دائمًا ما يهرب الجزار!

حجم الخط

كثيرة هي المحطات التي كان من المفترض فيها أن تدمع عيوننا على مرّ عشرات السنين، منها القاسية جدًا كاجتياح المجلس عام 1992، واعتقال الحكيم في غدراس عام 1994، والتوقيفات الكثيرة في غياهب سجون وزارة الدفاع في عهد النظام الأمني اللبناني السوري، وما كان يرافقها من فنون التعذيب والترهيب… وغيرها الكثير.

لا أدري لماذا تراكمت فينا بالأمس كل تلك المخلفات، ولم يكن بالإمكان حبس الدموع، ولا أعرف إن كانت فرحًا بالخلاص من هذا النظام الجزار، أم دموع الحزن على مشاهد التعذيب في السجون وأشكال المساجين الواهنة كأنها خارجة من قبورها، والتي أعادت ذكريات الماضي البائس الحزين في أقبية التعذيب وصراخ الرفاق الذي لا يخفت في الآذان.

هذا النظام المجرم الذي شاهدنا منذ صغرنا مجازره في بشري والأرز، وتنكيله بجثث أقاربنا، ثم ونحن نكبر، تعرفنا على كل فظائعه اللا ـ إنسانية الأخرى التي ارتكبها الجزار على طول وعرض مساحة لبنان، وطالت كل الفئات اللبنانية، ثم أكمل بعد الحرب من خلال عصاباته، ولاحقًا بعد انسحابه بعملائه الذين ساروا على نفس درب الاغتيالات والقتل والترهيب.

غريب كيف أن الإنسان يتناسى دائمًا التاريخ فور شعوره بالقوة والعظمة، ويظن أنه سيكون مختلفًا عن أسلافه القتلة الذين لفظتهم شعوبهم، ورُميوا في مزابل التاريخ، منذ فجر هذا الكون حتى اليوم. كنا نرى كيف كان يضطر المجرم الجزار الى الهروب كاللص بسرعة الغزال، لأنه يعرف أن الحساب سيكون عسيرًا على ما اقترفته أيديه الشريرة بحق شعبه.

في كل مرة نشاهد أحد هؤلاء المجرمين فارًا مختفيًا مختبئًا أو متسترًا بلباس امرأة، من دون أن ننسى ذاك المجرم القاتل الذي هرب بلباس النوم، تاركًا أعز ما عنده وراءه، في كل مرة أتساءل، ما الذي دفع بذاك المارد الى أن يبقى في مقره في غدراس منتظرًا أن يأتي السجان المأمور من جزار الأمس، ليسوقه الى سجن لا يعرف متى سيخرج منه!!

الحقيقة الساطعة أن مرتاح الضمير والبريء والمجبول بالشرف والكرامة، الذي يضحي بكل غال من أجل قضية شعبه المحقة، ومن أجل تراب أرضه المجبول بدماء القديسين ودماء أجداده وآبائه ورفاقه، يواجه منتصبًا كالرمح حتى الرمق الأخير.

الى ذاك المارد الذي واجه بصدره وباللحم الحي إيران وسوريا والجهاز الأمني اللبناني السوري، والذي كانت مواجهته تلك من خلف القضبان، النبض الوحيد الحرّ المتبقي في لبنان، وهذا النبض كان المدماك الأساسي الذي بنى عليه البناؤون لتحرير لبنان من المحتل، والذي أوصلنا الى أن نشهد على نهاية الديكتاتور في سوريا، كما نهاية منظومته التي أورثنا إياها بعد خروجه المذل من وطننا.

لك قائدي ورفيقي سمير جعجع، ندين بفائض الشرف والكرامة التي، وفي عز سنين القهر والقمع والتنكيل، أبقت رؤوسنا شامخة وعالية حتى في وجه السجانين الذين لم يستطيعوا على الرغم من كل بطشهم، أن يسلبونا هذا الشعور، شعور الجندي في أرض المعركة الذي يحارب من خلف قائده الذي يأبى إلا أن يكون في المقدمة.

في هذا اليوم الكبير، أنت أكثر من يستحق التهنئة بزوال من انتشلت من فمه يومًا، الاتفاق الثلاثي المذل، ودفعت ودفعنا ثمن ذلك غاليًا جدًا، لكن في النهاية، لم يصح إلا الصحيح.

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل