ايلي كيروز.. سعادة الحبيس

حجم الخط

إيلي كيروز

17 أيلول 1716 لم يكن يومًا من الأيام التي صنعها أو يصنعها الرب… ذلك اليوم القاهر أذعن نبي الرهبانية اللبنانية المارونية الأب العام عبدالله قراعلي لسيامته أسقفًا على أبرشية بيروت المارونية سيامةً شبه إجبارية، بمرسومٍ بطريركي أشبه بفرمان سلطاني أبرمه البطريرك الماروني يعقوب عواد. تقبَّلَ المؤسس الركن حكم الجزية الأسقفية طائعًا متصبِّرًا متبصِّرًا، عاقبة رفضه ما تبيِّته تلك الغاية في نفس يعقوب ومَن مثل واضع حجر الأساس في مدماك الرهبانية المنظمة المقوننة يدرك خطورة عصيان أمر واقع قد فرضه صاحب الغبطة، بمؤازرة بعض من أصحاب زنانير حمراء، احمرَّت عيونهم حتى التَّورم من رهبانية يافعة تبعتها جموع الرعايا، كالتي تبعت الرب المعلم إلى مواضع الأمثال والتطويبات وتكثير الخبز وعمرها الكيانيِّ الأنطونيوسي ما زال في ربيعه الواحد والعشرين.

انجذاب الشعب إلى وضوح الضوء في مصابيح الرهبانية الناشئة، ألهبَ أحقادَ أولئك الذين مملكتهم من هذا العالم وأوغر صدورهم، وأرباب الجلوس في أوَّل المتَّكآت لا يتهاونون ويتساهلون مع مَن يبشِّرون بأنَّ التاج الأساس لا يترصَّع بغير الشوك والصولجان الحبروي، أصله قصبة… أمَّا الزاهد “الدخيل” على الرِّئاسات فهو خير العارفين بأن رتبة المطران لم تعطَ له تكريمًا لعظيم ما فعل، أو تقديرًا لغزير ما أنتج وأنجز. فهدف رئيس الرؤساء ومَن يجارونه نفي قراعلي المستحبس في مصباحه الرهباني إلى قراعلي المرغم على الأسقفية صونًا لرهبانيته وفدية عنها!!

 

الكيروز

كثيرٌ من تأمُّلٍ وصلاة مع قليلٍ من تخيِّلٍ  واستنتاج، نطلق خيالنا كي نقارب بين رتبة أسقفية الزاهد البار والعالم الصدِّيق، وبين لقب سعادة النائب الذي حملته وتحمَّلته طوال دورتين برلمانيتين متتاليتين والمقام النيابيِّ لم يكن في يوم من أيامك البرلمانية متجانسًا مع ملامحك النسكية المطبوعة طبعًا على وجهك ومحيّاكَ، وطبعًا لم يكن هناك تطابق بالنوايا بين البطريرك والحكيم،  ورفيقك ابن ملحم جعجع رأى فيكَ مارآه ابن عمه وعمك خليل جبران في مزايا ومرايا كوكبة أرواحه المتمردة   فكنت أنتَ أوَّل المتطوعين لمقارعة “راجي بيك الضاهر” وإغلاق الباب إغلاقًا محكَمًا على صالة معرض الطرابيش الأسطنبولية، كما كان المأمول منكَ إدارة العواصف القدسية وتوجيهها نحو واجهات الأبواب المتعالية المُبروَزة ببراويز وجاهات القَدر المحتوم وكم نالت أمانينا من عواصفك آمالاً وأفراحًا!

دزِّينة سنوات وأنت تعاني فكريًا ونفسيًا وروحيًا من نمرةٍ زرقاء تعلمُ بأنها لن تصيب لك الجائزة الكبرى وقيمة جوائز ساحة النجمة هي أدنى بأثمان مِن قيمِ الأرباح المكنوزة في وادي آية “لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض” !!

 

القنوبينيّ

ما أحوج “القوات اللبنانية” إليك اليوم  كي تكون أنت بالذات دليلاً ودالولاً إلى منشئها الأول… في حمى آيتين كانا على مدى مئات ومئات السنين حصنين يؤكِّدان مناعتنا كلما أوشكنا أن ندخل في تجربة استجداء الحماية ونسقط إلى مذلَّة توسل الاسترحام، آية: “لا تخف أيها القطيع الصَّغير”، وآية آيات محابس قزحيا مجرى نهر كنز الحياة  “الحبيس يونان المتريتي”  أحد أبهرَ الذين ليس لهم حجر يسندون إليه رؤوسهم، ومن غيركَ يا كيروزنا يمكنه أن يكون لقواتنا اللبنانية يونانها المتريتي، ومَن سواك يؤكِّد بالأيمان المغمَّس بالدماء المسفوكة فوق جلجلة “قرنة سوهده” منذ قديم الأعوام، بأنَّ مساحتنا الوطنية الرسمية إن لم ترتبط بعِرقها اللبناني الأكثر نقاوةً، فهي هرطقةٌ عقارية تناقض بقبائلية هجينة فحوى اثنتين وسبعين وثيقة ملكية يوثِّقها الكتاب المقدس، الذَّاكر لبنان وأرز لبنان اثنتين وسبعين مرة بأنَّ ليبانوس هو جبل الرب الأبيض!!

 

أبن الكرم الكيروزي

والدك كرم الياس كيروز ووالدتك لودي مخيبر كيروز فيما أنعم عليهما معطي الحياة من أبناء، هل هما أقلَّ أبوَّةِ ونبوءة من آليشاع النبي الساكن شفيعًا دير الوادي البشراوي، وهل أنت أقلَّ بنوَّة وبناء وقد بنيت بيتك فخرًا يفتخر به الملك “الوديع المتواضع القلب “ويباركه ديرًا عائليًا يجمع مارون وشربل، يضيفان إليكَ بعضًا غزيرًا من لمعات الروح في سفر نبوءات شفيعك ايليا التشبي وتلميذه أليشاع، كما في سفر تنبَّؤات عبدالله قراعلي ومركب مرفأ مدينة أورفليس، مطلوب منكَ أن تصل به أمينًا آمنًا زائرًا جميع مرافئ نهر وادي القديسين وآتيًا بنبي المحبة مبشِّرًا بسطعة إيمان “خليل الكافر” وسطوة عقل “يوحنا المجنون”، وأنك متحدِّر التبشير من منابع كرازةٍ كيروزية تتصل بابن أهلك وربعكَ مار غصيبة كيروز الطوباوي الكيروزي الديراني العتيد، تملأ سراجك من دمه المسفوك مسيحانيَّة  كي يبصر الذين “لهم عيون تبصر ولا يريدون أن يبصروا”، أين هي علامات الوصول إلى طريق الذي وحده الحق والحياة!!

 

خي الياس كيروز البشراوي

جيل رهباني فلاَّحيّ قد مضى كانت سعادة أبي الرهبان فيه لا تسعها أدياره وبراريه. مرَّ على ذلك الجيل راهبين رئيسين من ريَّاس الحقلة والحقول، هي توأم الرهبان وآية أيديهم الموضوعة على المحراس من دون الالتفات وراءً.

خي الياس صقر الكفيفاني المعروف بـ”ملك عين بقرة” والعين هي مزرعة تابعة لدير مار أنطونيوس قزحيا، يتزيَّن بها جبل مار الياس المقابل لجبة بشري، وخي الياس شجرةٌ رهبانيَّة حوَّل جبل شغيعه إلى معلِّقاتٍ من جنائن التفاح. أمَّا أخوه الرهباني خي جريس حرب التنوري، فقد أوكل إليه أبيه مار أنطونيوس حوب بجنائن تفاح الدير المتدرِّجة فوق أعالي تلال غيمون، فحوَّلت همم ريسا الحقلة الكفيفاني والتنوري، جنائن “عين بقرة” وجنائن “غيمون”، إلى فردوسٍ أين فردوس عدن من جمهور أشجار كل أنواع التفاح والإجاص والسَّفرجل والخوخ والكرز والمشمش والدوالي، وأيلول القطاف الديري شاهد على غلال تفاحٍ عديد صناديقه سنويًا بين 30 – 40 ألف صندوق ما عدى سائر فاكهة الفردوسين!

خي الياس الكفيفاني وخي جريس التنوري نقلتهما الطَّاعة الربّانية إلى جنائن الثالوث الأقدس السماوية حيث أرصدة الفَعَلة الأمناء بعد عمر رهباني ناهز آلأف أشجار لم تثمر إلّا الأثمار الصَّالحة السخية، وبعد زمان هذين البارَّين، اقتحمت الحداثة الحصون الديرية وتسيَّدت رُتبُ الترؤس والتمدن والتَّمكتب، ثمَّ تفشَّت ألقاب “الأب الدكتور” و”الأب البروفسور”، واندثرت أيام الأخوة العَمَلة، فأصابت نكبة التطوُّر الفجائي العشوائي غلال الأراضي الديرية في الصميم، وهبطت أرقام محاصيلها هبوطًا مخزيًا محزنًا، فالزرع الرهباني قد فشل فشلاً قاسيًا في التَّعامل والتَّفاهم إلاَّ مع فلاَّحيه ولذلك نحن البقية الباقية من فلاحي حقول رهبانية “القوات اللبنانية” ومقلعجيتها وطرَّاشتها الموسومين بترابها المتباركين من أشواكها، المغمورين بأشواقها، إننا وبعد استلهام الروح المعزّي المساكين، نتوجه إليكَ بنداء اختيارنا لك وأنتَ سليل أساكيم رهبان كوارزة فاضت فضائلهم فيض ينابيع وادي دير قزحيا، ونداؤنا صوت انتخابي تفضيلي يختارك ملهِمًا كالحبيس “يوسف الفخري” الساكن محبسة إبداع جبران خليل جبران وإنًّك مثله عارف بمطارح البور وبقعو الجفاف ومصادر القحط ومكامن اليباس، فتزدهر جنائن “القوات اللبنانية” ازدهار جنائن خي الياس الكفيفاني وخي جريس التنوري وبرفقتك يا خي الياس البشراوي “نتمم سعينا ونحفظ إيماننا” ورب الحصاد الوفير يحفظنا وينجينا ويجنبنا الوقوع في تجارب صدارة المجامع وغاوايات عدسات التصوير وإغراءات جوائز التعيينات البرونزية والفضية والذهبية!!

 

أيلي كيروز

معهد الإعداد الفكري ما زلنا على عهده وعهدك فيه ملفانًا لنا، هو معهد القنوبينيَتين:

قنوبين وادي الأديار والأدهار، وقنوبين البيت بيتنا بيت طبرجا الذي تمَّ تحريره من “الأعداء الغاشمين” المُلحقين بترددات زلزال سيدة النجاة 27 شباط 1994، وما زالت لنا فيه آيات كيروزيات مستوحاة من آية: “نحن الذين سكنا المغاور والكهوف” ولم يطل الوقت على يوم جمعة عظيمة لبنانية كان رجلها هو ذاته حامل خطايا العالم “القابع في غدراس”، ذلك الزمان !

من البطريرك يعقوب عواد الحصروني إلى أخيكَ ورفيقكَ في مصابيح الزيت والزيتي، ملفونو مخول الحصروني، الكتاب الذي لا تتسع له أيَّة مكتبة، نمضي معك إلى الحصاد الكثير والبيدر الكسير، يلاقينا الملفان الحصروني من فوق قبة كنيسة القديسة حنة، نسير إلى لقائهم أو نثور. أخوَّتهم نعمة لنا ورفقتهم دين علينا وألف طوبى لهذه النعمة ولهذا الدَّين ومن أين لنا أين تأتي إلينا سيدتنا الإيليجية سلطانة الشهداء، تحفظ في قلبها أيقونةً لوحيدها من رسم كأس الجمعة العظيمة وحولها 15 ألف أيقونة مرسومة بريَش 15 ألف أم من أمهات لبنان!!

يوم 17 أيلول 1716، سيمَ الزاهد العام عبدالله فراعلي سيامة حبريَّة جبريَّة. يوم 7 آب 2001، تمت سيامة الكيروز الكارز ببشارة حرية أبناء الرب والوطن، أسقفًا على مذابح “البلانكو”، مكافأةً “عنجريَّة” لقديس مصالحة أهل جبل الكيان اللبناني التاريخي مار نصرالله لبنان صفير بطريرك ساحة ثورة الأرز وسائر الثورات الإنسانية!!

المصدر:
فريق موقع القوات اللبنانية

خبر عاجل