الصفعة لـ”الحزب” والصفقة لإيران؟

حجم الخط

في عز زمن القمع السوري، لا سيما بعد اعتقال قائد “القوات اللبنانية” بسنوات عدة، وجدتُ من المفيد أن أقصد الوزير السابق والدبلوماسي المخضرم فؤاد بطرس أحد أبرز من تولى حقيبة الخارجية على مر العهود. وعلى عادته بدا متشائمًا، وتشاؤمه كان غالبًا في محله، إذ قال بما يشبه قراءة رؤيوية، “إن لبنان بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وعلى رغم نهاية الحرب منذ فترة لا بأس بها، بات ساحة متفلّتة يصعب فيها ضبط المداخلات الإقليمية والدولية، بعدما كان على حافة النفوذين الأميركي والسوفياتي بين حلفي الأطلسي ووارسو، إذ كان محسوبًا على الغرب مع انفتاح على الشرق عبر البوابة السورية. لكن الفارق أن خطوطاً حمرًا كانت تفرض الحفاظ على لبنان النموذج بتنوّعه ولو في ظل الحرب. أما بعد سقوط جدار برلين، فلم يعد هناك من حسابات ثابتة ومبدئية لدى الدول الكبرى، بحيث تجد حرية واسعة في تجاذب الدول الإقليمية النافذة بمعزل من الإيديولوجيات وطبيعة الأنظمة”.

أضاف بطرس، “الله يعين لبنان، لم يعد هناك مرجعية يمكنك الركون إليها، ولو لم تكن من محبذي سياستها، وهذا يعني السماح لأي قوة إقليمية بشكل خاص أن تتدخل في الشأن اللبناني، والخشية بخاصة هي من توسّع الدور الإيراني في ظل الوصاية السورية”.

وكان فؤاد بطرس على حق. تعاظم الدور الإيراني في لبنان بحجة دعم المقاومة. انسحب السوريون وحلت الوصاية الإيرانية ممثلة بـ”الحزب”، الذي عرف كيف يُسكت الغالبية السنيّة في العالمين العربي والإسلامي فترة لا بأس بها، على قاعدة التضامن معه كمقاومة وحيدة جدية لإسرائيل.

لكن جدلية السلاح في يد “الحزب”، أخذت تتخد أبعادًا جديدة، بعدما أدار سلاحه للداخل، ما دفع الإخوان المسلمين في مصر مثلاً إلى التحول من مناصرين يشيدون بالحزب، إلى رفع لواء الخصومة والغضب باعتبار أن 7 أيار2008 كانت أقرب إلى حرب على السنّة في لبنان.

اليوم يجد “الحزب” نفسه في مواجهة مباشرة مع فسيفساء معقدة من اللبنانيين، سواء أكانوا طوائف أو أحزابًا أو قوى حية، وغالبيتهم يلتقون بنسبة أو بأخرى على رفض الحرب وما يقدمه لها من مبرّرات، وعلى ضرورة العودة إلى الدولة، وهم أكثريات سنيّة ومسيحية ودرزية على صعيد المكوّنات الطائفية، وهم سياسيًا مزيج من القوى التي تخاصم الحزب أو تهادنه أو ما زالت في تحالف معه على القطعة أو بعض العناوين.

 

أين الميثاق في معمعة الحرب؟

إن النتائج المترتبة حتى الآن على الحرب، تتمثل خصوصًا بإحياء شروط الانتظام العام في الدولة اللبنانية، أي:

الميثاق الوطني أو عقد الشراكة التاريخي بين المسيحيين والمسلمين، وما يعنيه من رفض لمنطق التفوّق أو التمايز لأي فئة على أخرى، سواء بالعدد أو بالقوة أو بالمال، وهو المنطق الذي سعى “الحزب” إلى فرضه طويلاً، علمًا بأن اتفاق الطائف هو الذي كرّس الميثاق في الدستور، وقضى بحل جميع المليشسيات من دون تمييز وتسليم سلاحها للدولة.

رفع وتيرة الضغط لانتخاب رئيس للجمهورية، يتولى قيادة البلاد الى الحلول الكبرى، ويتولى أيضًا التفاوض باسم الدولة اللبنانية بحسب الدستور، ومن هنا يمكن فهم الاعتراض المتعاظم لدى المسيحيين من مختلف التوجّهات للواقع التفاوضي الراهن باسم الجمهورية اللبنانية.

استعادة المؤسسات دورها الطبيعي لا سيما الجيش اللبناني بعد تعزيزه عدةً وعديدًا، فضلاً عن القضاء بعد تحرره من الضغوط والابتزاز.

لقد سعى “الحزب” إلى استغياب الطائف ومن خلاله الدستور ومبدأ الشراكة والتوازن، مستغلاً الغطاء الذي وفره له التيار الوطني الحر، لا سيما خلال وجود ميشال عون في سدة الرئاسة، ولم يتردد في استغلال الجشع التياري الى المناصب والمكاسب، ليعمّق هيمنته على القرار، وصولاً إلى التفاوض عن الدولة وبوجود رئيس للجمهورية على غرار ما حصل بالنسبة لاتفاق الترسيم البحري مع إسرائيل، حيث تبيّن أن دور عون كان شكليًا، بل إنه سلّم بالتخلّي عن الخط 29.

ولذلك، تقف “القوات اللبنانية” ومعها مجموعة من الشخصيات السيادية بقوة في وجه المكابرة التي يعبّر عنها جماعة الممانعة، والإصرار الإيراني على التدخل الوقح في الشأن اللبناني. وترفض القوات الاتهام ولو تلميحًا برهانها على نتائج الحرب الدائرة، لأن “الحزب” هو الذي استجرها إلى لبنان، ولأن الوقائع كشفت أن الحزب هو في نهاية المطاف أداة بيد الولي الفقيه، بعدما مهد الطريق أمام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كي يصل بها الأمر الى توجيه تعليمات لرئيسي المجلس والحكومة، وصولاً إلى إعلان رئيس البرلمان الإيراني استعداد بلاده للتفاوض مع فرنسا في شأن القرار 1701.

لذلك أيضًا، لا يمكن التسليم بعد اليوم بأي صفقة أخرى على غرار صفقة الترسيم البحري، بما يكرّس أي هيمنة ضمنية لمحور الممانعة على الحياة السياسية اللبنانية والقرار السيادي للدولة، وكأن شيئا لم يكن، لأن أي محاولة لاستعادة المعادلة السابقة، تعني الاستمرار في الحروب والصراعات الموسمية إلى ما لا نهاية، وتاليا تفرض البحث الجدي في تركيبة النظام بما يحفظ التنوّع ويوفر الأمان والاستقرار لمن يرفض التسليم بمنطق المقاومة العبثية كحجة لمواصلة هيمنة الدويلة على الدولة.

لبنان الوطن الواحد باق والدولة التي تستظل الميثاق الوطني باقية، ولكي يستمر الوطن والدولة، لا بد من تحريرهما من سطوة السلاح والعدد، وبلورة تركيبة متقدمة يرتاح إليها الجميع، وإلا لا معنى للبنان النموذج والحاجة الإنسانية التي تعبّر عنها مرجعيات دولية.

أنطوان مراد ـ مستشار رئيس حزب “القوات اللبنانية” لشؤون الرئاسة

 

كتب أنطوان مراد في “المسيرة” ـ العدد 1759

الصفعة لـ”الحزب” والصفقة لإيران؟

لا دويلة أحادية فوق الدولة التعددية 

 

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل