“انتصار” فضل الله بفضل “الشيطان الأكبر”

حجم الخط

حسن فضل الله

إذا كان حزب النائب حسن فضل الله قد وافق على إخلاء منطقة جنوب الليطاني من السلاح والعناصر الحزبية التابعة له، ووافق على فصل لبنان عسكريًا عن غزّة، بحسب البنود العلنية والواضحة للاتفاق التي لا لبُس فيها والمتوافق عليها بين الجميع، فما الهدف اذًا من نغمة الاحتفاظ بالسلاح، والنكتة السمجة “جيش شعب مقاومة”؟

لقد تخليتم عمليًا وموضوعيًا وعسكريًا عن شعار “وحدة الساحات”، وتخليتم معها عن “إسناد غزّة”، واستطرادًا عن “اسناد القضية الفلسطينية” عسكريًا، بحسب أدبياتكم يا سعادة النائب فضل الله بالطبع، وليس بحسب ما نعرفه ويعرفه كل العرب عنكم حول حقيقة هذا الموضوع، فماذا تبقّى لسلاحكم إذًا من هدفٍ لاحتفاظكم به؟

هل المطلوب من المجلس النيابي مثلًا إقرار قانون عفو عام جديد عن الجرائم والإرتكابات والاغتيالات التي حصلت بعد عام 1991، وخصوصًا بعد عام 2005، حتى تطمئنوا من قلق المحاسبة، وتُسّلموا أخيرًا للدولة اللبنانية بآحادية امتلاكها للسلاح؟

معادلتك “جيش شعب مقاومة” ليست عرفًا يا سعادة النائب، حتى لو تكررت في البيانات الوزارية مئات المرّات، لأن الأعراف الدستورية الصحيحة، وأنت المُلّم بالقانون الدستوري، هي التي يفرزها المجتمع بشكلٍ طبيعي وتلقائي في دينامية المجتمع والسلطة من دون أن تفرض أي قوة قاهرة نفسها على هذه الدينامية، بينما معادلتك يا أستاذ فضل الله فُرضت بالسلاح والقمصان السود و7 أيار والاغتيالات، وبتوازن قوى إيراني داخل الساحة اللبنانية، وقبلها فُرضت بقوة الاحتلال الأسدي، وفي ظل تغييب مكوّن مسيحي بكامله عن السلطة منذ عام 1990 وحتى 2005!

هذه المعادلة يا سعادة النائب تُشبه بالضبط كل القرارات السياسية والإدارية والتشريعات والقوانين التي تفرضها أي قوة احتلال خارجية على البلد المُحتل، وهي تُعتبر لاغية وكأنها غير موجودة أصلًا، بمجرد تحرير هذا البلد من الاحتلال، أو بمجرد خروج هذه القوة القاهرة من الخدمة، تمامًا مثلما هو حاصلٌ اليوم بعد الوقيع على اتفاق هوكشتاين.

أنتم تعرفون يا سعادة النائب قبل سواكم من اللبنانيين، أن سلاحكم لم يعد يلزم لمقاومة إسرائيل بعد موافقتكم على اتفاق هوكشتاين، ولا يصلح أيضًا لاستخدامه في الداخل اللبناني على نطاق واسع لإرضاخ اللبنانيين والسياديين، للأسباب التي تعرفونها ونعرفها ويعرفها الرئيس بري وهوكشتاين ونتانياهو أكثر منا جميعًا.

لذلك فالهدف الوحيد المتبقّي لكم إذًا للاحتفاظ بالسلاح هو تخويف بعض المسؤولين والسياسيين بالمفرّق، وصولًا ربما لتنفيذ عمليات اغتيال، كالتي حصلت بعد عام 2005 وأدانتكم بها المحكمة الخاصة بلبنان، من أجل التمسّك بالمكتسبات الأمنية والتعطيلية والسياسية والانتخابية التي وفرّها لكم هذا السلاح منذ عام 2005، ومنع القضاة والأمنيين من فتح بعض الملفات الأمنية والقضائية، خصوصًا قضية المرفأ وغيرها، التي قد تطالكم بالمباشر.

ثم عن أي انتصار تتحدث يا سعادة النائب وقد لحس إمضاؤكم، أو إمضاء أخوكم الأكبر على الاتفاق، كل شعارات معركة 8 تشرين الأول التي أطلقها أمينكم العام السابق نصرالله؟

ماذا حصل بموضوع “لا وقف لإطلاق النار من لبنان قبل وقف النار في غزة”؟

أين شعار “أهون أن يُنقل نهر الليطاني الى الحدود من أن يتراجع الحزب الى شمال الليطاني”؟

بدأت القضية بطلبٍ أممي منكم بتراجع الرضوان 5 كلم عن الحدود، وكنتم ترفضون، واليوم وافقتم على انسحاب كل عناصر “الحزب”، وليس ما تبقّى من الرضوان فقط، الى ما وراء 10 كلم عن الحدود، فيما إسرائيل ما تزال تحتل عشرات القرى والبلدات اللبنانية، فأين هو هذا الانتصار؟

إذا كنتم تعتبرون أن إسرائيل أخفقت بتحقيق أهدافها في القضاء عليكم، غير أن إسرائيل في الحقيقة استحصلت منكم على أكثر بكثير ممّا كانت تريده طيلة 11 شهرًا من المعركة، والذي كان السيد حسن يرفضه. يمكنكم مراجعة كل الصحف ووسائل الاعلام من 9 تشرين الأول الى 27 ايلول 2024.

ثم ما هو مفهومك لموضوع “القضاء عليكم”؟ أليس إجباركم على التوقيع على بنودٍ تمنع عليكم التسلّح، وتفرض تفكيك كل بنيتكم العسكرية ومراقبة المعابر الحدودية والبحرية والجوية، من دون حتى اضطرار إسرائيل للتوغل أكثر في اجتياحها البرّي وتكبيد نفسها خسائر إضافية، أليس هذا “قضاءً على حضوركم العسكري” بأقل ضررٍ للإسرائيلي؟

ثم من أين لكم النصر يا سعادة النائب إذا كان إيقاف إسرائيل للنار ناتجٌ عن ضغوطٍ أميركية عليها، وليس ضغوطٍ إيرانية مثلًا، أو ضغوط الميدان، لأنه في هذه الحالة يكون إخفاق إسرائيل بـ”القضاء عليكم” هو فعلٌ متأتٍ عن “شيطانٍ أكبر”، وليس عن صديق أو حليف، وهو بالتالي أسوأ أنواع الهزائم وأكثرها خطورة، وأكبرها تداعياتٍ سلبية عليكم.

من يتكّل على “الشيطان الأكبر” ووسيطه، لحماية نفسه من “الشيطان الأصغر”، هو في الحقيقة مدين للأول بعدم تمكّن “الشيطان الأصغر” من القضاء عليه، وإعلان “الانتصار” اليوم، وهذا في السياسة يُعتبر انتقالًا من محور الى محور يا استاذ فضل الله “بسلامة فهمك”، مع ما لذلك من تداعياتٍ وجودية على فكركم السياسي بأكمله، وعلى طبيعة حزبكم من ألفها الى يائها، وذلك تحت طائلة بقائكم في المحور ذاته من دون التمكن من القضاء عليكم، ولكن بمواجهة الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر معًا، ومن دون هوكشتاين ولا ضوابط ولا وسطاء، وعندها فقط يمكنكم التبجّح بـ”الانتصار”.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل