يومياتُ قصرٍ فارغ.. حَضَرَ الموظفون وغاب الرئيس!

حجم الخط

القصر الجمهوري

قبل ثمانية أعوام، دخل الرئيس ميشال عون قصر بعبدا. تزامن ذلك مع فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية. بعد ثمانية أعوام يعود دونالد ترامب الى البيت الأبيض بعد فوزه للمرة الثانية بالانتخابات الأميركية، في وقت لا يزال يخيّم الفراغ على القصر الجمهوري في بعبدا منذ عامين ونيّف وينتظر القصر مع نافورته عودة الحياة إليه.

وفي ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في بلد الأرز، غابت أخبار قصر بعبدا عن يوميات اللبنانيين، وخيّم الصمت على أروقته التي اعتادت أن تشهد اجتماعات متتالية ولقاءات دبلوماسية وحراكًا سياسيًا يعكس نبض الدولة. كذلك اختفت جولات الإعلاميين والتصريحات الرسمية، فيما لفّ السكون باحته الخارجية مع توقف نافورتها عن العمل وإنزال العلم اللبناني عنها كإشارة إلى غياب سيّد القصر.

على رغم الشغور الثقيل، لم يخلُ القصر الجمهوري تمامًا من النشاط والحركة، فالموظفون الإداريون يحضرون الى مكاتبهم فيه يزاولون مهامهم اليومية ويديرون شؤونه، في تنسيق روتيني لا يتوقف. ولا تزال أقسام من القصر الجمهوري تنبض بالحياة على الرغم من انتهاء ولاية الرئيس السابق وعدم معرفة هوية الرئيس المقبل، فيما تم إقفال القسم المتعلّق بجناح الرئيس في القصر الجمهوري نظرًا لغياب أي نشاط رسمي فيه. ويشمل الجناح مكتب الرئيس، قاعات الاستقبال الرسمية، وثلاث قاعات ملحقة، بالإضافة إلى المكاتب التابعة له، فضلاً عن مقر إقامته في الطابق العلوي، جميعها خالية من أي حركة أو تفاعل رسمي.

في أقسامه الحيوية، يشهد القصر الجمهوري ورشة عمل جدية، حيث تواصل المديرية العامة لرئاسة الجمهورية بكل فروعها ودوائرها أداء مهامها اليومية بوتيرة منتظمة وبكفاءة عالية ما يعكس قدرتها على الاستمرار بنجاح وكأن الرئيس لا يزال موجودًا، لإدارة شؤون الدولة ولضمان مواكبة عمل الحكومة عبر إصدار المراسيم، والإشراف على جلسات مجلس الوزراء، إلى جانب متابعة مجلس النواب في سنّ القوانين وتشريعها. ويتولى كل مدير وموظف في إدارته مسؤولياته بشكل كامل، ما يضمن استمرارية العمل اليومي من دون توقف. وتُعدّ هذه نقطة حاسمة تساهم في منع حصول أي شلل إداري.

تُضاف إلى ذلك الأعمال الإدارية المعتادة، وفي مقدّمها إعداد تقارير يومية تتضمن كافة المعطيات التي سيحتاجها رئيس الجمهورية عند توليه المنصب، ويتم حفظها في الأرشيف، وتشمل التقارير توثيقاً شاملاً للمواقف السياسية والتطورات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ليكون الرئيس الجديد على اطلاع كامل بما جرى خلال فترة الشغور حول القضايا الأساسية والوطنية المطروحة.

وتشمل هذه التقارير، على سبيل المثال، التطوّرات في ملف النازحين السوريين، والإحاطة الشاملة بالملف الاقتصادي، بالإضافة إلى المستجدات العسكرية وتطوّرات نزوح اللبنانيين منذ بدء حرب الإسناد في 8 تشرين الأول 2023 وحتى اليوم.

 

الصيانة وتدريب للموظفين

في ظل غياب الرئيس، ووفقاً لما علمته “المسيرة”، أُتيحت الفرصة للدوائر الفنية في القصر لتنفيذ أعمال صيانة وترميم كانت متعذرة خلال سنوات الحكم الست، وشملت هذه الأعمال إعادة تأهيل الأنظمة الإلكترونية وتطوير البنية المعلوماتية لتواكب التطورات الحديثة.

إلى جانب ذلك، نُظّمت دورات تدريب وتأهيل للعاملين في القصر بالتعاون مع معهد الإدارة الوطنية، حيث تم التركيز خلالها على إدارة المؤسسات، وتنظيم العمل الإداري، وآلية التنسيق بين الإدارات، بالإضافة إلى موضوعات متعلقة بالموازنات والمراسلات.

تتابع مصادر “المسيرة” أن موظفي القصر يخضعون لدورات تدريب وتأهيل مستمرة، وتُعدّ هذه خطوة إيجابية، لكن تخصيص وقت لها كان أمرًا صعبًا في ظل وجود الرئيس بسبب انشغالات القصر اليومية. ومع غياب سيّد القصر، أصبحت الفرصة متاحة لهم للتفرّغ لها بشكل منتظم، ما أدى إلى تكثيف التدريب وزيادة عدد المشاركين، حيث أصبح بإمكانهم الانقطاع عن مهامهم في القصر لعدة أيام للمشاركة فيها.

 

المديرية العامة للرئاسة

مجرّد انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيكون القصر جاهزًا لاستقباله. كل شيء في مكانه وبحالة من الانتظام.

عملت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية إذاً خلال العامين الماضيين على تجهيز القصر لاستقبال رئيسه في أية لحظة. وتجدر الإشارة الى أن صلاحياتها تشمل:

أولاً: إدارة الشؤون الإدارية للقصر الجمهوري، أي إدارة المراسلات الرسمية، والإشراف على شؤون الموظفين، وضمان سير العمل في مكاتب الرئاسة.

ثانياً: تنسيق المراسيم الرئاسية وتجهيز القرارات الرسمية وتسهيل الإجراءات المتعلقة بالتوقيع عليها.

ثالثًا: إدارة العلاقات الدبلوماسية، أي تنظيم الزيارات الرسمية، والتنسيق مع الضيوف الأجانب، وترتيب الاجتماعات الدبلوماسية، بالإضافة إلى الفعاليات التي تعزز العلاقات الخارجية.

رابعاً: الإشراف على الجهاز الإداري في القصر، من تنسيق عمل الموظفين وتوفير التدريب والتأهيل للعاملين في القصر.

خامسًا: إعداد الملفات والتقارير عبر جمع وتوثيق البيانات المتعلّقة بالشؤون السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية التي يحتاج إليها رئيس الجمهورية عند اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى إعداد التقارير المرجعية.

سادساً: إدارة الشؤون المالية الخاصة بالقصر، أي متابعة الميزانية المخصصة للرئاسة وتنظيم صرف الأموال حسب الأنظمة المعتمدة.

سابعًا: تنظيم الاجتماعات الرسمية، أي إعداد وتنظيم الاجتماعات مع الوزراء أو الشخصيات الدبلوماسية، وضمان الترتيبات اللوجستية اللازمة لها.

باختصار، تهدف المديرية العامة للرئاسة إلى ضمان سير العمل بكفاءة وتنظيم داخل القصر الجمهوري، مما يسهّل على رئيس الجمهورية أداء مهامه بشكل فعّال من خلال توفير جميع المعطيات والتقارير الضرورية لإدارة شؤون الدولة.

ختاماً، لا بد من الإشارة إلى أن لبنان يعاني منذ سنوات من شغور رئاسي متكرّر نتيجة الانقسامات السياسية العميقة التي تعيق التوصل إلى اتفاق حول انتخاب رئيس جديد. ويبدو أن غياب آليات دستورية واضحة لمعالجة هذا الشغور يُضاعف من الأزمة، ويضع البلاد في وضع هش يتأثر بشكل مباشر بالتحديات الداخلية والخارجية. فهل حان الوقت لتعديل الدستور اللبناني بحيث يتضمن آليات طوارئ تؤمّن استمرارية عمل الدولة وتتيح حلولاً عملية وسريعة لتفادي شغور رئاسي مستقبلي، وتضمن الحفاظ على استقرار المؤسسات في فترات الأزمة؟

كتبت ألين الحاج في “المسيرة”ـ العدد 1759

إقرأ أيضًا

للإشتراك في “المسيرة” Online:

http://www.almassira.com/subscription/signup/index

from Australia: 0415311113 or: [email protected]​​​​​​​​​​​​​

المصدر:
المسيرة

خبر عاجل