خاص ـ مدارس اليوم التالي.. مستقبل ضبابي (جوي الكاشي)

حجم الخط

مدارس

تعيش الأجيال الطلابية الشابة في لبنان واقعاً قاسياً لا يشبه ما يعيشه أقرانهم في دول أخرى. فعلى مدى السنوات الأخيرة، ازدادت المصاعب أمام طلاب مدارس وجامعات في الوصول إلى حقوقهم التعليمية، بدءاً من الظروف الاقتصادية الصعبة، مروراً بالأزمات السياسية والأمنية التي تضرب البلاد والعالم، وصولاً إلى تحديات البنية التحتية الضعيفة التي تعوق قدرتهم على التعلم حتى في ظل الاستقرار النسبي. إضافة إلى ذلك، لعلَّ الوضع المستمر الذي يشهده الجنوب اللبناني والمناطق الأخرى، كان أحد العوامل التي عمَّقت الأزمة التعليمية في البلاد.

التعليم الرسمي بين الضغوط والأزمات المتتالية

لن نخوض هنا في التفاصيل المعروفة حول الواقع الصعب للمدارس الرسمية اللبنانية التي تتعرض لضغوط مستمرة، بفعل إضرابات الهيئة التعليمية وتراجع الدعم الحكومي لمطالب المعلمين وحقوقهم. فالمدارس الرسمية التي كان يجب أن تكون الملاذ الأساسي لأبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة، تحوّلت اليوم إلى بؤر تعاني من نقص في الكوادر التعليمية وتأجيل للدروس بشكل متكرر بسبب الإضرابات وقلة الدعم المادي، ما أدى إلى تراجع المستوى التعليمي بشكل ملحوظ.

الحرب والأمان والتحديات الجديدة

مع تفاقم المواجهات العسكرية بين “الحزب” وإسرائيل، تأثرت المناطق الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية بشكل مباشر، حيث اضطر أكثر من مليون شخص إلى النزوح نحو مناطق أكثر أمانأً، وهو ما أثَّر بشكل واضح على الوضع التعليمي. فقد تحولت مئات المدارس الرسمية إلى مراكز إيواء للنازحين، ما دفع الطلاب والمعلمين إلى البحث عن بدائل مؤقتة، كالتعلم عن بعد والالتحاق بأقرب مدارس تفتح أبوابها.

تحديات التعليم عن بعد في ظل البنية التحتية الضعيفة

كان من الممكن أن يمثّل التعليم عن بعد حلأً مؤقتأً في ظل هذه الظروف، غير أن ضعف البنية التحتية الرقمية وشبكات الإنترنت في لبنان حال دون ذلك. فالطلاب في لبنان لا يملكون نفس الإمكانيات الرقمية التي يتمتع بها أقرانهم في الدول الأخرى، أو حتى في مناطق لبنانية أخرى حيث تختلف جودة “الإنترنت”. هذا يزيد من صعوبة استمرار التعليم خلال فترات النزوح، فضعف الشبكة ومحدودية الإمكانيات التقنية في المناطق النائية، يجعل من الصعب تقديم تعليم متكامل عبر الإنترنت.

إعادة الإعمار ومعضلات العودة إلى المدارس

إن مسألة عودة الطلاب إلى مدارسهم لا تقتصر على انتهاء الحرب، بل تتعداها إلى مرحلة إعادة الإعمار التي قد تمتد لسنوات، وقد تكون مليئة بالتحديات على كافة الأصعدة. بالتالي، إن استعادة المرافق التعليمية التي تضررت أو تم استخدامها كمراكز إيواء للنازحين، تتطلب جهودأً كبيرة وميزانية ضخمة، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان.

المدارس مراكز إيواء مؤقتة وتحديات العودة

مع استمرار الحرب التي بادر “الحزب” إليها، واجهت العديد من المناطق في لبنان دمارًا كبيرًا في البنية التحتية، شمل المنازل والمدارس والمرافق العامة. من هنا، فإن تشغيل المدارس كمراكز لإيواء النازحين، فرض تحديات كبيرة على النظام التعليمي. فهذه المدارس التي أُعدَّت بشكل سريع لاستقبال النازحين، تحوَّلت من أماكن تعليمية إلى مراكز إيواء تقدم الدعم الأساسي للسكان المتضررين. في هذه الحالة، أصبحت العودة إلى المدارس تتطلب فترة طويلة، إذ أن بقاء النازحين في هذه المنشآت يعتمد بشكل مباشر على وقف إطلاق النار ومدى سرعة إعادة إعمار منازلهم.

عملية طويلة الأمد تؤخر عودة الطلاب

عملية إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب ليست أمرًا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها؛ فهي تحتاج إلى موارد مالية ضخمة وتخطيط دقيق وتنسيق بين الجهات المحلية والدولية، ومع الوضع الاقتصادي الصعب في لبنان، قد يستغرق إنجاز إعادة الإعمار سنوات طويلة. هذا يعني أن المدارس التي تحولت لمراكز إيواء قد تبقى مشغولة لفترة طويلة، ما يحول دون عودة الطلاب إليها ويؤخر استئناف التعليم الحضوري بشكل طبيعي.

تأخر العودة وتأثيراته على المستوى التعليمي

بفعل استمرار المدارس كمراكز إيواء، يُحرم الطلاب من العودة إلى بيئتهم الدراسية المعتادة، ما يؤثر سلبًا على مستواهم التعليمي وتحصيلهم الأكاديمي. إن الانقطاع المستمر عن الدراسة الحضورية، واعتماد البدائل المحدودة مثل التعليم عن بعد في ظل بنية تحتية ضعيفة، يؤدي إلى فجوات تعليمية يصعب تعويضها مستقبلاً. الطلاب في لبنان، الذين يعانون أصلًا من اضطرابات تعليمية متكررة بفعل الأزمات الاقتصادية والسياسية، يواجهون اليوم واقعًا جديدًا يجعل مسارهم التعليمي أكثر صعوبة.

تحديات إعادة التأهيل للمرافق التعليمية بعد استخدامها كمراكز إيواء

حتى بعد إعادة النازحين إلى بيوتهم، فإن المدارس التي استُخدمت كمراكز إيواء ستحتاج إلى إعادة تأهيل كبيرة لاستقبال الطلاب. هذا التأهيل يتضمن إعادة تجهيز الفصول الدراسية، إصلاح البنية التحتية التالفة، وتوفير بيئة تعليمية ملائمة بعد استخدامها بشكل مكثف من قبل للنازحين. لذا، قد تستمر فترة التعطل حتى بعد انتهاء عمليات إعادة الإعمار.

مداخلة مدير مدرسة الغسانية حسين جواد حول تحديات عودة الطلاب إلى المدارس بعد الحرب:

في اتصال هاتفي أجراه موقع القوات اللبنانية الإلكتروني مع مدير مدرسة الغسانية في قضاء صيدا، الأستاذ حسين جواد، تناولنا قضية عودة الطلاب إلى المدارس بعد انتهاء الحرب. جواد أكد أننا “نتحدث عن مرحلة ما بعد الحرب، وأعتقد بشكل جازم أنه لن يبقى نازح في المدارس حتى ولو كانت بيوتهم مدمرة؛ فالنازحون سيعودون إلى قراهم وأحيائهم، إذ إن الظروف التي يعيشون فيها داخل المدارس قاسية وغير ملائمة”.

رداً على سؤال حول وجهة النازحين في حال كانت منازلهم مدمرة، أشار جواد إلى أن “هذا الأمر سيصبح مسؤولية المحافظة والمنطقة التي خرج منها النازحون، وسيتم البحث عن حلول بديلة للنازحين بحيث تتم المعالجة بشكل آخر بما يتيح للطلاب العودة إلى مدارسهم”.

فيما يخص إعادة تأهيل المدارس للتعلم وليس للسكن، قال جواد: “تحتاج المدارس إلى صيانة شاملة، وعلى الرغم من أن وجود النازحين سيترك آثارًا، غير أن هذا الوضع قابل للإصلاح في فترة زمنية قصيرة نسبياً، ولا يستدعي فترة طويلة”، مؤكداً لدى سؤاله عن إمكانية إخلاء المدارس من النازحين فور انتهاء الحرب، بأن “كل نازح متعلق بأرضه وضيعته وسيعود اليها في أسرع وقت ممكن”.

عن الدعم المالي لترميم المدارس المتضررة، أوضح جواد أنه “كمدير مدرسة الغسانية، التي تعرضت لأضرار جراء الحرب، أعتقد أن صيانة مدرستي قد تستغرق حوالي ثلاثة أشهر، ومع ذلك، سنحرص على عودة الطلاب إلى المدرسة بالتزامن مع عملية إعادة الإعمار. هذا بالتأكيد يتطلب ميزانية مالية ضخمة ودعماً دولياً ومحلياً، إضافة إلى خطط حكومية لتخصيص جزء كبير من المساعدات للمدارس”، خاتماً حديثه بالتأكيد أننا “نحتاج دعم المجتمع المحلي والدولي والعربي، ونتمنى أن يتميز القطاع التعليمي بقدرة سريعة على إعادة الإعمار، حيث إن تعليم الأطفال هو أولوية في جميع المجتمعات”.

آفاق وحلول مطلوبة لمستقبل التعليم

لعل الحلول الممكنة تتطلب توحيد الجهود بين المجتمع المدني والمؤسسات الدولية لتقديم الدعم اللازم للقطاع التعليمي، سواء من خلال تأمين دعم مالي لتمويل عمليات إعادة الإعمار أو تحسين البنية التحتية الرقمية. كذلك يجب التركيز على تطوير حلول بديلة كالتعليم عن بعد أو إنشاء منصات تعليمية مخصصة للتغلب على عقبات البنية التحتية، إضافة إلى ضرورة تأمين الدعم النفسي للطلاب الذين تأثروا من النزوح وظروف الحرب.

اقرأ ايضاً: خاص ـ إعادة الإعمار في اليوم التالي.. مسار شاق (ميليسّا نجم)

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل