هزيمة “الانتصار”

حجم الخط

الحزب بيروت

الثامنة من مساء الثلثاء 26 تشرين الثاني 2024 أطل رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو على اللبنانيين عبر الشاشة ليعلن عن وقف إطلاق النار مع لبنان لكن بالشروط التي حددتها إسرائيل. وفيما كان يعلن عن الأسباب والشروط الواجب أن تلتزم بها الدولة اللبنانية وعبرها “الحزب” كانت أبواب جهنم مفتوحة على الضاحية الجنوبية ووسط بيروت، وكان سرب المسيّرات يلقي البالونات الحرارية فوق مبنى السراي الحكومي

لكن الحدث كان في مراكز إيواء النازحين. مشهد أقل ما يُقال فيه إنه سوريالي. زغاريد، إطلاق رصاص، أعلام “الحزب” التي لم يخرقها علم لبناني واحد رفرفت على الشرفات والسيارات التي حملت ما جمعته من أمتعة وفرش وسلكت مع ساعات الفجر الأولى أوتوستراد جونيه – بيروت – الجنوب الذي تحوّل إلى مواقف بسبب الزحمة تمامًا كما في الساعات الأولى على بدء الحرب والنزوح الأكبر الذي شهده لبنان.

وما بين الإعصار الإسرائيلي في الساعات الأخيرة على إعلان وقف إطلاق النار ومشهد الدمار الذي خلفته الغارات الإسرائيلية على لبنان من جنوبه إلى بقاعه وصولاً إلى العاصمة بيروت في الساعات الأخيرة، صرخة لامرأة سبعينية نازحة كانت تقف أمام بوابة أحد مراكز الإيواء مع أقرباء وتحمل على رأسها “بقجة” أمتعة في انتظار وصول سيارة تقلّها إلى منزلها الجنوبي، أو هذا ما كان يُفترض أن يكون، تختصر هزيمة النصر: “شو استفدنا من هالحرب؟ راح البيت والأرزاق والشباب استشهدوا وما بقي مين يخبّر… انتصرنا؟ يمكن. بس نفوسنا اتدمرت”!

رسميًا دخل اتفاق وقف النار حيز التنفيذ العاشرة من صباح الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024، أي بعد شهرين تحديدًا على اغتيال إسرائيل أمين عام “الحزب” نصرالله. صدفة؟

لنسلّم بذلك. لكن ما توقعه اللبنانيون وبيئة “الحزب” أن يخرج الأمين العام الخلف الشيخ نعيم قاسم من مخبأه ويلقي كلمة أو يعلن موقفاً من تلك اللحظة التي يُفترض أن تدخل التاريخ. إلا إذا أراد أن يُقرن صفة “الأخ الأكبر” التي أعطاها لرئيس مجلس النواب والناطق الرسمي بعد اغتيال نصرالله بإسم الحزب بالفعل. وفعلها نبيه بري. فقد فاوض مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين على بنود الاتفاق، واتفقا على إخراج ما يبيض صفحة الطرفين وأبقى على البنود التي تكمن فيها الشياطين قيد السرية.

واعدا سكان الشمال بالعودة وإعادة تأهيل منازلهم، حدد نتنياهو الأسباب التي دفعت “الكابينيت” الإسرائيلي إلى الموافقة بالإجماع على وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”الحزب” باستثناء وزير واحد. وبالمباشر قال نتانياهو: “السبب الأول هو التهديد الإيراني، والثاني تجديد القوات العسكرية والمعدات وهذا الأمر ليس سرًا وستكون لدينا أسلحة متطورة، والسبب الثالث فصل جبهة الحزب عن حركة ح.” وبثقة ردد مرتين: “الحزب لم يعد موجودًا ونحن نغيّر وجه الشرق الأوسط”.

أيضًا شكر نتانياهو سكان المستوطنات الشمالية وتوجه إليهم قائلا: “أنا فخور بكم وبصمودكم. أطمئنكم سنضرب رأس الأفعى إيران وسنمنعها من الحصول على السلاح النووي. فككنا حماس، قتلنا يحيى السنوار وعشرات آلاف مقاتلي الحركة، أعدنا 145 مفقودًا إسرائيليًا وملتزمون بإعادة 101 من المخطوفين الرهائن أحياء كانوا أم أموات. قتلنا نصرالله وكل قادة الصف الأول في الحزب، دمرنا بنى الصواريخ التحتية والأنفاق التي كان يشيّدها على مدى أعوام وهاجمنا أهدافاً إرهابية تابعة للحزب”.

في المقابل صمت مدقع من جانب “الحزب”، صحيح أن مظاهر الاحتفالات التي عمّت الشوارع منذ فجر الأربعاء كانت كفيلة بإعطاء صورة عن “فرحة النصر” التي غمرت العائدين إلى بيوتهم، لكن ثمة ما سيكتبه التاريخ وقبل ذلك ثمة ما ستشهد عليه آلاف العائلات التي نزحت وعادت اليوم لتصلّي على أرواح 4500 قتيل وأكثر من 15 ألف جريح ولتشهد على تدمير حوالى 60 ألف وحدة سكنية عدا عن المباني التي تعرضت لأضرار جسيمة وتحتاج إلى إعادة ترميم.

كل هذا ولم نتكلم بعد عن 37 بلدة دمرتها إسرائيل بالكامل ومحتها عن خارطة الجغرافيا اللبنانية. والسؤال الذي يُطرح هل كان الهدف تدمير البنى التحتية لأنفاق ومخابئ الأسلحة التابعة لـ”الحزب” أم رسم خارطة حدود جغرافية جديدة وفقاً لما يردده نتانياهو؟

بانسحاب “الحزب” إلى شمالي الليطاني يصبح مفهوم سلاح المقاومة خارج التداول، خصوصًا أن الجيش اللبناني سيتولى مع القوى الأمنية حماية الحدود. وإذا صدق نعيم قاسم في قوله بأنه تحت سقف الطائف، فهذا الكلام يلزمه أولاً بتسليم سلاح الحزب بموجب الاتفاق. أما الاعتراف قولاً بالقرار 1701 فلا يفيد عملاً بالمثل القائل “مين جرّب مجرّب كان عقلو مخرّب”، والكل يتذكر كيف وافق “الحزب” على إعلان بعبدا وقال في اليوم التالي “بلّو واشربوا ميتو”، وكذلك بالنسبة إلى القرار 1701 الصادر بعد حرب تموز 2006. ولو طبّق القرار بحذافيره لجنّب الحزب بيئته كل هذه الويلات، والوطن كل هذه الأثمان التي تصح فيها اليوم عبارة نصرالله “لو كنت أعلم”!

عندما دخل “الحزب” الحرب كان ذلك تحت عنوان “مساندة غزة”. اليوم وافق على فصل غزة كما جاء في كلمة نعيم قاسم، وهذا يعني في المفهوم العسكري أن الحزب هزمَ وخسر إحدى أوراقه. والسؤال الذي يطرح أيضًا: هل ستسمح إسرائيل لسكان القرى والبلدات التي سوّتها بالأرض بإعادة إعمارها؟ ألم يخطر في بال المعنيين أن منهجية التدمير الكامل تهدف إلى إعادة ترسيم حدود جغرافية جديدة؟ هل ثمة قرار سياسي سيعطى للجيش اللبناني بسحب سلاح “الحزب” كما هو وارد في بنود الاتفاق ومنع عناصره من نقل السلاح في الداخل اللبناني وعبر الحدود الشرقية؟

بحسب الاتفاق ستضم اللجنة الخماسية التي تقودها الولايات المتحدة، فرنسا ولبنان وإسرائيل و”اليونيفيل” وستتولى الإشراف على تنفيذ عمليات إخلاء “الحزب” من مناطق الجنوب على 3 مراحل تتألف كل منها من 20 يومًا. الأولى من القطاع الغربي وتشمل انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي احتلتها بموازاة انتشار معزز للجيش اللبناني و”اليونيفيل”.

المرحلة الثانية في الأيام الـ20 التالية وتشمل بدء عمليات الإخلاء والانسحاب من مناطق القطاع الأوسط، وتُخصص الأيام العشرين الأخيرة لتطبيق المبدأ نفسه في القطاع الشرقي. ولن يُسمح لسكان القرى الأمامية في جنوب لبنان بالعودة فورًا إلى هذه المناطق في انتظار اتخاذ إجراءات تحفظ سلامتهم، إضافة إلى التأكد من خلوّها من المسلّحين، أو وجود أسلحة تابعة للحزب، في حين سيسمح للمدنيين الذين نزحوا من بلدات وقرى الخط الثاني والثالث جنوب نهر الليطاني.

في انتظار أن تمر هدنة الـ60 يومًا يبقى الحذر سيد الموقف خشية أن يكون الاتفاق لرمي الكرة في ملعب الدولة من الجانب الإسرائيلي بعدما كان محصورًا بـ”الحزب”. من هنا يبقى القول بأن الاتفاق “ليس نهاية الحرب” إنما وقف لإطلاق النار، وعندما يقرر اللاعبون الكبار الدخول إلى خطها عبر “أدواتهم” سيقولها “الحزب” من جديد “بلّو واشربوا ميتو”، إلا إذا كانت هناك دولة حقيقية ومؤسسات تعمل وعلى رأسها رئاسة الجمهورية. آنذاك لن يشرب اللبنانيون علقم حروب الآخرين على أرضنا!

 

اتفاق وقف النار… هذه بنوده:

انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان خلال ستين يومًا، مقابل الانسحاب الكامل لـ”حزب” إلى شمال نهر الليطاني الذي يبعد 30 كلم عن الحدود مع إسرائيل.

يخضع الاتفاق إلى إشراف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ومن المتوقع أن يصبح اتفاقًا دائمًا بعد فترة الستين يومًا.

يلتزم “الحزب” وجميع الجماعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية عدم تنفيذ أي عمل هجومي ضد إسرائيل.

في المقابل، لن تنفذ إسرائيل أي عمل عسكري هجومي ضد أهداف في لبنان، سواء على الأرض أو في الجو أو في البحر.

تعترف كل من إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.

هذه الالتزامات لا تلغي حق إسرائيل أو لبنان في ممارسة حقهما الأصيل في الدفاع عن النفس.

ستكون قوات الأمن والجيش اللبناني الرسميين هي الجهات المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو تشغيل القوات في جنوب لبنان.

تتولى الحكومة اللبنانية الإشراف على بيع الأسلحة أو توريدها أو إنتاجها أو المواد ذات الصلة بالأسلحة في لبنان.

تفكيك جميع المنشآت غير المصرّح بها المعنية بإنتاج الأسلحة والمواد ذات الصلة بالأسلحة.

تفكيك جميع البُنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها التي لا تتوافق مع هذه الالتزامات.

إنشاء لجنة تحظى بموافقة كل من إسرائيل ولبنان للإشراف والمساعدة في ضمان تنفيذ هذه الالتزامات.

تقدم إسرائيل ولبنان تقارير عن أي انتهاكات محتملة لهذه الالتزامات إلى اللجنة وإلى قوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل).

نشر قوات الأمن الرسمية وقوات الجيش على طول جميع الحدود ونقاط العبور والخط المحدد للمنطقة الجنوبية كما هو موضح في خطة الانتشار.

تنسحب إسرائيل تدريجًا من جنوب الخط الأزرق في فترة تصل إلى 60 يومًا.

تعمل الولايات المتحدة على تعزيز مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل ولبنان للوصول إلى حدود برية معترف بها.

 

كتبت جومانا نصر في “المسيرة” ـ العدد 1759

اتفاق وقف النار.. ليست نهاية الحرب!

هزيمة “الانتصار”

 

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل