وكأنها “عامية انطلياس”، انطلقت من جديد في لبنان لتواجه أقسى الاحتلالات على الاطلاق، ولتعلن المواجهة على كل ما سبق من حكم الميليشيا التي أدت الى تدمير البلاد، وهذه المرة أيضًا من قلب جبل لبنان، من معراب تحديدًا. عامية انطلياس التي انطلقت العام 1840، أدت الى زوال الإمارة الشهابية وتغيير شكل الحكم في جبل لبنان، بعدما بالغ الأمير بشير الشهابي بفرض الضرائب على الشعب، وتحالف مع رجال دين وتجار ونافذين، فثارت في وجهه العامية على مراحل وواجهت ظلمه واسقطته.
لبنان اليوم في عين العاصفة يواجه، هي عامية أخرى في وجه السلاح غير الشرعي الذي احتل لسنين أرض الأرز ودمرها، “ما حدن يفكر انو ممكن العودة لوضعية ما قبل 7 تشرين، وما بدكن دولة قولوا تـ نعرف حالنا شو نعمل”، قال سمير جعجع في الاجتماع الأخير لتكتل الجمهورية القوية في معراب منذ نحو أسبوع. كان سقف الكلام عاليًا، والعبارة “تـ نعرف حالنا شو نعمل” التي جعلها مناصرو “القوات اللبنانية” شعارًا مقاومتيًا يحمل ما يحمله من دلائل المواجهة، حملت الكثير من التأويلات عند الممانعين، إذ إن وقع الكلام هذه المرّة كان أقسى عليهم، هم الخارجون من تجربة انكسار غير متوقعة، وأيضًا انكسار لبنان معهم وبسببهم، خصوصًا أن كلام الحكيم بدا وكأنه أكثر حزمًا وإصرارًا من أي وقت مضى، أو لنقل بدا الأمر وكأن الحكيم يتحضّر فعلًا “لعملة ما”، بحسب ما استنتج أحد الزملاء السياديين، ولذلك شنّت أبواق الممانعين حملة إعلامية مكثفة، على من تحوّل الى الكابوس السياسي الأكبر بالنسبة اليهم في لبنان، أي الدكتور جعجع، ولم تكتفِ الحملة التخوينية المعتادة على الحكيم بكيل الشتائم وما شابه، بل حاولت النيل من معراب تحديدًا، كمقر للمخططات “الجهنمية” ضد “الحزب” وضدهم عمومًا!
في الواقع، دائمًا تتحضّر معراب “لعملة ما”، خصوصًا خصوصًا في أيام الشدّة، وما مرّ على لبنان أيام شدة أصعب من تلك التي عبرت في سنة كاملة، وخصوصًا في الاشهر الثلاثة الأخيرة، إذ تحولت معراب فعليًا الى مقر يجمع السياديين كافة لدرس كيفية مواجهة الأعظم الآتي على لبنان، وجاء الأعظم وغرق لبنان في الدماء والدمار وتحوّلت معراب الى “وِكر” الخونة والمتصهينين بالنسبة للممانعين، ومعهم تحول السياديون ونواب المعارضة عمومًا، الى عملاء بالجملة!
لا تلتفت معراب الى كل هذا الهراء المدمر، بل تحاول مع السياديين كافة، لمَ الشمل وتكثيف اللقاءات لتكون الخطوات على قدر المصائب التي تواجه لبنان. منذ أشهر قليلة دعت معراب الى لقاء موسّع للمطالبة بتنفيذ القرارات الدولية لإنقاذ لبنان من الجحيم الآتي لا محال، فشنوا على الحكيم ومن شاركوا باللقاء، حملة شعواء متهمين إياهم بالعمالة لإسرائيل، لأنهم طالبوا بتنفيذ القرار 1701 وسواه، ولما توقفت الحرب، وقّعوا على اتفاقية وقف اطلاق النار التي تتضمن القرار إياه ومندرجاته كافة، والتي ينص عليها أساسًا اتفاق الطائف!! هي المفارقة الفاقعة إذًا.
في لقائه الأخير وتكتل الجمهورية القوية قال الحكيم الحقائق كما هي: “لا معادلة جيش شعب مقاومة… ووحدة الساحات نظرية خنفشارية لا وجود لها على أرض الواقع”، فجن الشباب الذين ما عادوا يملكون سلاحًا فعليًا أقوى من إعلامهم كما قال جعجع.
“فليسلموا سلاحهم إما للجيش أو بتبيعوه أو بتردوه لإيران، نحنا عملنا هيك وما حدن أحسن من حدن”، أنزلهم الحكيم من عرش المكابرة والعنجهية الوهمية، واتخاذ صفة أنصاف الآلهة، ليتذكروا أنهم أولًا وآخرًا مواطنين لبنانيين وعليهم أن يكونوا من ضمن سياق الدولة، وأن يحترموا القوانين والأعراف. ولعل أبرز عبارة أطلقت العنان لغضبهم تجاه معراب عندما قال سمير جعجع: “اتفاق الطائف لا يتضمّن أبدًا أي كلمة مقاومة”، يا للهول نطق الرجل كفرًا، وما وفّر الممانعون أي وسيلة إعلامية لديهم وأي من أبواقهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي للنيل من معراب وحركتها التي لا تهدأ.
في لقاء نواب المعارضة الأخير في معراب، التفّ النواب السياديون على بعضهم البعض، واجمعوا على ضرورة أن يتلقّف اللبنانيون الفرصة لاستعادة هيبة الدولة، وتنفيذ قرار وقف إطلاق النار من خلال استعجال تطبيق الآليات والخطوات العملية التي وافقت عليها الحكومة لجهة تطبيق القرارات الدولية والبنود ذات الصلة في اتفاق الطائف، والتعاطي الحازم مع الخروقات، وضبط السلاح وحصره مع الجيش اللبناني، وانتشار الجيش اللبناني على الحدود والأراضي اللبنانية كافة، “تمهيدًا للانطلاق بمرحلة جديدة من تاريخ لبنان تكون نقيض المرحلة السابقة التي لم تأتِ على اللبنانيين إلاّ بالمآسي والانهيارات والنكبات والحروب”، هو إعلان مواجهة إذًا بين العامية الحديثة من قلب جبل لبنان، وسلطة أكلت الأخضر واليابس وكادت أن تغير وجه لبنان بالكامل.
إذًا، المشكلة عند الممانعين هي “حركة معراب”، التي تشكل بالنسبة اليهم عملًا تحريضيًا ضد “الحزب” وضدهم عمومًا. والأمل عند السياديين هي حركة معراب، التي تشّكل معهم وبقوة حضورهم وثبات مواقفهم الوطنية وإصرارهم على إنقاذ لبنان، نقطة الانطلاق نحو إعادة تأسيس الدولة اللبنانية القوية برئيس ملتزم وجيش قوي وسلاح شرعي موحّد، ومنع سطوة أي ميليشيا على قرار الدولة، وأهم الاهم إسقاط تلك الثلاثية البائدة الكاذبة “جيش شعب مقاومة”، والتأكيد على ثلاثية “جيش شعب دولة”.
هذه أهمية حركة معراب وقد كان ممكنًا أن تكون في أي مكان سيادي آخر، لولا الظروف الأمنية الصعبة، وحسب حركة معراب أن تثمر وحدة سيادية تؤدي الى اختيار رئيس فعلي للجمهورية اللبنانية الحرة، على الرغم من كل تلك الشوشرة والفقاعات الإعلامية الممانعة، وأن تكون عامية معراب هي المفصل لإنقاذ لبنان من سطوة شياطينه… فهل لمعت فعلًا أبواق الثورة من معراب؟