو 25 مستوطنة في شمال إسرائيل بإخلائها. يكرر الشيخ نعيم الخطاب نفسه في إطلالاته كأنه جامد في مكانه بينما التاريخ يتحرّك على أرض الواقع، بحيث يمكن أن يتجاوزه ويتجاوز الحزب قبل الصحوة من نظرية تعديل موازين القوى في الميدان.